اثبات النسب في مدونة الاسرة المغربية pdf

اثبات النسب في مدونة الاسرة المغربية pdf

دعوى اثبات النسب في القانون المغربي

وسائل اثبات النسب وفق مدونة الاسرة
يعتبر النسب من أهم الحقوق التي اعتنى بها الاسلام ونظمها المشرع في نصوص تشريعية حيث عمل على تحديد وسائل إثباتها حماية للاعراض ودفعا لاختلاط الأنساب.
 لما كان النسب من النظام العام، فان المشرع شرعا وقانونا أحاطه بمجموعة من الضمانات لحق الطفل فيه ثم حماية للأسرة فاستنبط بذلك مجموعة من السبل الشرعية لثبوت النسب، أقرتها الشريعة الإسلامية مسبقا وهي الوسائل التقليدية لإثبات النسب(الفراش، الإقرار، شهادة العدلين، بينة السماع بشروطها) ثم أضاف وسيلة حديثة مع تطور العصر كلازمة أصبح من الضروري اللجوء إليها لإثبات النسب وهي البصمة الوراثية ADN كنقلة فريدة في المجال العلمي وهذا ما سنتطرق اليه في دراستنا لهذا الفصل.

رابط التحميل بصيغة PDF : وسائل اثبات النسب ونفيه بين الشريعة والقانون المغربي

اثبات النسب في مدونة الاسرة المغربية pdf

المبحث الأول: وسائل الإثبات التقليدية

المطلب الأول : إثبات النسب بالفراش
الفقرة الأولى: مفهوم الفراش و شروطه
الفراش في اللغة:جاء في المعجم الوسيط: فرش الشيء فراشا أي بسطه وفي لسان العرب (الولد للفراش) أي الولد لمالك الفراش من باب دلالة الاقتضاء على غرار قوله تعالى:"واسأل القرية" أي أهل القرية وتسمى المرأة فراشا لأن الرجل يفترشها ولعلماء الشريعة في الأمر آراء.
وفي فقه الشريعة : اختلف العلماء في تحديد مفهوم الفراش، لكن يظهر لنا جليا من خلال معظم المراجع أنهم لم يخرجوا عن نظام مفهوم الزواج والعقد القائم بين رجل وامرأة عند ابتداء حملها على أساس عقد الزواج المستجمع لشروطه وأركانه والقائم مقام الاتصال بين الرجل والمرأة ينشا عنه الولد. فلو فسر الفراش على ظاهره فالمرأة ستكون فراشا في الحلال أو في الحرام، وعلى فراش الرجل إذا استأجرها للبغاء وهو فراش لاينتشئ نسبا للواطئ، فصح أن المراد بالفراش العقد الصحيح .
أما في مدونة الأسرة فإنها لم تخرج عن نطاق فراش الزوجية في تحديدها لمفهوم الفراش حيث نصت المادة 16:"تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج" ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت العبرة في إشهار عقد الزواج فإنه في المدونة لابد من توثيق العقد مما يدل معه على أن الوضع معكوس من الوجهة القانونية لأنه يجعل التوثيق أولى من الإشهار .
لقد اجمع فقهاء الشريعة في كل العصور على أن النسب يثبت بالفراش، كما اجمعوا على أن الفراش يثبت بالزواج وقد قنن المشرع المغربي القاعدة في أكثر من نص تشريعي غير أن السبب لا يثبت بمجرد قيام الزوجية على عقد صحيح مستجمع لأركانه وشروطه بل لابد من شروط أخرى، بحيث إذا انتفى واحد منها أدى إلى عدم لحوق الولد بالفراش حال قيام الزوجية وهذه الشروط هي:
- إبرام عقد زواج صحيح كقاعدة.
- انصرام مدة الحمل ( أن تأتي الزوجة بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم العقد).
- أن يكون الزوج في وضع يسمح له بالإنجاب( إمكانية ولادة الزوجة من زوجها).
- ألا ينفي الزوج ما حملت به زوجته أو ولدته.
الفقرة الثانية: ثبوت النسب بالزواج الصحيح
ورد لفظ الفراش في مدونة الأسرة في أربعة سياقات بمدونة الأسرة، كلها تريد المراد بالفراش لعقد صحيح .
-السياق الأول : عندما أراد المشرع أن يقارن في الإثبات بين الفراش والزوجية حيث قال:"يثبت الفراش بما يثبت به الزوجية" (المادة 153).
-السياق الثاني: عندما أراد المشرع أن يحدد أسباب لحوق النسب حيث قال: "أسباب لحوق النسب هي: الفراش،الإقرار،والشبهة"(المادة 152).
-السياق الثالث : عندما أراد المشرع أن يحدد حجية الفراش حيث قال: " يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب".
-السياق الرابع : عندما أراد أن يحدد سبيل الفراش لثبوت النسب حيث قال : ''يثبت نسب الولد بفراش الزوجية'' ( المادة 154 ).
فمن خلال استقراء السياقات الأربع نستخلص ما يلي:
- المشرع يحيل في جميع المواد على الزواج الصحيح المثبت للنسب والذي لا ينازع في قوته أي سبب كيفما كان لأنه يعتبر حجة قاطعة على ثبوت النسب.
فقد جاء في القرار رقم 622 بتاريخ 1982-05-10 مايلي: ''لما كانت المحكمة قد تأكدت من أن المرأة وضعت ولدها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولود بالزوج بناءا على ما ثبت لديها لأنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج قبل أن يعقد عليها أخذا بالنظرية الفقهية القائلة بجواز اعتبار الحمل الذي يظهر بالخطيبة قبل أن يعقد عليها الخطيب ولحوق النسب بالخطيب إذا أمكن الاتصال تكون بصنيعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول به والحديث الشريف" الولد للفراش" أي للعقد الصحيح بعد إمكان الوطء وجاءت به بعد ستة أشهر من العقد ، إلا أن مدونة الأسرة اعتبرت فترة الخطوبة شبهة تلحق الولد بالخطيب إذا توافرت فيه شروط المادة 156''.
وبهذا تكون مدونة الأسرة حققت مقصود الشارع في لحوق النسب بشروطه وهي :
-أن تشتهر الخطوبة بين أسرتي الخطيبين.
-أن يوافق ولي الزوجة عليه عند الاقتضاء.
-أن يقع حمل الخطيبة أثناء الخطوبة.
-أن يقر الخطيبان بأن الحمل منهما.
الفقرة الثالثة : ثبوت النسب بالزواج غير الصحيح
إذا كان عقد الزواج الصحيح حسب منطوق المادة 50 م.أ هو ذلك العقد الذي لم تختل فيه الأركان المشار إليها في المادة 10 أو الشروط الواجبة التي تنص عليها المادة 13، إلا أن عقد الزواج غير الصحيح ينقسم إلى قسمين :
-عقد زواج باطل: وهو الذي يبطل حسب منطوق المادة 57 باختلال يتعلق بالإيجاب والقبول بانعدامهما أو انعدام تطابقها أو بتحقق أحد موانع الزواج بنوعيها (المؤقتة والمؤبدة).
وإذا كان الأصل في عموم العقود أن البطلان يعدمه كان لم يكن، إلا انه في عقد الزواج لا يسقط صداق إذا وقع البناء، كما أنه يوجب استبراء الرحم، بل يلزم منه أيضا لحوق النسب والمصاهرة إذا تبين أن سبب البطلان لم ينجم عن سوء نية من العاقدين، كما لو لم يكونوا-مثلا-على علم بحرمة زواج بينهم بسبب الرضاع.
-عقد الزواج الفاسد: نصت المادة 59 على أن الزواج يكون فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60-61 ومنه ما يفسخ قبل البناء ويصحح بعده، ومنه ما يفسخ قبل البناء وبعده وهي الشروط الواجبة.
وفساد الزواج يكون أما للعقد وهو المنصوص عليه في المادة 61 وأما للصداق وهو المشار إليه في المادة 60 .
الفقرة الرابعة : آثار الزواج الصحيح وغير الصحيح على النسب
يثبت نسب الولد من الزوج، في حال وجود زواج فاسد،إذا وضعت الزوجة طفلها في مدة لا تقل عن الستة أشهر من دخول الزوج دخولا حقيقيا بها ولكن لا يثبت نسب الطفل إذا وضعته أمه في اقل من هذه المدة لأنها تكون قد حملت به قبل أن يدخل زوجها بها. وعلى كل لا يتأتى للزوج الذي دخل بزوجته في زواج فاسد أن ينفي نسب ولده أصلا في حال ولادته خلال الستة أشهر أو بعدها لأن النفي لا يتحقق إلا باللعان وهذا غير ممكن هنا لأن العقد فاسد ومن شروط اللعان أن يكون العقد صحيحا.
فنستنتج من هذا الوضع أمرين :
- يتحقق الفراش في الزواج الصحيح بالعقد ذاته بينما لا يتحقق في الزواج الفاسد إلا بالدخول الحقيقي للمرأة بعد العقد الفاسد. لهذا تحتسب مدة الحمل في الزواج الصحيح من تاريخ العقد وفي الزواج الفاسد من تاريخ الدخول. وهو ما أخذت به المدونة فاعتبرت المادة 154 أن مدة الحمل إذا كانت لا تقل عن ستة أشهر من تاريخ العقد في الزواج الصحيح ومن تاريخ الدخول في الزواج الفاسد فإنها تكون حجة قوية يثبت بها النسب.
-يعتبر النسب الثابت بالدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أقوى من النسب الثابت بالعقد في الزواج الصحيح نظرا لعدم إمكانية نفيه أصلا في الوقت الذي يمكن فيه نفي بشرطين وهما:
-أن ينفي الزوج نسب الولد ساعة ولادته، أو وقت شراء لوازمها أو وقت علمه بأن زوجته ولدت له إن كان غائبا، وفي أيام التهنئة المعتادة، وإلا اعتبر سكوته إقرارا ولا يقبل منه النفي بعد ذلك. وهذا الشرط هو شرط شرعي ثابت وإن كانت المدونة قد راعته إلى حد كبير إلا أنه أصبح متجاوزا لأنه أصبح بإمكان الزوج أن يثير دعوى إثبات النسب بشرطين:
- إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على ادعائه
- صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.
بتوفر هذه الشروط يكون من حق الزوج الطعن في النسب عن طريق اللعان أو بخبرة تفيد القطع حسب المادة 153 م.أ.
وفي نفس السياق فان المادة 154 م.أ نصت على ما يلي : "يثبت نسب الولد بفراش الزوجية:
-إذا ولد لستة أشهر وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا.
-إذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق".
المطلب الثاني: إثبات النسب عن طريق الإقرار
الفقرة الأولى: مفهوم الإقرار وأنواعه
أولا: مفهوم الإقرار
الإقرار في اللغة : هو "الإذعان للحق والاعتراف به".
في الاصطلاح : هو خبر يوجب حكم صدقه على قائله بلفظه أو بلفظ نائبه، كما أشار إلى ذلك ابن عرفة وميارة الفارسي. وقد نظمه المشرع المغربي بمدونة الأسرة وسماه كذلك بالاستلحاق من خلال المواد 160 و161 و162.
ثانيا : أنواع الإقرار
1- إقرار يتطلب ثبوت نسب المقر له من المقر ابتداء ويتفرع عن ثبوت نسبه من المقر: يقتضي إقرار الرجل لغلام انه ابنه إثبات نسب الغلام من هذا المقر، فإذا تمكن الرجل من ذلك يصبح أبو المقر جدا للمقر له، وأولاد المقر إخوة له، وأشقاء المقر أعماما له، ويصح في هذا إقرار المرأة لولد انه ابنها، وإقرار الولد لرجل انه أبوه، أو لامرأة أنها أمه.
2-إقرار يتطلب ثبوت نسب المقر له من غير المقر ابتداء ويتفرع عنه ثبوت نسبه من المقر: يقتضي إقرار الرجل لآخر أنه أخوه، ثبوت نسب المقر له من والد المقر، فإذا أمكن ذلك يصبح أبو المقر والدا للمقر له. ويصح هذا في إقرار الشخص لآخر أنه عمه، أو ابن عمه أو ابن أخيه، لذلك لا يمكن أن يكون المقر له بالأخوة ابنا لوالد المقر، والمقر له بالعمومة ابنا لجد المقر إلا أن يصدقه من حمل النسب عليه، أو أقيمت عليه البينة، نظرا لكون الإقرار هنا حجة قاصرة على المقر فقط.
الفقرة الثانية : شروط الإقرار
حسب المادة 160 من مدونة الأسرة : " يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقربة ولو في مرض الموت، وفق الشروط الآتية:
-أن يكون الأب المقر عاقلا.
-أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب.
- أن لا يكذب المستلحق غفل أو عادة.
- أن يوافق المستلحق إذا كان راشدا حين الاستلحاق. وإذا استلحق قبل أن يبلغ سن الرشد، فله الحق في أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه سن الرشد".
وسنبحث هذه الشروط تباعا كما يلي :
أ- أن يكون المقر بالنسب أبا: الحمل أو الولد ينسب دائما إلى أمه، سواء جاءت به عن طريق شرعي أو عن طريق غير شرعي، لأنه منها واليها، بخلاف الأب الذي يعترف الشرع بنسب حمل أو الولد إليه إلا إذا جاء به عن طريق شرعي، أو ثبت نسبه إليه بالوسائل التي يعتد بها شرعا من بينها الإقرار طبعا.
ب- أن يكون المقر بالنسب عاقلا: ويقصد بالعقل أن يكون المقر بالنسب كامل الأهلية فلا يكون صبيا أو مجنونا أو معتوها أو مكرها. وكمال الأهلية في التشريع المغربي يتحدد في ثماني عشرة سنة شمسية كاملة .
ج- أن يكون الولد المقر به مجهول النسب: مجهول النسب حسب جانب من الفقه الإسلامي والشخص الذي لا يعرف له أب في البلد الذي ولد فيه، ولا في البلد الذي وجد فيه، إن وجد في بلد آخر. وعليه فمتى عرف نسب الشخص من أب معين فلا يصح مطلقا الإقرار ببنوته من طرف الغير، ذلك أن النسب الثابت لا يقبل الفسخ، كما لا يقبل التحويل من أب إلى آخر.
لان الزنا- وبإجماع الفقهاء- مانع من لحوق النسب بالزاني، فيجب أن لا يصرح المقر قبل أو أثناء إقراره أن الولد المراد استلحاقه قد كان ثمرة زنى، فالزنا جريمة في الإسلام، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجتمع حد ونسب كقاعدة عامة.
د-أن لا يكذب المستلحق عقد أو عادة: أي أن المنطق والواقع لا يكذبان واقعة استلحاق الأب بالابن. كان يكون الأب أصغر سنا من أن يستلحق ابنا ما، وألا يدعو الشك إلى استحالة ولادة أحدهما للآخر.
هـ- يجب أن يصدق المقر له والمقر في إقراره إذا كان راشدا: فالمقر له ( المستلحَق ) متى كان غير بالغ سن الرشد تنعدم إرادته في قبول إقرار الأب به، وهذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء وفي نفس الصدد ذهبت مدونة الأسرة، غير أنها تخلت عن موقف المالكية عندما قررت من خلال أحكام المادة 160:
-وجوب موافقة المستلحق إن كان راشدا.
-السماح للمستلحق برفع دعوى نفي النسب بعد بلوغه سن الرشد. متى تم استلحاقه قبل بلوغه هذا السن.
أما بخصوص الصغير سواء كان مميزا أو غير مميز كذا منعدم الأهلية كالمجنون فكلاهم ليسوا أهلا للتصديق ولا يعتد بإقرارهم في قبول النسب الملحق لهم لأنهم ليسوا أهلا للتصديق.
و-تعيين الأم من جانب المستلحِق يعطيها الحق في الاعتراض بنفي الولد عنها: وهو ما نصت عليه الفقرة ما قبل الأخيرة في المادة 160 من م.أ التي جاء فيها ما يلي: "إذا عين المستلحِق الأم، أمكنها الاعتراض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الاستلحاق".
فلنفترض هنا جدلا أن الأم نازعت في صحة الاستلحاق لم تقبل تعيين الأب لها لأن الابن الملحق بها في هذه الحالة من طرف الأب ليس من صلبها فما هو محل الابن في هذه الحالة؟ طبعا الابن بما أنه توافرت شروط الاستلحاق من طرف الأب لأن هذا الأخير يعترف بنسب حقيقي لشخص مجهول النسب يكون من صلبه فإنه جائز شرعا كما أشار الشيخ خليل وبالتالي تترتب آثار البنوة الشرعية بين المستلحِق والابن المستلحَق شرعا وقانونا.
ز-لكل ذي مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الإقرار: وهو ما نصت عليه المادة 160 في فقرتها الأخيرة :" لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة، مادام المستلحِق حيا.
إذن فمن تكن له هذه المصلحة المشروعة؟
- المصلحة لن تخرج عن دائرة الأبوين والورثة.
- الأب لا يصح له الرجوع عن إقراره متى أقر ببنوة ابن من صلبه حتى تطبق أحكام الوصية الواجبة أما إذا كان من غير صلبه فتطبق أحكام الوصية الإرادية لأنه يعد تنزيلا أو كفالة أو تبنيا وليس استلحاقا.
- الأم يصح لها أن تنازع في الاستلحاق إذا لم يكن الولد من صلبها.
- الورثة لهم حق الطعن بالزور في الإقرار المقترن بإشهاد رسمي يكون محل ثائرة شك .
الفقرة الثالثة: وسائل إثبات الإقرار وآثاره
أولا: إثبات وسائل إثبات الإقرار
هذه الوسائل محددة وفق المادة 162 من م.ا، التي نصت على أنه:" يثبت الإقرار بإشهاد رسمي أو بخط يد المقر الذي لا يشك فيه".
أ‌- الإشهاد الرسمي:
يجب الإشهاد على الإقرار بالنسب من طرف عدلين منتصبين للإشهاد وتوثيقه، ثم بعد ذلك المخاطبة عليه من جانب قاضي التوثيق حتى يكتسب الصفة الرسمية.
ب‌- خط يد المقر الذي لا يشك فيه:
ذلك انه قد تمنع ظروف ما المقر من الاتجاه إلى العدول كإصابته بمرض أقعده من الخروج من البيت، وفي هذه الحالة يصح له استثناء أن يكتب الإقرار بالنسب بخط يده، فنحن هنا أمام وثيقة وفية تكتب بخط يد المقر ولا يصح كتابتها مطلقا من طرف الغير.
غير أنه يجب الإشارة أن هذه الوثيقة التي قد تتضمن إشهادا من المقر ببنوة ما، فإن هذا الإقرار بالنسب وإن كان يصح شرعا ( لأنه مجهول النسب) وقانونا لأنه ليس هناك ما يمنع ذلك، فإنه يتطلب توافر توقيع أسفل الورقة ولا يقوم الطابع أو الخاتم مقام التوقيع ويعتبر وجوده كعدمه. فإذا كان المشرع يتطلب هذا الشرط الشكلي بدقة متناهية حسب الفصل 426 من ق.ل.ع فهل يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد غير الشخص الملتزم بها؟
طبعا يسوغ ذلك بشرط أن تكون موقعة منه، وهذا في نظرنا شرط صحة لا شرط تمام، لأن ما نصت عليه قاعدة قرار المجلس الأعلى ، والتي جاء فيها:"عدم تحقق المحكمة من توافر شروط المادة 156 واعتمادها فقط على رفض المدعى عليه الخضوع للخبرة الطبية لإثبات النسب، تكون قد جعلت قرارها معرضا للنقض".
فانه في نظرنا ليعتبر الإقرار صحيحا ولا يتسرب إلى مضمونه أي شك فانه يجب أن يتضمن إلى جانب التوقيع اسم المقر بالنسب وإلا فلا يعتد به قانونا.
ثانيا: آثار الإقرار
لقد جمع المشرع المغربي الأحكام التي تترتب على الإقرار بالبنوة من خلال المادة 157 من مدونة الأسرة، وتقضي بما يلي:" متى ثبت...النسب بالاستلحاق، ترتب عليه جميع نتائج القرابة، فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع، وتستحق به نفقة القرابة والإرث".
معناه أن اثر الإقرار بالنسب لا يختلف مطلقا عن أثر النسب الثابت شرعا عن طريق الفراش.
وأخيرا فان الإقرار بالنسب، في مرض الموت، لا تأثير على ذلك الإقرار على ما وضحه المشرع في المادة 160 من مدونة الأسرة.
المطلب الثالث : مفهوم الشبهة، أنواعها وأحكامها
أولا: مفهوم الشبهة
الشبهة حسب بعض الفقه هي كل ما لم يتيقن هل هو حلال أم حرام.
يتحقق الاتصال بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي تلتبس بصورته المشروعة، وبعبارة أخرى، فإن الاتصال بشبهة أو المبني على الشبهة لا يكون زنا ولا ملحقا بالزنا من جهة، ولا يكون هنا،على نكاح صحيح أو نكاح فاسد من جهة أخرى ومن هنا دخلته الشبهة.
ثانيا: أنواع الشبهة:
أ-شبهة العقد: وهي ما كان الاشتباه بحل الوطء فيها ناشئا عن عقد غير صحيح.
ب-شبهة الفعل: وهو ما كان الاشتباه بحل الوطء فيها ناشئا عن غير مقصود كما لو زفت إليه غير الزوجة التي عقد عليها وقيل له أنها زوجته، ولم تكن كذلك في واقع الأمر.
ج-شبهة الاشتباه أو شبهة في المحل: وهي إذا وجد على فراشه امرأة ظنها زوجته فوطئها ثم تبين أنها أجنبية عنه، فان وطأه أياها على هذا النحو، وهو يعتقد الحل يعتبر وطئا بشبهة.
ثالثا: أحكام الشبهة
اعتبرت المادة 152 من مدونة الأسرة أن الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب، ونصت الفقرة الأولى من المادة 155 من نفس المدونة على ما يلي :" إذا نتج الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ثبت نسب الولد من المتصل...".
ولأن الاتصال بشبهة هو عبارة عن واقعة مادية، فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 155 أعلاه أنه:" يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا".
ومتى أثبتت المرأة واقعة الاتصال، كان للمتصل أن يثبت انتفاءها أو عدم تحقق شروطها. فإذا كانت المرأة التي اتصل بها بشبهة متزوجة، وكانت على اتصال بزوجها، فإن النسب يلحق بالزواج على اعتبار أنه صاحب الفراش الشرعي، وإن كان له أن ينفيه عن طريق الخبرة الطبية أو اللعان متى اتضح له يقينا أن الحمل ليس صادرا منه. ومن المعلوم أنه متى ثبت النسب في الاتصال بشبهة ترتب عليه من الناحية القانونية جميع النتائج المتعلقة بالقرابة، فيمنع الزواج في الدرجات الممنوعة، وتستحق به النفقة والإرث، طبقا مقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة.
الفقرة الثانية: آثار مدة الحمل الناتج عن الشبهة
إذا كانت المادة 155 من م.ا نصت على أنه:" إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة بين أقل مدة الحمل وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل". بينما المادة 134 م.ا نصت على أنه :" في حالة ادعاء المعتدة الريبة في الحمل وحصول المنازعة في ذلك يرفع الأمر إلى المحكمة التي تستعين بذوي الاختصاص من الخبراء للتأكد من وجود الحمل وفترة نشوئه لتقرر استمرار العدة أو انتهائها".
وإذا كانت المادة 135 نصت على أن " أقصى أمد الحمل سنة من تاريخ الطلاق الوفاة"، فإنه لن يسعنا استخلاص آثار مدة الحمل الناتج عن الشبهة إلا من خلال تحليل الفصول الثلاثة للربط بين مدة الحمل والنسب من خلال ما تشير إليه المادة 134 بخصوص رابطة الزوجية والمادة 155 المتعلقة بالشبهة والمادة 135 التي حددت أمد الحمل في سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة. وفيما يلي تحليل هذه الفصول :
- الفراش الشرعي قرينة على إثبات النسب ولكنه يكون مشروطا بان تكون الولادة ثابتة التاريخ وداخل الأمد المعتبر شرعا.
- أدنى مدة الحمل تكون من تاريخ إبرام العقد بينما أقصى مدة الحمل تكون ابتداء من تاريخ انتهاء عقد الزواج وكيفما كان سبب الإنهاء ( طلاق،وفاة،فسخ...) وعليه فإذا عقد رجل على امرأة وأتت بولد خلال ستة أشهر فما فوق تحسب ابتداء من تاريخ إبرام العقد فالولد ينسب إليه، وإذا طلقها ( سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا)، أو توفي عنها وأتت بولد داخل سنة من الفراق لولد ولده. وهذا هو المعتمد شرعا وقانونا من خلال ما نصت عليه المادة 154 م.ا.
- المشرع استعمل عبارة من تاريخ العقد بالنسبة لأقل مدة الحمل وعبارة من تاريخ الفراق بالنسبة أقصى مدة الحمل، وهذا يفرض على أن رافع دعوى إثبات النسب كي يستفيد من المقتضيات التشريعية التي تحدد أقل مدة الحمل وأقصاها أن يحدد بدقة تاريخ إبرام العقد في أقل مدة الحمل وتاريخ وقوع الطلاق في أقصى مدة الحمل. غير أن هذا لن يكتمل كقرينة في نظرنا إلا بضبط تاريخ الولادة كما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى، الذي جاء فيه ما يلي :"...أن النسب المدعى به لابد فيه من تحديد تاريخ ازدياد المستأنف بدقة حتى يمكن القول بأنه ازدياد داخل أو خارج المدة المعتبرة شرعا للحوق النسب وأن هذا الأمر غير ثابت بأي سند قطعي يثبت يوم وسنة ازدياد المستأنف أن الشهود المستمع إليهم ابتدائيا عجزوا عن تحديد تاريخ الازدياد وأن الحجة عدد 318 لا تحدد بدقة يوم ازدياد المستأنف وأن رسم الإراقة عدد 34 يشير فقط إلى السنة بالتقريب الشيء الذي يفيد أن كافة الحجج المدلى بها غير قطعية في ثبوت النسب المدعى به مما يجعل الوسيلة بفروعها غير جديرة بالاعتبار لأمر الذي يستلزم رفض الطلب...". .
- ما تحيل عليه المادة 134 م.أ التي وردت في باب العدة وإن كان له تأثير بوجه عام على أحكام النسب من خلال قاعدة "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن"، فقد تنقضي السنة أي أقصى مدة الحمل سواء بعد الطلاق أو الوفاة دون أن تلد المعتدة. فما العمل إذا ما ادعت الحمل في هذه الحالة وخاصة متى صاحب ادعاءها انتفاخ في البطن أو انقطاع لدم الحيض؟
المشرع قرر أن هذه الحالة يجب أن تعرض على الخبرة الطبية لكي تقرر بشان ما يوجد ببطنها هل هو حمل أم مجرد علة .
أما بخصوص الشبهة التي نصت عليها المادة 155 م.أ، فإن المشرع جعل عبئ الإثبات فيها غير قاصر على قاعدة "الولد للفراش" فنص على أن "النسب الناتج عن الشبهة يثبت بجميع الوسائل المقررة شرعا"، غير أن توفر إمكانية الحمل بين أقل مدة الحمل وأقصاها فإن الإثبات يعد مسالة واقع تخضع للسلطة التقديرية للقاضي لأن المشرع أشار إلى إمكانية الاتصال لا تحققه.
- إمكانية الاتصال بشبهة هي التي تلحق النسب وعدم تحققها لا يلحقه، أما في حالة تحقق الاتصال فإن الذي يدعي ذلك يقع عليه عبئ الإثبات، وإن كان في رأينا أن ذلك سيظل رهينا بمدة الحمل التي تبقى الفاصل في النزاع الذي تثيره المرأة أو الرجل.
المطلب الرابع: إثبات النسب عن طريق شهادة عدلين أو بينة السماع
الفقرة الأولى : إثبات النسب بواسطة شهادة عدلين
الشهادة في حقيقتها هي إخبار الإنسان بحق لغيره على غيره، وهي بهذا المفهوم تخالف الإقرار الذي يعد في جوهره إخبار الإنسان بحق لغيره على نفسه.
وإذا كان المشرع قد نظم القواعد الموضوعية للشهادة في ق.ل.ع.، ونظم الإجراءات المسطرية الخاصة بها في ق.م.م، فإنه فيما يخص إثبات النسب عن طريق الشهادة، يتمثل مرجعه في فقه الإمام مالك، وفي الفقه المالكي تعتبر شهادة الشهود حجة كافية في إثبات النسب.
على الرغم من أن المشرع المغربي قد اعتبر الشهادة حجة كافية وحدها لإثبات النسب،إلا أنه لم ينظمها تنظيما محكما كما فعل مثلا بالنسبة للإقرار .
والقاعدة العامة أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب في الفقه الإسلامي عموما والفقه المالكي على وجه الخصوص هي شهادة رجلين أو شهادة أو شهادة رجل أو امرأتين. وإذا تعلق الأمر بإثبات الولادة يمكن مبدئيا أن يقع الإثبات عن طريق شهادة امرأتين فقط. وحسب الفقه المعمول به يصح للشاهد أن يشهد بنسب شخص إلى آخر حتى يحصل له بذلك العلم القاطع لا العلم الظني، مصداقا لقوله تعالى: "وما شهدنا إلا بما علمنا ".
ونشير أن الشهادة أقوى من الإقرار في دعوى النسب وأساس ذلك القاعدة الفقهية التي تجعل البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة.
الفقرة الثانية : إثبات النسب بواسطة شهادة السماع
يقصد بشهادة السماع أن يشهد شخص أنه قد سمع سماعا فاشيا أن فلانا ابن فلان أو إن فلان أب لفلان، وقد اشترط الفقه المالكي لصحة شهادة السماع خمسة شروط:
1- الاستفاضة : أي أن يكون من نقلت عنه الشهادة غير معين ولا محصور العدد.
2- السلامة من الريبة: أي الاحتراز من غلط الشاهد أو كذبه أو سهوه.
3- أداء يمين التزكية : نظرا لضعف شهادة السماع فقد أوجب الفقه المالكي تكملتها بأداء يمين التزكية .
4- طول الزمن : طول الزمن يشترط في جميع شهادة السماع إلا في ضرر الزوجين.
5- ألا يسمي الشهود المسموع منهم : وإلا كان نقل شهادة فلا تقبل إذا كان المنقول عنهم غير عدول.
الفقرة الثالثة : ما جرى به العمل في الإثبات بواسطة شهادة عدلين وبينة السماع
سواء تعلق الأمر في إثبات النسب بواسطة الشهادة أو بواسطة بينة السماع، فقد جرى العمل بالاستعانة بالإثبات عن طريق اللفيف في هذا المجال.
وصورة شهادة اللفيف هو أن يأتي المشهود له باثني عشر رجلا على حسب شهادتهم ويضع أسماءهم عقب تاريخه ثم يكتب رسما أخر أسفل الرسم نفسه ثم يضع عدلان إمضاءهما في أسفل الرسم الثاني، وتقبل شهادة اللفيف في إثبات النسب عموما لأنها مما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك.
وعلى الرغم من ذلك، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى"... أن مشهد به العدول مقدم على ما شهد به اللفيف ...".

المبحث الثاني : وسائل الإثبات الحديثة

نظرا لما أصبح عليه الطب اليوم من تقدم منقطع النظير في أغلب مجالاته، وأصبح في العديد من أموره قائما على اليقين، فان ذلك يمكن استغلاله في مجال إثبات النسب ونفيه، من خلال فحص فصائل الدم وهو ما سنتطرق إليه في المطلب الأول، وفحص الحمض النووي ADN والذي سنتناوله كمطلب ثاني .
المطلب الأول: إثبات النسب عن طريق فحص فصائل الدم
إن فصائل دم الإنسان تتنوع إلى عدة فصائل، وهي علامات تميز الكريات الحمراء، وتتصنف إلى عدة نظم، المعروفة منها هي نظام ABO ونظام الريزوس ، وتمكن من التعرف على الدم المطابق للمريض حتى تتمكن من تحديد فصيلة دم كل شخص.
وتتوزع هذه النظم في المغرب على الشكل التالي :
الصنف الدموي ريزوس ايجابي ريزوس سلبي
o 40 % 6 %
A 30 % 4 %
B 14 % 2 %
AB 3 % 1 %
ففي مجال النسب فان فصائل الدم من الناحية العلمية قد يعطي نتائج صحيحة تفيد النفي دون الإثبات، ومن خلال فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوجة والزوج والولد، أمكن التوصل إلى إحدى الفرضيتين :
الفرضية الأولى : أن ظهور فصيلة دم الطفل مخالفة لمقتضيات تناسل فصيلة الزوجين، معناه أن الزوج ليس الأب الحقيقي للطفل بصفة مؤكدة.
الفرضية الثانية : ظهور فصيلة دم الطفل مطابقة لمقتضيات فصيلتي دم الزوجين معناه أن الزوج قد يكون الأب الحقيقي وقد لا يكون، لأن الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون الزوج المدعى عليه واحد منهم.
وعليه فإننا نستنتج مايلي :
المعطيات تفيد أن فحص فصائل الدم التي تتعلق بالنسب تعطي نتائج قطعية على نفي النسب فقط. لكنها تكون بعيدة كل البعد في الحصول على إثبات مؤكد.
وإذا كانت بعض التشريعات الأخرى إلى عهد قريب تعتمد قاعدة فحص فصائل الدم للحصول على نفي قاطع للنسب، فان المشرع المغربي من خلال استقرائنا للنصوص التي وردت في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ومدونة الأسرة الجديدة من خلال المواد 151،152،153 ،154 ،155 ،156 ،158،فإنها توجب إثبات النسب بكل الوسائل المقررة شرعا وقانونا، وان كانت تحدد أيضا شروط اعتماد الخبرة وتحيل عليها لمعارضة الفراش في ميدان إثبات النسب أو نفيه فإننا لم نعثر على موقف ايجابي أو سلبي بخصوص ما يتعلق اعتماد المحكمة على سلك فحص فصائل الدم كدليل لنفي النسب فقط لا الإثبات، ولا الركون إلى منازعة بهذا الخصوص في فقه النوازل المعاصر، ولا حتى الاجتهاد القضائي المغربي. وهذا بديهي لأن صحوة التشريع بخصوص التقدم العلمي في مجال إثبات النسب أو نفيه ظلت مقيدة باكرا هات إلى عهد قريب تحكمها أحكام الشريعة الإسلامية من خلال مذهب الإمام مالك (اللعان)، وان كانت القيافة تعتبر دليلا قطعيا شرعا على إثبات النسب كما أسلفنا، فلما لا اعتماد وسيلة علمية أخرى هي الخبرة الجينية لما لها من اثر لا يفيد نفي النسب فقط (فصائل الدم)، وإنما إثباته بشكل مؤكد.(البصمة الوراثية).
المطلب الثاني : إثبات النسب عن طريق فحص الحمض النووي ADN :
بعد اكتشاف الحمض النووي والذي كان مقدمة لاكتشاف ما يسمى البصمة الوراثية التي تقررت بصفة رسمية سنة 1985، فإن المشرع المغربي خطى خطوة جريئة في مجال إثبات النسب ونفيه عن طريق الخبرة الجينية التي لا تفيد النفي فقط (فصائل الدم) وإنما الإثبات أيضا في مجال النسب. فإذا كانت البصمة الوراثية عبارة عن تحليل علمي بمثابة إقرار طبيعي بكون الولد من أبيه عندما يخضعان للتحليل الطبي أي الولد والأب ، واثبت التحليل العلاقة الوراثية فهذا يعني أن البصمة تقتفي الأثر الوراثي لتعطي نتائج مؤكدة للنسب، أي أنها بمثابة القيافة كوسيلة شرعية تفيد الإثبات والنفي معا في النسب، بل أقوى منها بكثير ولكن الشبه في تقفي الأثر، والحق أن البصمة الوراثية إقرار بالفعل ووجب اعتباره كذلك. غير أن ذلك بدوره يتطلب توفر شروط في تقنية التحليل والمحلل لتعتبر وسيلة من وسائل إثبات النسب ونفيه، وهذه الشروط هي :
-توفر التقنية العالية في التحليل.
-توفر الخبرة العالية في المحلل.
-الحيادية المطلقة للمحلِل بحيث لا يخضع إلا للحقيقة العلمية التي تظهر نتائج التحليل.
توافر هذه الشروط فإنها: تعتبر أدق وسيلة عرفت حتى الآن في تحديد هوية الإنسان لأن نتائجها قطيعة لا تقبل الشك والظن بنسبة 100% .
هذا بخصوص الشروط العلمية التي تفيد في التأكد من وجود أو عدم وجود العلاقة البيولوجية بين الآباء والأبناء. أما طبيعة هده العلاقة وهل هي شرعية أم غير شرعية فتلك مسألة أخرى تدخل ضمن اختصاص القضاء. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف المشرع المغربي من التقدم العلمي البيولوجي؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال فإنه ارتأينا الوقوف على الوضع في بعض التشريعات الأخرى كفقرة أولى، ثم موقف المشرع المغربي كفقرة ثانية.
الفقرة الأولى: موقف بعض التشريعات الأخرى بخصوص التقدم العلمي البيولوجي
أولا: موقف القانون الفرنسي
من خلال القانون رقم 94.6.53 الصادر في يوليوز 1974 فإن المشرع الفرنسي اعتمد التقدم العلمي البيولوجي على المستوى القانوني فيما يتعلق بإثبات النسب أو نفيه من خلال ثلاث مواد.
- المادة 10-16: نصت على أن البحث الجيني المحدد لخصائص الشخص لا يمكن ممارسة إلا أسباب طبية أو علمية، ويجب الحصول على موافقة الشخص المعني قبل إجراء التحليلات الجينية عليه.
- المادة 11-16: نصت على أن تحديد هوية الشخص عن طريق بصمته الجينية لا يمكن أن يتم إلا في إطار التحقيق الذي تفرضه دعوى قضائية أو خدمة أهداف طبية أو علمية. في المواد المدنية فإن هذا التحديد لا يمكن أن يتم إلا تنفيذا للأمر بإجراء بحث يأمر به القاضي في إطار دعوى تتعلق بالنسب وشريطة الموافقة المسبقة للمعني بالأمر.
- المادة 12-16: التحليلات الجينية لا يمكن أن تتم إلا من جانب أشخاص مقبولين لذلك ومسجلين بجدول الخبراء.
وقد أعاد المشرع الفرنسي التأكيد على نفس الاحكام من خلال القانون 96.452 الصادر في 28 ماي 1996 المضمن حاليا بالفصل 145.15 من التقنين التعلق بالصحة العمومية.
من خلال الفصول نخلص إلى ما يلي:
- البحث الجيني لا يخرج عن دائرة المصلحة الطبية والعلمية بموافقة المعني بالأمر.
- البصمة الجينية لا تتم في إطار يخرج عن دائرة القضاء. أي عن طريق خبرة قضائية تستلزم التحقيق في قضية معينة أو لخدمة أهداف طبية أو علمية كما هو الشأن مثلا في قضايا تبادل المواليد خطا أو عمدا في المستشفيات، والتأكد من هوية الجثث ومجهولي الهوية في الكوارث الطبيعية أو الجرائم الناتجة عن الحروب…
- أما فيما يخص النسب فيجب موافقة المعني بالأمر ( كشرط لإقامة الدعوى).
-التحليلات التي تخرج عن دائرة الخبرة المقبولة والمحددة وفق جدول الخبراء لا يعتد بها قانونا.
ثانيا: موقف قوانين يخص دول المشرق العربي
وتهم بالخصوص دول اليمن،عمان، قطر كدول لم تعر أي اهتمام للخبرة الطبية من خلال القوانين المنظمة للأحوال الشخصية في هذه البلدان وهي:
أ- القانون رقم 20 لسنة 1992 بشان الأحوال الشخصية والسائد حاليا في الجمهورية اليمنية الذي نظم النسب في المواد من 121 إلى 131.
ب-القانون العماني رقم 34 لسنة 1978 بشان قانون الأحوال الشخصية المطبق حاليا أيضا في السلطنة الذي نظم النسب من المادة 70 إلى 79.
ج-القانون رقم 22 لسنة 2006 بشأن قانون الأسرة النافذ حاليا في دولة قطر الذي ينظم أحكام النسب من المادة 86 إلى 100.هذا ما يتعلق بهذه الدول أما فيما يتعلق بالدول التي اعتمدت الخبرة الطبية استثناء فهي دولة الكويت التي تسمح باعتماد الخبرة استثناء لنفي النسب في حالة خاصة، خلافا لدولة الإمارات التي تسمح بها في مجال إثبات النسب ونفيه، ( كما هو الشأن للمغرب).
أما بخصوص الأولى ( دولة الكويت)
فما جاءت به المادة 168 من خلال القانون رقم 51 لسنة 1984 بشأن الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1996:
" لا يثبت النسب من الرجل إذا اثبت انه غير مخصب، أولا يمكن أن يأتي منه الولد مانع خلقي أو مرضي، وللمحكمة عند النزاع في ذلك أن تستعين بأهل الخبرة من المسلمين".
هذه المادة قيدت سلطة المحكمة في اللجوء إلى الخبرة إلا بتوفر الظرف الخاص الذي يثبته الرجل انه غير مخصب، أو أنه مصاب بعاهة أو مرض يمنعه من إحبال زوجته، ولعل ذلك مرده في نظرنا أن المشرع الكويتي لا يحبذ المنازعة في الفراش نتيجة اختلال شروط مدة الحمل التي يثبت بها النسب أو نفيه لألا تتحول المنازعات بهذا الخصوص إلى دعاوى شعبية أو كيدية القضاء في غنى عنها، ومجال الإثبات فيها لا حصر له.
أما بخصوص الثانية ( دولة الإمارات العربية المتحدة):
فأحكام النسب من م 89 إلى 97 المنظمة بالقانون رقم 28 لسنة 2005 بشأن الأحوال الشخصية وما نصت عليه المادة 89:" يثبت النسب بالفراش، الإقرار، البينة أو بالطرق العلمية إذا ثبت الفراش".
وما نصت عليه المادة 97 بخصوص نفي النسب:" للمحكمة الاستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب بشرط ألا يكون قد تم ثبوته قبل ذلك".
يجعل إثبات النسب لا يخرج عن دائرة شرط الفراش، أو ما عدا ذلك فلا، فمجرد توفر شرط الفراش سواء كان صحيحا أو فاسدا فإنه يعتبر قرينة على ثبوت النسب بجميع الوسائل التي تفيد في ذلك سواء كان إقرارا بالنسب أو بالبينة أو ما عداهما بهذه الخصوص.
أما ما يفيد نفي النسب بالطرق العلمية فإذا سبق إثباته بالطرق الأنفة الذكر فلا مجال للخوض فيه لأنه لا يعتد به قانونا.
ثالثا:موقف القانون الجزائري
ما يهمنا لاستخلاص موقف المشرع الجزائري هو استقراء التعديلات التي أدخلت على قانون الأسرة بعد صدور الأمر 02.05 وبالضبط تلك التي تتعلق بالمادة 40 التي أضيفت إليها فقرة أخيرة جاء فيها:"يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب" .
ويستفتاد من المادة أن المشرع الجزائري جعلها قاصرة على إثبات النسب دون نفيه مما يفيد هنا انه بإشارته في المادة إلى الخبرة الطبية ( الطرق العلمية) هل قصد فصائل الدم أم الخبرة الجينية ( البصمة الوراثية)؟
بالرجوع إلى المادة 222 والمواد 22 و 33 و 34 من قانون الأسرة الجزائري قبل تعديله وتتميمه بجد أنها حددت وسائل إثبات النسب بالفرش،الإقرار،البينة،وبكل زواج تم فسخه بعد الدخول.
وسكتت عن التنصيص عن الوسائل التي ينفى بها النسب.مما يفرض معه تلقائيا تطبيق المادة 222 من نفس القانون التي نصت على ما يلي:" كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية"، وهو أيضا ما تمسك به المشرع المغربي في المادة 400م.ا. .
وإعمالا للمادة رفضت المحكمة العليا الجزائرية إعمال الخبرة الطبية كوسيلة لإثبات النسب ونفيه كما جاء في احد قراراتها ، التي يظهر جليا على أن الخبرة التي نصت عليها هي فحص فصائل الدم التي تفيد النفي فقط دون الإثبات كما أسلفنا.
فهل مرد ذلك أن القانون قيد سلطة القضاء في اعتماد فصائل الدم كوسيلة لنفي النسب فقط دون البصمة الوراثية التي تفيد النفي والإثبات معا، بما يتوافق مع ما نصت عليه المادة 22 التي تحيل على قواعد الشريعة الإسلامية لنفي النسب لأن المشرع الجزائري سكت عن ذلك ( أي عن وسائل نفي النسب عن طريق الخبرة الطبية)، أم أنه يجب إعمال ما نصت عليه المادة 40 بعد صدور الأمر 02-05؟
الملاحظ أن القراران المتوفران لدينا يعزى تاريخها إلى 1999 1993و مما يتضح معه أنه لا محيد عن تطبيق المادة 222 التي تحيل على أحكام الشريعة وبالتالي لا بديل من أجل الوصول إلى تحديد النسب عن قواعده المسطرة شرعا وقانونا بما لا يخالف الشريعة الإسلامية. ولعل ما أثار انتباهنا أن الأمر 02.05 صدر في فبراير سنة 2005 وهو ما يتوافق مع موقف جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثين والأطباء المسلمين الملمين بأحكام الشريعة، المعتمد من جانب المجمع الفقهي الإسلامي والمنعقد بمكة المكرمة من 5 إلى 10 من يناير 2002، حيث تقرر أن التحليل الجيني يمتاز بالدقة.
ولعل ذلك جعل المشرع الجزائري يقرر بعد ثلاث سنوات في الفقرة الأخيرة من المادة 40، الطرق العلمية كوسيلة لإثبات النسب دون النفي، يثبت معه أن التشريع الجزائري جد متمسك بالمادة 222 كوسيلة شرعية لنفي النسب بشرطين هما :
-اختلال شروط الفراش.
-اللعان.
الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي
نحى المشرع المغربي بخصوص وسائل الإثبات الحديثة واعتمادها إلى جانب الوسائل التقليدية من أجل إثبات النسب أو نفيه ، ونصوص مدونة الأسرة المتعلقة بالنسب كلها تشير إلى الخبرة القضائية بهذا الخصوص، غير أنها لم تحدد لنا هل المقصود نظام فصائل الدم أم نظام البصمة الوراثية ؟
ولعل المتتبع لأحكام القضاء بهذا الخصوص يستشف أن الممارسة القضائية استقرت على أن المقصود بالخبرة هو ما يتعلق بالبصمة الوراثية . وهذا لا يتعارض مع نظام الإثبات في الفقه الإسلامي: قال تعالى : " سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم "، فما توصل إليه الإنسان من علم فهو بفضل الله عز وجل.
فالقواعد العامة المؤطرة لإثبات النسب تستمد شرعيتها من نصوص مدونة الأسرة وخصوصا المواد 153 ،156 ،158 ، والمادة 16 . مما يظهر جليا أنها كلها تنص على الخبرة القضائية، ومن خلال استقرائنا للفصول نقف على ما يلي :
- المشرع اعتمد خبرة قضائية تفيد النفي والإثبات معا على عكس نظرائه كالمشرع الجزائري الذي قصرها على الإثبات فقط.
-المشرع هم باعتماد موقف حداثتي لا يتعارض مع أحكام الشرع وإن كان موقفه هدا مرن فهو لا يخالف بعض التشريعات العربية فيما يتعلق بسلك الخبرة كدليل لإثبات النسب لا نفيه(التشريع الجزائري) وأخرى التي تبنته كدليل للنفي (التشريع الكويتي)، ثم التشريع الإماراتي الذي حدا حذو نظيره المغربي باعتماد الخبرة كدليل للإثبات والنفي معا.
كخلاصة فإن ما يتعلق باعتماد الخبرة كوسيلة لإثبات النسب ونفيه، فإنه بوقوفنا على شروطهما العلمية فإنه لابد من الوقوف على شروطهما الفقهية والقانونية لتعتبر قاطعة وباتة والذي نرى أنها شروط تكون شبه متطابقة مع متطلبات التشريعات العربية المقارنة. وفيما يلي إيجاز لهذه الشروط لأنه ارتأينا أنه لا حاجة من التفصيل فيها لأنها تعتبر صلب النزاع في الفصل الثاني المتعلق بوسائل نفي النسب :
-أن يكون الولد لاحقا شرعا بالأب.
-لا نفي للنسب بدون دعوى.
-إدلاء الزوج بدلائل قوية على ادعائه.
-صدور أمر قضائي بالخبرة.
وتجدر الإشارة ، أنه في حالة الشك رغم أن البصمة الوراثية ذات بيانات قاطعة وإنما الخلل قد يأتي من جانب الخطاء الإنساني أو عدم جاهزية المختبر فليس هناك ما يمنع من إجراء خبرة تكميلية أو مضادة وهو ما يجب على المشرع أن يهيئ سبله.
المطلب الثالث : كراء الأرحام والتلقيح الاصطناعي وزواج العقدة أو ما يسمى بالكونطرا
إن صياغة المطلب الأول المتعلق بنظام فصائل الدم والمطلب الثاني الذي يهم الخبرة الجينية (البصمة الوراثية ADN )كوسائل حديثة، لإثبات النسب يتطلب منا صياغة مطلب آخر لا يعد وسيلة حديثة من وسائل إثبات النسب وإنما نظام جديد مرده إلى التقنية الحديثة بالمجال العلمي لما له من علاقة وطيدة في مجال النسب لا نجد له تشريعا منظما أو تقنينا يضع أحكامه أو قواعده، لذلك سنعمد إلى تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، تهم الأولى كراء الأرحام والتلقيح الاصطناعي. أما الثانية فتخص زواج الكونطرا كظاهرة مستجدة في الوسط المغربي وأثرها على النسب.
الفقرة الأولى: كراء الأرحام والتلقيح الاصطناعي
إن التطرق إلى كراء الأرحام سيجعلنا نسوغ عدة إشكاليات وتساؤلات نظرا لغياب تشريع يحدد أحكام وقواعد هذا النظام الجديد في الدول المتقدمة فبالأحرى الدول النامية وفي هذا المجال نلفت الانتباه إلى قضيتين عرضتا على قضاء الدول الغربية، الأولى سنة 1980، والثانية سنة 1995. فبالنسبة للأولى تتمثل في أن إحدى الزوجات بالولايات المتحدة الأمريكية رفعت دعوى على المركز(يعمل هبه أطباء) على اثر إنجابها لطفل اسمر البشرة مع أن الزوجين كانا من الجنس الأبيض، فتم إجراء أبحاث وتحاليل على مستوى مركز الحفظ، فكشفت عن وقوع خطاء في المختبر أثناء استعمال العينات المحفوظة. أما بخصوص الثانية فتتمثل في أنه على اثر إجراء عملية تلقيح خارج الرحم لتوأمين ولد أحدهما بمواصفات مختلفة عن الآخر، كما أن مواصفاته كانت مختلفة عن والديه اذ كان يحمل مواصفات رجل إفريقي اسمر اللون،وانف مفرضخ، وبعد فترة من البحث والتحري على مستوى المركز المعالج، تبين لعائلة المرأة أنه حصل فعلا خطاء علمي غير عمدي ناجم عن استخدام المركز المعالج أنبوب حفظ منطف سبق استخدامه لحفظ نطف رجل اسمر ولم يتم تنظيفه بصفة كاملة، وهو الأمر الذي نتج عنه ميلاد أحد التوأمين بمواصفات خاصة.
هذا ما يخص التشريعات ذات النظام الفدرالي ، والذي بحكمه يتميز بمرونة القوانين .
الذي يتضح من خلال النازلتين أنه ليس هناك ما يمنع من رفع دعوى إثبات النسب أو نفيه بهذا الخصوص ،لكن مادا عن التشريعات العربية أو بالأخص التشريع المغربي؟
بالرجوع إلى التشريع المغربي فإنه لم نعثر على نص ينظم هدا النظام العلمي والجديد مما يجعلنا نسوغ عدة إشكاليات من باب الجدل لا من باب الإحاطة أو التفصيل :
-هل هناك مانع يمنع الزوجين من اللجوء إلى هذا النظام البديل ؟
-هل يحق رفع دعوى إثبات النسب أو نفيه على المركز المختص في حالة الخطاء العمدي أو غير العمدي ؟
-مادا عن حالة المرأة المستأجرة لكراء الرحم وإذا بها تمتنع عن التنازل عن الولد لصالح من استأجرها، هل واقعة الولادة ستعتبر حجة على النسب في هده الحالة ؟
- ماذا بخصوص الإجراءات الشكلية وكيف سيتم التعامل مع النوازل في هذا الباب ؟
-هل سيعطى للنيابة العامة اختصاص فوري بإثبات حالة الخطاء أم يتم اللجوء إلى القضاء الاستعجالي؟
-هل توجد خبرة ذات كفاءة معتمدة لدى المحاكم لإجراء خبرة مضادة أو تكميلية بهذا الخصوص ؟ ...
وهذا ما يتطلب من المشرع أن يهيأ سبله لأننا في زمن الألفية الثالثة.
الفقرة الثانية: زواج العقدة (الكونطرا) كظاهرة مستجدة في الوسط المغربي وأثرها على النسب
إن الإشارة إلى وسائل الإثبات سواء التقليدية أو الحديثة ومدى صعوبة إثبات النزاع بخصوصها لدى المحاكم. يفرض علينا الوقوف على عقد جديد ينظم خارج دائرة الكتابة كإجراء شكلي مثبت لعقد زواج المستجمع لأركانه وشروطه سواء كان صحيحا أو فاسدا. فمشاكل الزواج الشرعي ومدى صعوبة منظومة الإثبات فيه لا تدع أي مجال لإسقاط هذه المنظومة على زواج الكونطرا .
ولقد اعتبر أحد فقهاء المالكية أنه زواج غير شرعي لأنه تنعدم فيه أركان العقد ولا يعتبر زواجا وإنما زنى صريح. فالرجل لا يرتبط بالمرأة بنية التأبيد وإنما من أجل قضاء مصالح معينة وهو ما ينافي الحكمة الرئيسية من تشريع الزواج، وبالتالي فمثل هذه العلاقات ليست زواجا في شيء، وإنما علاقات غير شرعية وهي زنى صريح.
ويضيف أن صيغة قراءة الفاتحة بين الرجل والمرأة التي كانت سائدة في الأربعينيات و الخمسينات في القرن الماضي بالمغرب لم تكن سوى "إعلانا للخطوبة"وليست زواجا في حد ذاته، أما هذا النوع المشار إليه من الزواج فليس سوى بيعا للمرأة نفسها مقابل مبلغ مالي.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الصعوبة تلازم نزاع يهم إثبات النسب الشرعي والقانوني بالشروط السالفة الذكر فهل يجب أن يتم زواج الكونطرا بموجب عقد إداري يخرج عن اختصاص قضاء الأسرة كقاعدة عامة ويصح اعتباره شرعا وقانونا؟ وهل يجب أن يتم في إطار توافقي بين زوجين دون شرط الإشهاد. وبالتالي يعتد به قانونا ويكفي إثباته بكافة الوسائل الأخرى كما هو منصوص عليها بالمدونة ؟ أم هل يتطلب إشرافا من القضاء؟ وماذا بخصوص النيابة العامة كطرف أصلي بقوة القانون في كل ما يتعلق بالأسرة وأي ضمانة ستكون للزوجة بخصوص إثبات النسب في مثل هذا النوع من الزواج؟ وبالتالي كيف سيتم التعامل مع هدا النوع من العقود المشهرة والغير الموثقة مستقبلا وأن كان في نظرنا أن دلك سيتطلب من الشرع تعديل بعض نصوص المدونة كالمادة 156 فيما يوافق هذا النوع حتى لا تضيع حقوق الزوجة وحق النسب الذي يعد من أسمى الحقوق محور هده الدراسة.

ملتقيات طلابية لجميع المستويات : قانون و إقتصـاد

شارك هدا

Related Posts

التعليقات
0 التعليقات