محاضرات مادة العقود التجارية PDF

محاضرات مادة العقود التجارية PDF

 نقدم لكم اليوم محاضرات مميزة ومختصرة لمجموعة من محاور مادة العقود التجارية
pdf محمد كرم ﺍﻟﺴﺪﺍﺳﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ.
دروس القانون الخاص S5
بناء على اجتھادي الشخصي فقد قمت بجمع وكتابة المحاضرات الخاصة
بطلبة الفصل الخامس قانون خاص بكلیة الحقوق والعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.
محاور كتاب العقود التجارية
مقدمة عامة
تعریف العقود التجاریة
أنواع العقود التجارية في القانون المغربي
خصائص العقود التجاریة
الأحكام العامة للعقود التجاریة
العقود التجاریة المتعلقة بالرھن
بحوث في العقود التجاري

ﺗﺤﻤﻴﻞ محاضرات مادة العقود التجارية s5 pdf  :  اضغط هنا


العقود التجارية s5 pdf


مقدمة مادة العقود التجارية

إن كل تاجر سواء كان شخصا ذاتيا أو شخصا اعتباريا يضطر لتحقيق أهداف مشروعـه التجاري إلى إبرام مجموعة من العقود منذ بداية هذا المشروع سواء مع الأشخاص الذين يستعين بهم كالعمال والوسطاء ومقدمي الخدمات أو مع الموردين أو مع زبنائه الذين يقدم لهم خدماته أو يفوت لهم منتوجاته. وتختلف القواعد التي تخضع لها هذه العقود بحسب موضوعها أو بحسب صفة الشخص المتعاقد معه، مما يفيد أن التاجر قد يبرم عقودا مدنية لأغراضه التجارية كعقود الشغل، وإن كانت الغالبية من العقود التي يبرمها تكون لها طبيعة تجارية إذا كانت مرصودة بطبيعة الحال لخدمة مشروعه التجاري.
غيـر أن تمييز العقود التجارية عن العقود المدنية يبقى صعبا من الناحية القانونية بحيث ليس ثمة معايير قانونية حاسمة في هذا التمييز، فلا يمكن وصف عقد معين بأنه ذو طبيعة مدنية أو تجارية لأنه قد يوصف بالوصفين معا تماما كما هو الشأن بالنسبة لعقد البيع الذي قد يكون مدنيا وقد يكون تجاريا. وفي هذا الصدد لم يتردد بعض الفقه الفرنسي في التصريح بأنه ليس هناك عقودا تجارية بذاتها، فالعقد يكون مدنيا أو تجاريا بحسب الأشخاص الذين أبرموه والغرض الذي أبرم من أجله .
وفي هذا الإطار فإن التاجر يبرم ثلاثة أنواع من العقود: عقود لا علاقة لها بنشاطه التجاري إنما تهم حياته العادية، وعقود يبرمها مع تاجر أو تجار آخرين بمناسبة ولغرض نشاطه التجاري، وعقود مع زبناء غير تجار.
ويتضح من هذا التصنيف أن تكييف العقد بالصفة التجارية يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية الأعمال التجارية، فمتى كان موضوع العقد نشاطا من الأنشطة التجارية الواردة في المادتين 6 و7 من مدونة التجارة أو ما ماثلها أو أبرم بين تاجرين لأغراضهما التجارية فإنه يكون عقدا تجاريا، طبقا لنظرية الأنشطة التجارية الأصلية أو بالطبيعة. وإذا انصب العقد على هذه الأنشطة ولكن الطرف المتعاقد معه ليس تاجرا فإن العقد يكون مختلطا أي تجاريا بالنسبة للتاجر ومدنيا بالنسبة للزبون غير التاجر، وذلك عملا بنظرية الأعمال التجارية المختلطة. وقد يكون العقد تجاريا إذا أبرمه التاجر لأغراضه التجارية ولو أن موضوعه في الأصل يعتبر عملا مدنيا تطبيقا لنظرية الأنشطة التجارية بالتبعية . إلا أنه إذا كان هذا الأخير موضوعا لعقد مبرم من طرف تاجر لغير أغراضه التجارية، فإن العقد يبقى مدنيا.
ولتسهيل تكييف العقد التجاري اهتدى القضاء إلى قرينة مفادها أن كل العقود المبرمة من طرف تاجر تعتبر في الأصل عقودا تجارية، وعملا بهذه القرينة يتعين على التاجر أن يثبت أن العقد الذي كان طرفا فيه لا علاقة له بنشاطه المهني معتمدا في هذا الإثبات على طبيعة العمل أو سبب العقد، ويمكنه في هذا الصدد أن يستفيد من حماية قانون الاستهلاك .
ونخلص مما سبق إلى أنه ليس هناك عقودا تجارية بذاتها وإنما ترتبط هذه الطبيعة بموضوع العقد أو بصفة المتعاقد، وإن كانت بعض التشريعات حسمت في بعض العقود واعتبرتها تجارية بغض النظر عن صفة الطرف المتعاقد مع التاجر كما فعل المشرع المغربي في الكتاب الرابع من مدونة التجارة حينما اعتبر بعض العقود تجارية وأخضعها للمقتضيات القانونية الواردة في هذه المدونة بغض النظر عن صفة الشخص المتعاقد معه، كعقد السمسرة وعقد النقل والعقود البنكية...
وقد عرف بعض الفقه المغربي العقد التجاري بأنه العقد الذي يكون موضوعه أحد الأعمال التجارية الأصلية أو بالتبعية متى اتخذت الشكل القانوني للعقد، ولا يهم بعد ذلك أكان العقد منظما بمقتضى القانون المدني أو القانون التجاري أو العرف .
ويمكن تعريف العقد التجاري بأنه ذلك، العقد الذي يبرم من طرف تاجر لأغراضه التجارية أو يكون موضوعه أحد الأنشطة التجارية الأصلية أو بالتبعية.

أولا : التنظيم التشريعي للعقود التجارية :

إن الأنشطة والأعمال التجارية لا تقع تحت حصر، لذلك نجد المشرع المغربي أورد هذه الأنشطة في المادتين 6 و7 من مدونة التجارة على سبيل المثال بدليل المادة 8 من ذات المدونة التي نصت على أن اكتساب صفة تاجر تكتسب كذلك بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لكل نشاط يمكن أن يماثل الأنشطة الواردة في المادتين 6 و7.  ولما كانت العقود التجارية ترتبط ارتباطا وثيقا بنظرية الأعمال التجارية على نحو ما تقدم، فإن هذه العقود بدورها لا تقع تحت حصر، وبذلك فإن العقود الذي نظمها المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة ليست إلا على سبيل المثال.
وفي هذا الصدد خص المشرع المغربي الكتاب الرابع من مدونة التجارة ببعض العقود التجارية منها ما لها علاقة بالائتمان كعقود الرهن، ومنها ما يتصل بالوساطة كالوكالة التجارية والسمسرة والوكالة بالعمولة، ومنها ما يرتبط بالخدمات كالنقل والعقود البنكية، ومنها ما يتعلق بالإئتمـان والتمويـل كعقد الائتمان الإيجاري والرهـن بجميـع أنواعـه.
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي أضاف في التعداد الوارد في الكتاب الرابع من مدونة التجارة عقودا لم تكن منظمة في ظل القانون التجاري القديم كعقد الائتمان الإيجاري وعقد الوكالة التجارية والعقود البنكية، فإن الحياة التجارية تشهد معاملات تفرغ في عقود لا مثيل لها وجديدة على التنظيم التشريعي للعقود التجارية، الأمر الذي يقودنا إلى القول بأن هذه الأخيرة قد تكون عقودا مسماة منظمة من طرف المشرع، وقد تكون عقودا غير مسماة غير منظمة تشريعيا وتخضع لاتفاق الطرفين.
ومهما كانت هذه العقود مسماة أم غير مسماة، حديثة أو قديمة، فإنها تخضع مبدئيا للنصوص الخاصة المنظمة لها وفي غيابها لاتفاق الطرفين وللقواعد العامة في القانون المدني، وللأعراف والعادات التجارية، وأحيانا للاتفاقيات الدولية وعادات وأعراف التجارة الدولية  كما هو الشأن للاعتماد المستندي.

ثانيا : الأحكام الخاصة بالعقود التجارية : 

بالرجوع إلى القواعد الخاصة المنظمة لمختلف العقود التجارية  نجد أنها تحيل في كثير من أحكامها على القواعد العامة للعقود في قانون الالتزامات والعقود خصوصا فيما يتعلق بإبرام العقد حيث تطبق مبدئيا نفس شروط إبرام العقد المدني سواء تعلق الأمر بالرضى أو الأهلية أو المحل أو السبب، لذلك يغلب ألا نجد في المقتضيات الخاصة المنظمة لهذه العقود أحكاما عامة بها.
إلا أنه مع ذلك تمتاز العقود التجارية بخصوصيات تميزها عن العقود المدنية تتلاءم ومميزات التجارة المتمثلة في السرعة والثقة والائتمان، وهذه الخصوصيات تقوم على السهولة في إنشاء الالتزام وإثباته من ناحية وعلى القسوة والتشدد في تنفيذه من ناحية أخرى ، ونجمل هذه الخصوصيات فيما يلي : 

1 – السهولة في إنشاء الالتزامات التجارية

يخضع إبرام العقود التجارية لمبدإ سلطان الإرادة وحرية الأطراف في إنشاء التزامات بعيدا عن الرسمية والبطء الذي يميز المعاملات المدنية، وهو ما يتلاءم مع خصائص ومميزات التجارة المتمثلة في السرعة والثقة، لذلك نجد أن ثمة مقتضيات قانونية في القانون المدني تعرف تطبيقها في المجال التجاري أكثر مما هو في ميدان المعاملات المدنية خصوصا فيما يتعلق بإبرام بعض العقود التجارية بطريق المراسلة أو التلكس أو الفاكس أو التليفون ، أو عبر وسائل الاتصال الحديثة بحيث نجد كثيرا من عمليات البيع والشراء والخدمات تتم عبر شبكات الانترنيت، بل إن السكوت يعتبر في المادة التجارية بمثابة قبول للإيجاب إذا كانت هناك معاملات سابقة بين الطرفين .
وإذا كانت الرضائية هي الأصل في إبرام العقود التجارية لكونها تتلاءم مع طبيعة الحياة التجارية التي تأبى الشكلية والرسمية والبطء، فإن هذا الأصل أصبح يتراجع شيئا فشيئا لصالح الشكلية التي بدأت تغزو المادة التجارية حتى أصبحنا نرى كثيرا من العقود التجارية لا تقوم إلا بعد إفراغها في الشكل الذي يفرضه القانون، كما هو الشأن لعقد بيع ورهن الأصل التجاري  وتقديمه حصة في الشركة والتسيير الحر للأصل التجاري ، وعقد الشركة التجارية  وعقد رهن أدوات ومعدات التجهيز ، حيث اشترط المشرع لصحة هذه العقود وغيرها ضرورة تحريرها في محرر رسمي أو عرفي، بل وفي بعض منها أوجب إشهارها في السجل التجاري أو حتى في الجريدة الرسمية وفي السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة وفي عقود أخرى تطلب تسليم الشيء المتعاقد عليه للطرف الثاني كشرط لقيام العقد في إطار ركن التسليم في العقود العينية.
ولم تقتصر تجليات تراجع مبدأ الرضائية في مجال العقود التجارية على اقتحام الشكلية لها، بل إن الدولة أصبحت تفرض رقابتها على هذا الميدان في إطار حمايتها للطرف الضعيف في العلاقات التجارية بين المنتجين والمهنيين من جهة والمستهلكين من جهة ثانية، وفي هذا الصدد تدخل المشرع المغربي  -كنظيره الفرنسي - واضعا مجموعة من القواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها والتي يتعين على المهنيين مراعاتها في معاملاتهم وتعاقداتهم التجارية التي يبرمونها مع المستهلكين، بحيث أصبحوا يصطدمون بقواعد من النظام العام تقرر بطلان مجموعة من الشروط التعسفية التي يضمنونها في العقود النموذجية التي يضعونها من تلقاء أنفسهم من دون مفاوضة ومناقشة مع المستهلكين الطرف الضعيف في هذه العلاقات.
ويتضح مما سبق أن عهد سيادة الحرية التعاقدية ومبدأ سلطان الإرادة في مجال العقود التجارية قد ولى بعد فرض الدولة لرقابتها عليها إما لحماية الطرف الضعيف وهو المستهلك وإما لتوجيه الاقتصاد الوطني وحمايته، وبذلك ذهب الفقه إلى القول بأن العقود التجارية خرجت من دائرة الحرية التعاقدية إلى نطاق التنظيم القانوني الملزم، وأصبحت عقودا موجهة تتم وفقا لنظام موضوع لا وفقا لمشيئة المتعاقدين .

2 – حرية الإثبــــات

إن سهولة إنشاء الالتزامات التجارية موضوع العقود التجارية يستتبع بالضرورة سهولة إثباتها، لذلك فإن المبدأ في المادة التجارية هو حرية الإثبات بحيث يكون بوسع الأطراف مبدئيا إثبات الالتزامات التجارية بجميع وسائل الإثبات.
وقد نص المشرع المغربي على هذا المبدإ بصفة صريحة في طليعة تنظيمه للعقود التجارية، بحيث جاء في المادة 334 من مدونة التجارة أن المادة التجارية تخضع لحرية الإثبات إلا في الحالات التي يقرر فيها القانون أو الإتفاق الإثبات بالكتابة.
وقد كان قانون الالتزامات والعقود سباقا لتقرير هذا المبدأ عندما أورد استثناء على الإثبات المقيد المعمول به في المادة المدنية في الفصل 448 منه الذي أجاز الإثبات بشهادة الشهود بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.
وعليه، فإذا كان المشرع يستلزم في المادة المدنية الكتابة لإثبات الالتزامات التي تتجاوز قيمتها عشرة آلاف درهم إنشاء أو انتقالا أو تعديلا أو إنهاء عملا بالفصل 443 من ق.ل.ع، فإنه في المادة التجارية يجوز الاستعانة مبدئيا بجميع الوسائل لإثبات هذه الالتزامات، ومن ثم يمكن إثبات العقود التجارية بشهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية واليمين الحاسمة.
إلا أن مبدأ حرية الإثبات في المادة التجارية لا يعمل به على إطلاقه بل ترد عليه استثناءات مردها إما اتفاق الطرفين عندما يتفقان على اشتراط الكتابة في الإثبات لأن حرية الإثبات ليست من النظام العام، وإما القانون الذي يستلزم أحيانا لقيام وإثبات العقد التجاري الكتابة والإشهار كما في الحالات التي تطرقنا إليها سلفا.

3 – التضامـــن

إن من أهم مظاهر التشدد والصرامة في تنفيذ الالتزام التجاري ضد الطرف المدين، تضامن هذا الأخير في حالة تعدده، وهو ما يشكل في نفس الوقت ضمانة قوية لفائدة الدائن تدعيما للائتمان التجاري وتيسيرا في اقتضاء ديون الدائنين وتفاديا لنتائج إفلاس أحد المدينين.
وبناء على هذه المبررات الواقعية قرر المشرع المغربي التنصيص على هذه الخاصية في الأحكام العامة للعقود التجارية عندما نص في المادة 335 من مدونة التجارة على أن التضامن يفترض في المادة التجارية، وبذلك فإن التضامن يفترض بين المدينين في المادة التجارية على خلاف المادة المدنية التي لا يفترض فيها هذا التضامن وإنما يجب أن يتم التنصيص عليه في السند المنشئ للالتزام، أو يقرره القانون صراحة .
ويطرح إشكال مدى تعلق مقتضى المادة 335 من مدونة التجارة المقررة لتضامن المدينين في المادة التجارية بالنظام العام، أم يمكن الاتفاق على مخالفته تأسيسا على الفصل 165 من ق.ل.ع الذي قرر بدوره هذه القاعدة بين التجار في معاملاتهم التجارية ما لم يتفقوا على استبعادها . وترجع مشروعية هذا التساؤل إلى كون المشرع التجاري لم يردف المادة 335 من مدونة التجارة بالعبارة الواردة في ختام الفصل 165 من ق.ل.ع والمتمثلة في "وذلك ما لم يصرح السند المنشئ للالتزام أو القانون بعكسه"، وهو ما فسره الفقه بأن نية المشرع انصرفت صراحة إلى عدم الاعتداد باتفاق الأطراف على استبعاد التضامن بين المدينين في الالتزامات التجارية  مضيفا أن المادة 335 من مدونة التجارة قاعدة خاصة ولاحقة زمنيا للفصل 165 من ق.ل.ع ، ويمكن تعزيز هذا الموقف بكون المادة 335 من مدونة التجارة ألغت ضمنيا الجملة الثانية من الفصل 165 من ق.ل.ع على اعتبار أن هذا التضامن يعتبر عمود التنفيذ في الالتزامات التجارية وبذلك فإن عدم التنصيص عليها في المادة 335 يفيد الاستغناء عنها وإلغاءها.

4 – سريان الفوائد في تنفيذ الالتزامات التجارية

على خلاف القاعدة المقررة في المادة المدنية والتي تقضي ببطلان اشتراط الفائدة بين المسلمين عملا بالفصل 870 من ق.ل.ع ، فإنه في المادة التجارية يجوز اشتراط الفائدة بين المتعاقدين وفق ما نص عليه قانون الالتزامات والعقود نفسه في كثير من فصوله خصوصا الفصل 871 الذي نص على أن هذا الاشتراط يفترض إذا كان أحد الطرفين تاجرا والفصل 875 الذي نص على أنه في الشؤون المدنية والتجارية يحدد السعر القانوني للفوائد والحد الأقصى للفوائد الاتفاقية بمقتضى ظهير خاص. 
وفضلا عن حصر نطاق تطبيق الفصل 870 من ق.ل.ع في العقود المدنية الناشئة بين المسلمين، فإن مجال تطبيق الفوائد يرتبط بشكل كبير بالأشخاص المعنوية والتي لا يمكن الحديث عن ديانتها، وبالتالي تطبيق الفصل 870 من ق.ل.ع عليها حتى ولو كانت المعاملة مدنية، الأمر الذي يجعل نطاق تطبيق هذه الفوائد واسعا جدا، بشكل يتجاوز معه المجال التجاري.
والفوائد نوعان : فوائد قانونية، وفوائد اتفاقية، فالفوائد القانونية هي بمثابة تعويض عن التأخير في تنفيذ الالتزام، ومصدرها القانون الذي حدد سعرها في 6% عملا بظهير 16/06/1950 مسويا في ذلك بين المادة المدنية والمادة التجارية. أما الفوائد الاتفاقية فمصدرها اتفاق الطرفين، وغالبا ما تضمن في العقود البنكية، لذلك نص المشرع في المادة 495 من مدونة التجارة على أن الفوائد تسري بقوة القانون لفائدة البنك دون تمييز بين الفوائد الاتفاقية والفوائد القانونية.
وإذا كانت الفائدة الاتفاقية يختلف سعرها من مجال لآخر وتخضع لأسعار تفضيلية تطبيقا لبعض الاتفاقيات مع فئات معينة في المجتمع، فإن المشرع جعل هذه الفوائد من بين أهم اهتماماته في قانون حماية المستهلك فارضا رقابة قوية على السعر المطبق وعلى كيفية تطبيقه ومخولا للطرف الضعيف المستهلك عدة إمكانيات ووسائل قانونية للحيلولة دون تطبيق بعض الشروط العقدية إذا خالفت المقتضيات الآمرة المضمنة في قانون حماية المستهلك.
وعلى الرغم من الحماية التي يقررها المشرع لفائدة المستهلك، فإن نظام الفوائد يعتبر مظهرا من مظاهر التشدد في تنفيذ الالتزام التجاري مقارنة بالالتزام المدني.

5 –التشدد في مهلة الوفـــاء

إن من مظاهر القسوة والصرامة التي تطبع تنفيذ الالتزام التجاري، حرمان المدين من أي إمهال قضائي في تنفيذ الالتزام الذي يقع على عاتقه مقارنة بالالتزام المدني الذي يحظى فيه المدين بمعاملة أقل تشددا.
وإذا كان الفصل 128 من ق.ل.ع يضع قاعدة في المادة المدنية مؤداها عدم إمكانية القاضي منح أجل للمدين أو ينظره إلى ميسرة إلا بمقتضى القانون أو الاتفاق ولا حتى تمديد الأجل الاتفاقي أو القانوني، فإنه أورد استثناء على هذه القاعدة في الفصل 243 من ق.ل.ع أجاز من خلاله للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين منح آجال معتدلة للوفاء مع ضرورة استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق .
غير أن هذا المقتضى لا يمكن تطبيقه في المادة التجارية إلا بشكل استثنائي، على اعتبار أنه يتنافى مع طبيعة الالتزامات التجارية التي تقوم على السرعة والائتمان بحكم أن التجار يعولون على آجال تنفيذ الالتزامات ويرتبون التزامات أخرى عليها، وكل إخلال بأجل تنفيذ هذا الالتزام سيؤدي لا محالة إلى صعوبات تعترض مسيرة هذا التاجر أو ذاك.
ولقد نص المشرع المغربي بصفة صريحة على منع تمكين المدين من أي إمهال قانوني أو قضائي في الكمبيالة   والسند لأمر  والشيك .
وتظهر الصرامة أيضا في تنفيذ الالتزام التجاري في ترتيب جزاء التصفية القضائية ضد كل تاجر توقف عن دفع ديونه الحالة والمستحقة بشكل لا رجعة فيه عملا بمقتضيات المادتين 545 و651 من مدونة التجارة، ويترتب عن النطق بالتصفية القضائية ضد التاجر سواء كان شخصا ذاتيا أو شخصا اعتباريا حلول آجال جميع الديون المؤجلة طبقا للمادة 660 من مدونة التجارة، وبيع جميع أموال المدين بقصد توزيع منتوج البيع على دائنيه .
ومع ذلك فقد لطف المشرع المغربي من قسوة هذا الجزاء عندما لا يتوقف التاجر عن دفع ديونه بشكل لا رجعة فيه أو عندما يعاني من صعوبات دون أن تصل إلى درجة التوقف عن الدفع، إذ أجاز له بنفسه أن يطلب الاستفادة من مسطرتي الإنقاذ والتسوية القضائية عملا بمقتضيات المادتين 560 و 575 من مدونة التجارة بحيث تقضي المحكمة بفتح مسطرة التسوية القضائية إذا كانت وضعية التاجر ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه، بمعنى أنه توقف عن دفع ديونه ولكن لازالت هناك آمال لاستمراره وتقضي بفتح مسطرة الإنقاذ إذا كان يعاني من صعوبات ليس بمقدوره تجاوزها ومن شأنها أن تؤدي به في أجل قريب إلى التوقف عن الدفع. 
وتعتبـر مسطرة الإنقاذ والتسوية القضائية على خلاف التصفية القضائية امتيازا لفائدة التاجر المدين بحكم أنه يستفيد من مجموعة من الآليات القانونية التي تساعده على تجاوز الصعوبات التي يعاني منها وبالتالي تسهيل أداء ديون دائنيه، ولعل أهم هذه الآليات ما نصت عليه المادة 686 من مدونة التجارة من منع ووقف كل الدعاوى القضائية التي يقيمها الدائنون الذين نشأت ديونهم قبل فتح مسطرة الإنقاذ أو التسوية القضائية، وذلك بمجرد صدور حكم فتح المسطرة، كما تتوقف كل إجراءات التنفيذ التي يقيمها هؤلاء على المنقولات والعقارات، كما يترتب عن هذا الحكم منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره تحت طائلة بطلان ذلك الأداء والمطالبة باسترجاعه عملا بمقتضيات المادتين 690 و691 من مدونة التجارة.
وبذلك يمكن القول إن نظام الإنقاذ والتسوية القضائية يعد استثناء على مبدأ الصرامة والقسوة في تنفيذ الالتزام التجاري، لأن المدين يستفيد من خلاله من مجموعة من الامتيازات سواء تعلقت بتخفيض مبلغ الدين أو تمديد آجال أدائه، بل إن هذا النظام يضع التزامات أخرى على الدائنين من حيث ضرورة التصريح بديونهم لدى السنديك داخل أجل شهرين من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة في الجريدة الرسمية  أو من تاريخ إشعارهم تحت طائلة سقوطها  واستفادة المدين تبعا لذلك من هذا السقوط.

6 –التقادم

لما كانت الالتزامات التجارية تقوم على السرعة والثقة والائتمان، وعدم الرسمية، فإنه كان طبيعيا أن يكون أجل التقادم فيها قصيرا بالمقارنة مع الالتزامات المدنية التي تتقادم مبدئيا بمرور خمسة عشر سنة طبقا للفصل 387 من ق.ل.ع.
وبناء عليه فإن الالتزامات التجارية تتقادم كقاعدة بمرور خمس سنوات، وفق ما تنص عليه المادة 5 من مدونة التجارة ويستوي في ذلك أن يكون الالتزام التجاري ناشئا بين تجار، أو بينهم وبين غير التجار .
ويعتبـر التقادم الخماسي المنصوص عليه في المادة 5 من مدونة التجارة أطول مدة للتقادم في الالتزامات التجارية، إلا أن هناك بعضا من هذه الالتزامات خصها المشرع بمدد أقصر كما هو الشأن في تقادم الالتزامات الصرفية الناشئة عن الأوراق التجارية والتي تتقادم إما بمرور ستة أشهر أو سنة أو ثلاث سنوات .
ويقوم التقادم القصير الأمد الذي يميز بعضا من هذه الالتزامات التجارية على قرينة الوفاء، وهي قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، بحيث إذا أثار المدين دفعا بالتقادم وناقش في نفس الوقت موضوع الدعوى متمسكا بالأداء أو المقاصة أو غيرها من الدفوع الموضوعية، فإن قرينة الوفاء التي يقوم عليها التقادم المثار تكون قد تهدمت بإثارة هذه الدفوع، ومن ثم لن يستفيد المدين من التقادم بل يتعين عليه إثبات دفوعه الموضوعية، وذلك وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي .

7- الاختصاص القضائي :

الأصل في المنازعات التجارية أن تفض عن طريق التحكيم إذا كان هناك اتفاق للتحكيم أو شرط التحكيم بين أطراف العلاقة التجارية، لكن إذا انعدم هذا الاتفاق أو الشرط، فإن الاختصاص يعود حينئذ للقضاء الرسمي الممثل في المحاكم التجارية المحدثة بموجب القانون رقم 95/53  والذي حدد في مادته الخامسة المنازعات التي تبت فيها المحاكم التجارية كالتالي : "تختص المحاكم التجارية بالنظر في :
-الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية.
-الدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية.
-الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية.
-النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية.
-النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية".
غير أن التعداد الوارد في هذه المادة ليس حصريا بحكم أن ثمة منازعات أخرى تختص فيها المحاكم التجارية لم يرد التنصيص عليها في المادة المذكورة كقضايا صعوبات المقاولة وقضايا الملكية الصناعية والتجارية وغيرها.
وما يهمنا من التعداد الوارد في المادة الخامسة أعلاه ما تم التنصيص عليه في البند 1 و2 منها أي اختصاص المحاكم التجارية للبت في الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية، والدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية، والتي       لا تخرج عن التزامات بين هؤلاء التجار يكون مصدرها العقد أو المعاملة الرابطة بينهما والتي تكيف بالعقد التجاري.
وبناء عليه فكل دعوى تتعلق بعقد تجاري يرجع الاختصاص للبت فيها للمحاكم التجارية إذا تجاوزت قيمة الدعوى عشرين ألف درهم طبقا للمادة 6 من قانون إحداث المحاكم التجارية، التي حددت الاختصاص القيمي للمحاكم التجارية في المنازعات التي تتجاوز قيمة الدعوى فيها عشرين ألف درهم أو كانت غير محددة القيمة. أما إذا كانت قيمة الدعوى أقل من هذا المبلغ فإن الاختصاص يعود للمحاكم الابتدائية.
وإذا كان العقد التجاري الذي يربط بين تاجرين بمناسبة أعمالهما التجارية لا يطرح أي إشكال من حيث اختصاص المحكمة التجارية للبت فيه، فإن العقد الذي يكون أحد طرفيه تاجرا والآخر غير تاجر، يطرح إشكال المحكمة المختصة للبت في النزاع الناشئ عنه، بمعنى أن العقد يكون موضوعه عملا مدنيا لأحد طرفيه وعملا تجاريا للطرف الآخر، أي عملا مختلطا.
ويبدو من مقتضيات المادة 4 من مدونة التجارة والمادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية ، أنه لا يمكن مقاضاة غير التاجر أمام المحكمة التجارية إلا إذا وجد اتفاق بين الطرفين على إسناد الاختصاص لهذه الأخيرة، وبالمقابل يمكن لغير التاجر مقاضاة التاجر إما أمام المحكمة التجارية وإما أمام المحكمة الابتدائية باختياره.
غيـر أن مكنة الاختيار هذه المخولة لغير التاجر ليست على إطلاقها، ذلك أنه في العقود التجارية المنصوص عليها في الكتاب الرابع من مدونة التجارة يبقى الاختصاص منعقدا للبت في المنازعات الناشئة عنها للمحاكم التجارية فقط بغض النظر عن صفة الطرف المتعاقد معه تاجرا كان أم غير تاجر، وهكذا مثلا فالمنازعة الناشئة بين المسافر غير التاجر والناقل، وبين البنك والمقترض غير التاجر، وبين السمسار وموسط السمسار، وبين البنك وصاحب الحساب البنكي وغيرهم من أطراف العقود التجارية الواردة في الكتاب الرابع من مدونة التجارة، تكون من اختصاص المحكمة التجارية عملا بالبند 1 من المادة 5 من قانون إحداث هذه المحاكم، وذلك وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي لمختلف محاكم المملكة .

ثالثا : أنواع العقود التجاريـــــة :

يمكن تصنيف العقود التجارية كالعقود المدنية إلى عقود مسماة وعقود غير مسماة بحسب تنظيمها من طرف المشرع من عدمه، ويمكن تصنيفها أيضا بحسب موضوع العقد، بحيث إن العقود التجارية تتنوع تبعا لتنوع أنواع الأنشطة التجارية، وبذلك حاول الفقه ، تقسيم هذه العقود إلى عدة أنواع، النوع الأول عقود البيع التجاري، والنوع الثاني عقود الوساطة التجارية، والنوع الثالث عقود الائتمان التجاري والنوع الرابع عقود الخدمات التجارية والنوع الخامس عقود التجارة الدولية التي يمكن أن تنصب على جميع مواضيع الأنواع السابقة إذا كان لها طابع دولي.
وإذا كان المشرع المغربي لم ينظم النوع الأول من العقود التجارية المتمثل في عقد البيع التجاري إلا في بعض الحالات كعقد بيع الأصل التجاري، مما يبقى معه خاضعا للقواعد المنظمة لعقد البيع في قانون الالتزامات والعقود والأعراف التجارية، فإنه بالمقابل نظم عددا غير قليل من عقود الوساطة كعقد الوكالة التجارية وعقد الوكالة بالعمولة وعقد السمسرة، كما نظم بعض عقود الائتمان كعقد الرهن التجاري وعقد رهن أدوات ومعدات التجهيز، وعقد الإيداع بالمخازن العامة، وعقد الائتمان الإيجاري، فضلا عن تنظيمه لعقود الخدمات والتي يبقى عقد النقل والعقود البنكية أهم مثال عنها.
وسبقت الإشارة إلى أن العقود التجارية لا تقع تحت حصر، لذلك فإننا سنقتصر على دراسة بعض عقود الوساطة والخدمات والائتمان، مركزين على عقد الوكالة التجارية وعقد السمسرة وعقد النقل وعقد الائتمان الإيجاري، وذلك في فصلين نخصص الفصل الأول لعقود الوساطة والفصل الثاني لعقود الخدمات والائتمان.

عقود الوساطة

لا يستطيع التاجر إنجاز جميع أنشطته التجارية بمفرده أو بنفسه إما لصعوبة ذلك بسبب تنوع وتعدد هذه الأنشطة، وإما بسبب تواجد وقيام زبنائه الذين يتعامل معهم في أماكن بعيدة أو جهله حقيقة مركزهم المالي، مما لا يجد معه بدا من الاستعانة بأشخاص آخرين لتصريف شؤونه التجارية. ويختلف المركز القانوني لمن يستعين بهم التاجر بحسب تبعيتهم له أو استقلاليتهم عنه، فيندرج في الطائفة الأولى العمال الذين يأتمرون بأوامر مشغلهم، والممثلون التجاريون الذين وإن كانوا يتمتعون بنوع من الاستقلالية في إنجاز الأنشطة التجارية وفي البحث عن زبناء وتصريف منتجات التاجر، لكن تبقى هذه الحرية محدودة ولا يمكن أن يتجاوز فيها الممثل التجاري تعليمات التاجر الذي يمثله.
أما الطائفة الثانية التي يستعين بها التاجر في شؤونه التجارية فإنها تتمتع باستقلال مهني عنه ويدخل في ذلك الوكيل التجاري والوكيل بالعمولة والسمسار وصاحب الامتياز.
وسندرس نوعين من عقود الوساطة التي يتمتع فيها الوسيط باستقلال مهني، ويكتسب صفة تاجر وهما عقدي الوكالة التجارية وعقد السمسرة.

الـمبحث الأول : عقد الوكالة التجارية

لم ينص المشرع المغربي بصفة صريحة على الوكالة التجارية ضمن الأنشطة التجارية الواردة في المادتين 6 و7 من مدونة التجارة والذي اقتصر على الإشارة فيها إلى السمسرة والوكالة بالعمولة ، لكن ذلك لا ينزع عنها الصفة التجارية لأن تضمينه أعمال السمسرة والوكالة بالعمولة في البند 9 من المادة 6 لم يكن بصفة حصرية وإنما على سبيل المثال فقط، مؤكدا أن جميع أعمال الوساطة التي تمارس بصفة اعتيادية أو احترافية تكسب الشخص الممارس لها صفة تاجر.
وتعتبـر الوكالة التجارية من أهم أعمال الوساطة في الميدان التجاري، ولذلك عمل المشرع المغربي في مدونة التجارة على تنظيمها وخصص لها المواد من 393 إلى 404 منها، مع العلم أن القانون التجاري لسنة 1913 لم يكن ينظم هذا العقد.
وعلى غير عادته عمد المشرع إلى تعريف الوكالة التجارية مبينا من خلاله أهم خصوصياتها التي تميزها عن غيرها من عقود الوكالة والوساطة بصفة عامة مؤكدا على رضائية هذا العقد بعيدا عن أي شكلية في انعقاده وهو ما سنفصله في المطلب الأول تحت عنوان ماهية الوكالة التجارية وانعقادها، على أن نخصص المطلب الثاني لتنفيذ عقد الوكالة التجارية وإنهائه.
المطلب الأول : ماهية الوكالة التجارية وانعقادها
لقد كانت الوكالة التجارية تخضع إلى غاية صدور مدونة التجارة للقواعد العامة للوكالة المدنية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود باستثناء بعض المقتضيات التي تتلاءم وطبيعتها التجارية من قبيل عدم افتراض مجانيتها إذا أبرمت بين التجار فيما يتعلق بالمعاملات التجارية وفق ما تنص عليه الفصل 888 من ق.ل.ع.
وعلى الرغم من استقلال الوكالة التجارية بأحكام خاصة بعد صدور مدونة التجارة فإنها احتفظت بطابعها الرضائي الذي لا يستلزم أي شكلية في انعقادها.
الفقرة الأولى : ماهية الوكالة التجارية
حرصت معظم التشريعات على تعريف الوكالة التجارية تمييزا لها عن الوكالة المدنية وعن بقية عقود الوساطة التي قد تلتبس معها، مبرزة خصوصيات هذه الوكالة التي تساعد على إقامة هذا التمييز.

أولا : تعريف الوكالة التجارية

عرف المشرع المغربي الوكالة التجارية في المادة 393 من مدونة التجارة التي تنص على ما يلي : "الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص دون أن يكون مرتبطا بعقد عمل بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري آخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك".
كما عرف المشرع الفرنسي الوكيل التجاري في الفقرة الأولى من المادة 134 من مدونة التجارة بأنه "الوكيل الذي يقوم بصفة مهنية مستقلة دون أن يكون مرتبطا بعقد إجارة الخدمة وبصفة دائمة بالتفاوض وعند الاقتضاء بإبرام عقود بيع أو شراء أو كراء أو تقديم خدمات باسم ولحساب منتجين أو صناع أو تجار أو وكلاء تجاريين آخرين، يمكن أن يكون شخصا ذاتيا أو شخصا معنويا" .
وقد عرف المشرع اللبناني الوكيل التجاري في المادة الأولى من المرسوم رقم 34 لسنة 1967 المتعلق بالتمثيل التجاري بأنه "الوكيل الذي يقوم بحكم مهنته الاعتيادية المستقلة ودون أن يكون مرتبطا بإجارة خدمة بالمفاوضة لإتمام عملية البيع والشراء أو التأجير أو تقديم الخدمات ويقوم عند الاقتضاء بهذه الأعمال باسم المنتجين أو التجار ولحسابهم".
وبمقارنة التشريع المغربي بنظيره الفرنسي واللبناني من حيث تعريف الوكالة التجارية يتضح أن التعريف الذي جاء به المشرع الفرنسي واللبناني قاصر وأغفل الإشارة إلى عنصر أساسي في الوكالة التجارية وهو عنصر الأجر أو العمولة، وهو ما تنبه إليه المشرع المغربي في التعريف الذي وضعه في المادة 393 من مدونة التجارة حيث ركز على عنصر الأجر كالتزام للموكل وهو العنصر الذي يميز الوكالة التجارية عن الوكالة العادية.
وعرفها بعض الفقه العربي بأنها "عقد يلتزم بمقتضاه شخص بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة مهنية مستقلة ومستمرة نيابة عن آخر في مقابل أجر" ، وإن كان هذا التعريف يبدو قاصرا لعدم إشارته إلى موضوع الوكالة التجارية الذي يجب أن يكون من الأعمال التجارية.
ثانيا : خصوصيات الوكالة التجارية
بالرجوع إلى التعاريف أعلاه يتضح أن للوكالة التجارية خصوصيات تميزها عن غيرها من عقود الوساطة المشابهة لها سواء ذات الطبيعة المدنية أو ذات الطبيعة التجارية.
1 – تجارية الوكالة التجارية
إذا كان المشرع الفرنسي ساكتا بخصوص تحديد طبيعة الوكالة التجارية هل تكتسي صبغة مدنية أم صبغة تجارية فإن المشرع المغربي وإن لم يكن صريحا فإنه أعطى مؤشرات في مدونة التجارة تفيد الصبغة التجارية لهذه الوكالة.
وقبل تبيان أهم هذه المؤشرات لابد من التذكير بأن الفقه والقضاء الفرنسيين يكادان يجمعان على الطبيعة المدنية للوكالة التجارية أمام سكوت المشرع عن تحديد هذه الطبيعة. وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الوكيل التجاري مجرد نائب لا يتوفر على زبناء خاصين به ولا يمكنه أن يكون أصلا تجاريا وليس له صفة تاجر  مضيفا أي القضاء الفرنسي في قرار آخر أن الاختلاف الأساسي بين الوكلاء بالعمولة والوكلاء التجاريين هو أن هؤلاء الأخيرين لا يملكون زبناء ولا أصولا تجارية خاصة بهم، وبالتالي عندما يثبت أن الموزع يملك أصلا تجاريا مما يتنافى مع صفة الوكيل فإن الأمر يتعلق حينئذ بعقد وكالة بالعمولة يستوجب تطبيق مقتضيات المادة 132-1 وما يليها من مدونة التجارة الفرنسية ، وقد أكد هذا القضاء على الطابع المدني للوكالة التجارية لكون الوكيل لا يزاول من خلال الوكالة أي عمل تجاري باسمه ولحسابه .
وبالرجوع إلى التشريع المغربي فيبدو أن مدونة التجارة تسير في اتجاه اعتبار الوكالة التجارية ذات طبيعة تجارية، لأن هذه الطبيعة هي التي تميزها عن الوكالة العادية في القانون المدني، وفي هذا الصدد نص البند 9 من المادة 6 من مدونة التجارة على أن صفة تاجر تكتسب بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للسمسرة والوكالة بالعمولة وغيرهما من أعمال الوساطة، ولعل من أهم أعمال الوساطة المنتشرة في الحياة التجارية، الوكالة التجارية بحكم أن التجار غالبا ما يلتجئون إلى خدمات الوكلاء التجاريين في إبرام صفقاتهم، ويضاف إلى ذلك تنظيم عقد الوكالة التجارية في الكتاب الرابع من مدونة التجارة المتعلق بالعقود التجارية، والذي يؤكد تجارية عقد الوكالة التجارية وما يترتب عن ذلك من خضوعه لاختصاص المحاكم التجارية، ولقواعد الإثبات والتضامن وغيرها من القواعد الخاصة المعمول بها في العقود التجارية الأخرى.
ويشترط لاعتبار الوكالة التجارية عملا تجاريا وبالتالي اكتساب الوكيل التجاري صفة تاجر، ممارستها على سبيل الاعتياد أو الاحتراف، أي اتخاذها من طرف الوكيل حرفة له، وإذا مورست بصفة عرضية أو موسمية فإنها تفقد الصفة التجارية لانعدام شرط الاعتياد أو الاحتراف المنصوص عليه في المادة6 من مدونة التجارة.
ويضاف إلى ذلك أن الوكالة التجارية ليست مجانية كما هو الشأن بالنسبة للوكالة العادية، وإنما تتم مقابل أجر يؤديه الموكل للوكيل وفق ما جاء في المادة 393 من مدونة التجارة . 
ومن نافلة القول إن الوكالة لا تكون تجارية إلا إذا كان موضوعها أحد الأعمال التجارية وأن تتم هذه الأعمال لفائدة شخص آخر يجب أن يكون بدوره تاجرا وفق ما تنص عليه المادة 393 من مدونة التجارة وبالتالي فإن كان عمل الوكيل ينصب على التفاوض أو التعاقد بشأن أعمال غير تجارية أو لفائدة أشخاص غير تجار فلا يمكن اعتباره وكيلا تجاريا، وإنما يبقى وكيلا يخضع في علاقته بموكله للقواعد العامة في قانون الالتزامات والعقود.
وفي هذا الصدد يذهب بعض الفقه العربي إلى أن الوكالة تعتبر في القانون المصري تجارية إذا كان الوكيل محترفا إجراء المعاملات التجارية لحساب الغير ، مضيفا أن القانون المصري يشترط شرطين لتكون الوكالة تجارية هما : 
الشرط الأول : أن يكون محل نشاط الوكيل عملا تجاريا لحساب الغير.
الشرط الثاني :احتراف الوكيل هذا العمل التجاري .
2 – الاستقلال المهني للوكيل التجاري
إن استقلال الوكيل التجاري في ممارسة مهامه يعتبر من بين أهم خصائص الوكالة التجارية التي أكد عليها المشرع المغربي في التعريف الوارد في المادة 393 من مدونة التجارة بتنصيصها على ما يلي : "الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل ..." والتي أكد عليها أيضا المشرع الفرنسي في المادة 134/1 من مدونة التجارة عندما عرف الوكيل التجاري بأنه الوكيل الذي يكلف بصفة مستقلة ودون أن يكون مرتبطا بعقد إجارة الخدمات...".
وتفيد خاصية الاستقلال المهني للوكيل التجاري أن هذا الأخير يعتبر مقاولا مستقلا بذاته لا يخضع لأي تعليمات أو أوامر في تدبير شؤونه المهنية من موكله أو موكليه ولا يكون تابعا لهم بأي شكل من أشكال التبعية.
وتتجلى مظاهر الاستقلال المهني للوكيل التجاري فيما يلي :
-إمكانية تمثيل عدة موكلين في آن واحد دون أخذ موافقتهم وفق ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 393 من مدونة التجارة : "يمكن للوكيل التجاري أن يمثل عدة موكلين دون أن يلزم بموافقة أي منهم ..."، وهو ما يفتح للوكلاء التجاريين آفاق جد واسعة لتنويع وتوسيع نطاق مهنتهم وأرباحهم.
غير أن هذا المبدأ ليس على إطلاقه، بل يرد عليه استثناء يمنع بموجبه الوكيل من تمثيل موكلين أو مقاولات متنافسة، وهو الاستثناء الوارد في الجملة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 393 من مدونة التجارة بتنصيصها على ما يلي : "غير أنه لا يجوز له أن يمثل عدة مقاولات متنافسة" .
ويختلف التشريع المغربي عن نظيره الفرنسي حيث أورد هذا الأخير استثناء على الاستثناء المقرر في المادة 134/3 من مدونة التجارة أجاز من خلاله للوكيل التجاري تمثيل مقاولة منافسة إذا وافقت المقاولة الموكلة الأولى على ذلك، وهو ما لا نجد له مثيلا في الفقرة الثانية من المادة 393 من مدونة التجارة المغربية التي قررت الاستثناء بعدم جواز تمثيل مقاولات متنافسة دون التنصيص على إمكانية إجازة الاتفاق على ما يخالف هذا الاستثناء كما فعل المشرع الفرنسي، غير أنه لما كان الأمر يتعلق بمصلحة الموكل وطالما تنازل هذا الأخير عن شرط عدم المنافسة، فإننا نعتقد أن مثل هذا الاتفاق جائز، وبالتالي يحق للوكيل تمثيل مقاولات متنافسة إذا حصل على موافقتها.
-حرية الوكيل التجاري في إدارة وتنظيم مقاولته بحيث يتمتع بصلاحيات واسعة في اختيار وقت ترويج وتصريف المنتوجات المكلف بها من طرف موكليه دون أن يفرض عليه هؤلاء وقتا معينا ولا طريقة معينة لذلك.
ويتمتع الوكيل التجاري في هذا الصدد بالحرية الكاملة في اختيار الشكل القانوني لمقاولته، إما في شكل مقاولة فردية كشخص ذاتي وإما قي شكل مقاولة جماعية باختيار أي شكل من أشكال الشركات التجارية سواء كانت شركات أشخاص أو شركات أموال، مع العلم أن المشرع المغربي لم يكن صريحا في هذا الشأن كنظيره الفرنسي الذي نص في نهاية الفقرة الأولى من المادة 134/1 من مدونة التجارة على أن الوكيل التجاري يمكن أن يكون شخصا ذاتيا أو شخصا معنويا، في حين وردت كلمة شخص في المادة 393 من مدونة التجارة المغربية عامة، وهو عموم يفيد إمكانية مزاولة مهام الوكالة التجارية من طرف الشخص الذاتي والشخص المعنوي على حد سواء .
-يترتب على حرية الوكيل التجاري في تنظيم مقاولته وفق الطريقة التي تبدو له ملائمة إمكانية استعانته بعمال ومستخدمين، بل بإمكانه أن يستعين بوكلاء تجاريين من الباطن، على أساس أن تبقى العلاقة بين الموكل والوكيل التجاري الأصلي.
-يحق للوكيل التجاري ممارسة أنشطة تجارية أخرى إلى جانب الوكالة التجارية، سواء مورست هذه الأخيرة بصفة أصلية أو بصفة تبعية ، بشرط ألا ينافس موكله.
وتبدو أهمية خاصية الاستقلال المهني للوكيل التجاري في تمييزه عن الممثل التجاري الذي يمارس تقريبا نفس المهام التي يمارسها الوكيل التجاري لكن طريقة ممارستها تختلف بين الوسيطين المذكورين، على اعتبار أن الممثل التجاري يكون تابعا لمشغله، ويتقيد بأوامره وتعليماته في جميع مراحل العمل الذي يقوم به بحيث يتعين عليه أن يقوم بالعمل بنفسه دون الاستعانة بأشخاص آخرين كما يمنع عليه تمثيل مشغلين آخرين أو مزاولة أنشطة أخرى.
3 – خاصية استمرارية الوكالة التجارية
نص المشرع المغربي على هذه الخاصية في المادة 393 في مدونة التجارة عندما عرف الوكالة التجارية بأنها عقد يلتزم بمقتضاه شخص بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة وأكد عليها المشرع الفرنسي بدوره في المادة 134/1 من مدونة التجارة بالتنصيص على أن الوكيل التجاري يمارس مهامه بصفة دائمة     de façon permanente، وبناء على ذلك فإن الشخص الذي لا يمارس هذا النشاط إلا بصفة مؤقتة وموسمية كما في أوقات المعارض لا يستفيد من نظام الوكيل التجاري ، كما أن الوكيل الذي لا ينجز إلا عمليات معزولة باسم ولحساب مؤسسة أو شركة معينة لا يمكنه أن يستفيد من نظام الوكالة التجارية .
وتقتضي خاصية استمرارية وديمومة الوكالة التجارية استمرارها في الزمن لمدة طويلة وأن تنصب على عمليات عديدة بشكل يحقق المصلحة المشتركة للطرفين، ومن ثم فإن خاصية الاستمرارية ترتبط بشكل كبير بخاصية المصلحة المشتركة، فكلما تخلفت إحدى هاتين الخاصيتين انعدمت الوكالة التجارية ونصبح أمام نوع آخر من التعاقد.


4 – خاصية المصلحة المشتركة
إن الوكيل التجاري عندما يزاول مهامه في نطاق الوكالة التجارية لا يصبو إلى تحقيق مصلحته فقط بمعنى لا يقتصر على الحصول على أجر هذه العملية، بل إنه يروم تحقيق أكبر عدد ممكن من الزبناء بشكل مشترك مع موكله بحيث تزداد مبيعات هذا الأخير أو عملياته بصفة عامة وتزداد في الآن ذاته أجرة الوكيل التجاري.
ولم يشر المشرع المغربي إلى هذه الخاصية في التعريف الذي أعطاه للوكالة التجارية في المادة 393 من مدونة التجارة، إلا أنه مع ذلك خص لها المادة 395 من ذات المدونة والتي جاء في فقرتها الأولى ما يلي : "يبرم عقد الوكالة التجارية لتحقيق الغاية المشتركة للأطراف" وحدد الالتزامات المتبادلة بين الطرفين التي تكفل تحقيق هذه المصلحة والمتمثلة في الالتزام بقواعد الصدق والإعلام بين الطرفين، إذ بدون احترام هذه القواعد لن تتحقق المصلحة المشتركة المميزة للوكالة التجارية.
ونص المشرع الفرنسي بدوره على هذه الخاصية في المادة 134/4 من مدونة التجارة .
وتعتبر المصلحة المشتركة معيارا يعتمد عليه لتمييز الوكالة التجارية عن الوكالة بالعمولة والسمسرة والتمثيل التجاري والوكالة العادية إذ تنعدم هذه المصلحة في العقود المذكورة بحيث لا يمكن تصور المصلحة المشتركة مبدئيا في الوكالة العادية التي تنسحب فيها جميع التصرفات للموكل ولا يجني من ورائها الوكيل أي فائدة لأنها تعتبر في الأصل وكالة مجانية، إلا أنه مع ذلك يمكن تصور هذه المصلحة في بعض حالات الوكالة العادية، كما لو قام المدين بتوكيل دائنه من أجل بيع مال من أمواله بغية أداء دين الدائن من ثمن البيع، أو عندما يقوم المالكون على الشياع بتوكيل أحد المالكين بإدارة الشيء المشاع، ففي مثل هذه الحالات تتحقق المصلحة المشتركة بين الموكل والوكيل استثناء على القاعدة التي تقضي بانعدام هذه المصلحة في الوكالة العادية.
 وتقوم المصلحة المشتركة في الوكالة التجارية بصفة عامة على عنصرين متميزين أولهما استمرارية التعاون بين الطرفين لمدة طويلة وثانيهما تكوين زبناء بشكل مشترك، مما يقتضي في الواقع تظافر المجهود من كلا الطرفين لبلوغ نفس الهدف وهو تكوين وتطوير زبناء مشتركين مما يعود بالنفع على الطرفين معا .
الفقرة  الثانية : انعقاد الوكالة التجارية وإثباتها
يعتبـر عقد الوكالة التجارية شأنه شأن عقد الوكالة العادية من العقود الرضائية التي يكفي لانعقادها مجرد تطابق إيجاب وقبول الطرفين الموكل والوكيل دون استلزام أي شكلية معينة لقيام العقد، ويجوز أن يكون رضى الطرفين صريحا أوضمنيا .
وإذا كان الأصل أن الوكالة يمكن أن ترد في شكل يخالف الشكل المتطلب لإجراء التصرف الذي يكون محلا لها حسب مقتضيات الفصل 887 من ق.ل.ع، فإن ثمة استثناءات ترد على هذا الأصل حيث يتعين أن تحرر التصرفات التي تؤدي إلى نقل ملكية العقارات وإسقاطها والوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي تحت طائلة البطلان وفق التعديل الأخير الذي لحق المادة 4 من مدونة الحقوق العينية بموجب القانون رقم 69/16 ، ومن ثم فإذا كان موضوع الوكالة التجارية بيوعا أو أشرية ترد على عقارات، فإن هذه الوكالة يجب أن تحرر بموجب محرر رسمي.
وعلى خلاف المشرع المغربي الذي جعل الوكالة رضائية حتى في الحالات التي يكون موضوعها تصرفا يستلزم شكلية معينة مع مراعاة الاستثناءات المقررة بنص صريح، فإن المشرع المصري استلزم إيراد الوكالة في الشكل الذي يستلزمه القانون في العمل موضوعها، بتنصيصه في الفصل 700 من القانون المدني على أنه "يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك".
وسار المشرع الفرنسي على منوال نظيره المغربي مقررا في قانون 1991 المضمن في المادة 134/1 وما يليها من مدونة التجارة رضائية عقد الوكالة التجارية، بعد أن كان في ظل مرسوم 1958 الملغى يستلزم كتابة هذا العقد وتسجيله في سجل خاص بكتابة ضبط المحكمة.
ولئن ألغى القانون الفرنسي الحالي الكتابة في عقد الوكالة التجارية، فإنه احتفظ بالتسجيل حيث أوجب على كل وكيل تجاري تسجيل عقد الوكالة التجارية في سجل خاص بالمحكمة التجارية يبقى صالحا لمدة خمس سنوات، ويتعين تجديد التسجيل إذا رغب المعني بالأمر في مواصلة نشاطه.
غير أن هذا التسجيل الذي كان إجباريا في ظل مرسوم 1958 أصبح حاليا مجرد إجراء إداري لا يترتب عن إغفاله أي أثر بخصوص قيام عقد الوكالة التجارية خصوصا بعد التوصية الأوربية لـ 18/12/1986 التي لم تنص على إلزامية التسجيل المذكور .
وإذا كان إبـرام عقد الوكالة التجارية لا يحتاج إلا لرضى الطرفين، فإن إثباته لا يتم إلا بواسطة الكتابة تطبيقا للمادة 397 من مدونة التجارة التي تنص على أنه "يثبت عقد الوكالة التجارية وعند الاقتضاء تعديلاته بالكتابة". ويستوي في هذه الكتابة الواردة كشرط للإثبات أن تأتي في شكل رسمي أو عرفي، بل يمكن أن يتم إثبات العقد بالمراسلات الموقعة بين الطرفين، سواء كانت ورقية أم إلكترونية أو عبر شبكة الانترنيت أو عن طريق الفاكس أو بأي وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة.
وفي هذا الصدد نص المشرع الفرنسي في المادة 134/2 من مدونة التجارة على أنه يمكن لكل طرف أن يطلب من الطرف الآخر أن يسلمه محررا موقعا يتضمن محتوى عقد الوكالة وتعديلاته، وذلك بغية إثبات عقد الوكالة التجارية.
وتظهر أهمية كتابة عقد الوكالة التجارية في ضمان حقوق الطرفين المتعاقدين خصوصا الوكيل التجاري بشأن شرط الحصر وعدم المنافسة وغيرها من المسائل النـزاعية التي يلقى عبء إثباتها على الوكيل التجاري.
 ويمكن إبرام عقد الوكالة التجارية لمدة محددة أو غير محددة وفق ما تنص عليه المادة 396 من مدونة التجارة، غير أن إنهاءه يخضع لإجراءات الإشعار التي تختلف آجاله بحسب مدة العقد ومدة استمراريته، مما يجعل هذا الإنهاء يختلف تمام الاختلاف عن إنهاء عقد الوكالة العادية وفق ما سيتم بيانه عند الحديث عن إنهاء عقد الوكالة التجارية.
وإذا كان موضوع الوكالة العادية لا يخرج عن التصرفات القانونية الممكنة والمشروعة ، فإن محل وموضوع الوكالة التجارية يبقى واسعا بحيث يشمل التصرفات القانونية وحتى الوقائع المادية إذ لا يقتصر عمل الوكيل التجاري على إبرام العقود باسم ولحساب موكله، بل إنه يقوم بالتفاوض باسم ولحساب موكله على ما يتضح صراحة من نص المادة 393 من مدونة التجارة التي عرفت الوكالة التجارية بأنها عقد يلتزم بموجبه الوكيل بالتفاوض والتعاقد باسم ولحساب تاجر أو منتج ...، بل إن المشرع الفرنسي جعل التفاوض المهمة الرئيسة التي يقوم بها الوكيل في عقد الوكالة التجارية، أما التعاقد نيابة عن موكله فلا يقوم به إلا عند الاقتضاء .
ومعلوم أيضا أن التصرفات والأعمال التي تكون موضوعا للوكالة التجارية هي تلك تهم العمليات التجارية من بيع وشراء وكراء وتقديم خدمات وغيرها، دون العمليات التي لا تدخل في دائرة المعاملات التجارية.

المطلب الثاني : تنفيذ وإنهاء عقد الوكالة التجارية
بمجرد إبرام عقد الوكالة التجارية فإنه يرتب التزامات على طرفيه منها التزامات متبادلة، ومنها التزامات خاصة بكل طرف على حدة، والتي تقوم كلها على قواعد الصدق والإعلام، والتنفيذ المهني للمهمة الموكولة للوكيل، وتمكين هذا الأخير من وسائل تنفيذ وأداء مهمته. وغني عن البيان أن الإخلال بهذه القواعد من هذا الطرف أو ذاك يؤدي إلى فسخ العقد مع إمكانية المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسبب فيه هذا الإخلال، إلا أن إنهاء العقد في غير هذه الحالة يخضع لإجراءات تستهدف حماية الوكيل التجاري على وجه الخصوص.
الفقرة الأولى : تنفيذ عقد الوكالة التجارية
يلقي عقد الوكالة التجارية بالتزامات على طرفيه أهمها بالنسبة للموكل الالتزام بأداء أجر أو عمولة لفائدة الوكيل وتمكينه من الوسائل التي تساعده على تنفيذ مهمته، وبالنسبة للوكيل الالتزام بالصدق وعدم المنافسة والإعلام وبالتنفيذ الاحترافي لعقد الوكالة.
أولا : التزامات الـموكل
يمكن تقسيم التزامات الموكل في عقد الوكالة التجارية إلى نوعين : التزامات مالية والتزامات غير مالية، ويدخل في النوع الأول الالتزام بأداء أجر أو عمولة للوكيل، والالتزام برد جميع المصاريف التي اضطر الوكيل لأدائها من ماله الخاص تنفيذا للوكالة، في حين يشمل النوع الثاني من الالتزامات غير المالية الالتزام بتمكين الوكيل من الوسائل اللازمة لتنفيذ وأداء مهمته واحترام شرط الحصر.

1 – التزامات الموكل الماليـة
يقع على عاتق الموكل في الوكالة التجارية التزامين ماليين أساسيين أولهما الالتزام بأداء أجر أو عمولة لفائدة الوكيل وثانيهما الالتزام برد المصاريف التي أداها الوكيل من ماله الخاص وهو بصدد تنفيذ عقد الوكالة التجارية.
أ – الالتــزام بأداء العمولة :
إذا كانت الوكالة العادية في المادة المدنية بدون أجر بحسب الأصل طبقا للفصل 888 من ق.ل.ع، فإن الوكالة التجارية لا تكون تبرعية وإنما تتم مقابل أجر أو عمولة، وقد أكد المشرع المغربي على ذلك عند تعريفه لعقد الوكالة التجارية في المادة 393 من مدونة التجارية مشيرا إلى عنصر الأجر، كالتزام يقع على عاتق الموكل مقابل الخدمات التي يقدمها له الوكيل التجاري.
وحظي التزام الموكل بأداء أجرة أو عمولة لفائدة الوكيل بتنظيم دقيق من طرف المشرع المغربي بحيث خصص له المواد من 398 إلى 401 من مدونة التجارة.
ويلاحظ من خلال هذه المواد أن المشرع متردد بخصوص تسمية المقابل الذي يحصل عليه الوكيل، فأحيانا يسميه أجرة وأحيانا عمولة، وإن كان يعتبر العمولة مكونا من مكونات الأجرة، والتي قد تنصب عليها هذه الأخيرة جزئيا أو كليا وفق ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 398 من مدونة التجارة التي تنص على ما يلي : "يمكن أن تنصب الأجرة إما جزئيا أو كليا على عمولة يتكون وعاؤها من عدد أو قيمة القضايا المتولاة من الوكيل...".
ورغم هذا التردد فيبدو أن المشرع يفضل تسمية العمولة على اعتبار أنه استعمل مصطلح الأجرة مرتين فقط الأولى في المادة 393 والثانية في الفقرة الأولى من المادة 398، وانطلاقا من الفقرة الثانية من المادة 398 أصبح يستعمل فقط مصطلح العمولة في كل ما يتعلق بأحكامها.
ونعتقد أن مصطلح العمولة يتلاءم مع طبيعة عمل الوكيل الذي غالبا ما يحصل على حقوقه المالية كنسبة من أرباح العمليات التي يقوم بها خصوصا إذا ما فوض له في التعاقد، هذا فضلا على أن مصطلح الأجرة قد يجعل العقد ملتبسا مع عقود أخرى كعقد الشغل.
أ – 1-تحديد العمولــة :
يتم تحديد مبلغ الأجرة أو العمولة باتفاق الطرفين في العقد، وفي غيابه بمقتضى أعراف المهنة، وفي غيابهما من طرف المحكمة التي تستعمل في هذا الإطار سلطتها التقديرية آخذة بعين الاعتبار مجموع عناصر العملية موضوع النزاع حول العمولة، وذلك وفق ما نصت عليه المادة 398 من مدونة التجارة .
وبناء عليه فإن عدم تضمين عقد الوكالة التجارية بندا يحدد العمولة المتفق عليها بين الطرفين، فإن هذا لا يعني أن هذه الوكالة بدون أجر أو تبرعية لأن مجانية الوكالة التجارية لا تفترض، ولأن احتراف الوكيل التجاري أعمال الوكالة التجارية يعد قرينة على أنه يتقاضى مقابلا عن ذلك، وهذا ما أكده المشرع المغربي عندما أعطى حلولا لتحديد العمولة المستحقة للوكيل في حالة خلو عقد الوكالة من بند يحدد هذه العمولة .
ويخضع تحديد العمولة للحرية المطلقة للأطراف، فهم أحرار في تحديدها في مبلغ معين أو كنسبة مئوية من قيمة المعاملات التي توسط فيها الوكيل، وقد تكون عبارة عن مبلغ محدد ونسبة مئوية من ناتج المعاملات في آن واحد، وفق ما يستفاد من الفقرة الثانية من المادة 398 من م.ت التي تنص على أن الأجرة يمكن أن تنصب إما جزئيا أو كليا على عمولة يتكون وعاؤها من عدد أو قيمة القضايا المتولاة من الوكيل.
وإذا كان القاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تحديد العمولة التي يستحقها الوكيل في حالة عدم تحديدها في العقد أو بمقتضى العرف، فإنه لا يملك حق تعديل العمولة المحددة رضاء بين الطرفين زيادة أو نقصانا بذريعة أنها مبالغ فيها أو أنها زهيدة، على اعتبار أن الطرفين في عقد الوكالة التجارية على خبرة ودراية بموضوع الوكالة، فلا يتصور أن يؤثر أحدهما على الآخر، ونؤسس لذلك أيضا بمبدإ العقد شريعة المتعاقدين الذي لا يحق للقاضي تغييره أو تعديله.
وإذا كان المشرع المغربي لم ينص على تقييد سلطة القاضي في تعديل العمولة المتفق عليها، فإن بعض التشريعات العربية نصت على ذلك بصفة صريحة كالمشرع المصري الذي نص في المادة 150/4 من القانون التجاري على أنه "استثناء من أحكام الفقرة الثانية من المادة 705 من القانون المدني إذا اتفق على أجر الوكيل (الوكيل التجاري) فلا يخضع هذا الأجر لتقدير القاضي" .
أ -2 –نشأة الحق في العمولــة :
لا يستحق الوكيل مبدئيا العمولة إلا بعد القيام بالمهمة المنوطة به والمتمثلة أساسا إما في التفاوض أو التعاقد باسم ولحساب موكله.
ويستحق الوكيل التجاري العمولة عن كل عملية تجارية أنجزت خلال مدة سريان العقد سواء كانت :
- بفضل تدخله وسعيه.
- أو بمساعدة أحد من الأغيار ممن سبق أن حصل على زبائن لأجل عمليات مماثلة.
- كل عملية أبرمت خلال سريان العقد مع شخص ينتمي للمنطقة الجغرافية أو المجموعة المعنية من الأشخاص المكلف بهم الوكيل التجاري في نطاق شرط الحصر . ويستحق الوكيل العمولة في هذه الحالة حتى ولو لم يتدخل قط في العملية، وسواء أبرمت هذه العملية من طرف الموكل شخصيا أو من طرف وكيل آخر مفوض له من هذا الأخير. ويرجع حق الوكيل في استحقاق العمولة في هذه الحالة إلى المجهودات التي بذلها في سبيل التعريف بالموكل ومنتجاته، ويعتبر من قبيل الإثراء بلا سبب استفادة الموكل من هذه المجهودات على حساب الوكيل.
وقد كان المشرع المصري صريحا في تقرير حق الوكيل التجاري في استحقاق الأجر عند خرق الموكل لشرط الحصر حيث نص في المادة 184 من القانون التجاري على ما يلي : "إذا كانت وكالة العقود مقصورة على وكيل واحد في منطقة معينة استحق وكيل العقود الأجر عن الصفقات التي يبرمها الموكل مباشرة أو بواسطة غيره في هذه المنطقة ولو لم تبرم هذه الصفقات بسعي هذا الوكيل ما لم يتفق الطرفان صراحة على غير ذلك".
ولا يقتصر حق الوكيل في استحقاق العمولة على العمليات التي تتم خلال مدة سريان العقد والمحددة أعلاه، وإنما يمتد حقه في العمولة حتى بعد انتهاء عقد الوكالة وفق ما تم التنصيص عليه في المادة 400 من مدونة التجارة والتي حددت شروط استحقاق الوكيل للعمولة في هذه الحالة فيما يلي  :
-يجب أن تكون العملية مترتبة أساسا عن النشاط الذي بذله الوكيل خلال تنفيذ العقد بمعنى أن العملية التي أبرمت بعد انتهاء عقد الوكالة التجارية كانت نتيجة للمجهودات التي بذلها الوكيل خلال سريان العقد ومن الطبيعي أن تمتد آثار هذه المجهودات إلى ما بعد انتهاء العقد.
-يجب أن تبرم هذه العملية في اجل سنة من تاريخ انتهاء العقد، وهو أجل افترضه المشرع لانتهاء مفعول المجهودات التي بذلها الوكيل خلال سريان العقد.
وإذا كان المشرع المغربي حدد هذا الأجل في سنة فإن المشرع الفرنسي لم يحدده وإنما اشترط أن يكون أجلا معقولا délai raisonnable وفق ما جاء في المادة 134/7 من مدونة التجارة الفرنسية. 
-إذا كان أمر الزبون تم تسلمه من طرف الموكل أو من طرف الوكيل قبل انتهاء العقد ، ويستحق الوكيل العمولة في هذه الحالة بغض النظر عن وقت إبرام العملية سواء قبل أجل سنة أو بعده الوارد في المادة 400 من مدونة التجارة لأن هذه الحالة وردت بشكل مستقل عن الحالتين السابقتين، ومن ثم فإن الوكيل يستحق العمولة المتفق عليها إذا أبرمت الصفقات بعد انتهاء العقد وكانت خاصة بعملائه السابقين لذات المنتجات طالما كانت الطلبات على هذه الصفقات وصلت إلى الوكيل قبل انتهاء العقد .
وينشأ حق الوكيل في العمولة بمجرد تنفيذ الموكل للعملية التي كلف بها الوكيل أو من التاريخ المفترض لتنفيذها تطبيقا للاتفاق الحاصل مع الزبون أو أيضا بمجرد قيام الزبون من جهته بتنفيذ العملية حسب ما تنص عليه المادة 401 من مدونة التجارة، ففي حالة البيع الذي وُكِّل الوكيل للتفاوض بشأنه مع الزبون، يستحق الوكيل العمولة بمجرد تسليم الشيء المبيع من طرف الموكل للزبون أو من التاريخ المفترض لتسليم هذا الشيء، أو بمجرد أداء الزبون الثمن لفائدة البائع الموكل، وذلك بغض النظر عن تنفيذ الطرف الآخر لالتزامه المقابل، لأن الوكيل لا يضمن تنفيذ الأطراف لالتزاماتهما التعاقدية فيما بعد، فبمجرد إبرام العملية موضوع التوسط يستحق الوكيل أجره كاملا. وبمفهوم المخالفة لنص الفقرة الثالثة من المادة 401 من مدونة التجارة فإن الوكيل يستحق عمولته إذا ثبت أن عدم تنفيذ العقد موضوع التوسط يعود لخطإ أو إهمال الموكل، أما إذا تعذر تنفيذ هذا العقد بسبب خارج عن إرادة الموكل فإن الوكيل لا يستحق العمولة، والسبب الذي يحول دون استحقاق الوكيل لعمولته لا يمكن أن يخرج عن القوة القاهرة ، والخطأ الجسيم للوكيل.
أ – 3- أداء العمولــة :
نصت المادة 401 من مدونة التجارة في فقرتها الثانية على أجل أداء العمولة حيث ألزمت الموكل بأدائها على الأكثر في اليوم الأخير من الشهر الموالي للأشهر الثلاث التي استحقت فيها، ومعلوم أن الطرفين هما اللذان يحددان في العقد وقت استحقاق العمولة، فقد تكون ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو كل عام، وهناك عقود تنص على أن الوكيل يستحق أجره بمجرد إبرام العقد المكلف به إن كان مفوضا في إبرام العقود أو بمجرد القيام بتسليم المبيع إن كان مفوضا في ذلك العمل ، وفي حالة عدم تحديد العقد لوقت استحقاق العمولة، فإنها تستحق بمجرد تنفيذ العملية موضوع التوسط من طرف الموكل أو الزبون أو في التاريخ المفترض لتنفيذها تطبيقا للاتفاق الحاصل مع الزبون حسب مقتضيات المادة 401 من مدونة التجارة.
وإذا كان المشرع في مدونة التجارة لم يقرر ضمانات لفائدة الوكيل تساعده على الحصول على عمولته بأسهل الطرق، فإنه لا شيء يمنع من تطبيق الضمانات المقررة للوكيل في قانون الالتزامات والعقود في فصله 919 الذي يخول للوكيل حق حبس أمتعة الموكل المنقولة أو بضائعه التي أرسلت إليه من أجل استيفاء ما يستحق له على الموكل من أجرة ومصاريف.
ب –الالتزام بأداء المصاريف اللازمة لتنفيذ الوكالة :
لم يرد التنصيص على هذا الالتزام في الأحكام المنظمة للوكالة التجارية في مدونة التجارة، ويمكن الرجوع بشأنه إلى القواعد العامة المنظمة لعقد الوكالة في قانون الالتزامات والعقود، على اعتبار أنه في حالة غياب نص يحكم المسألة موضوع النزاع في مدونة التجارة فيكون المرجع حينئذ هو القواعد العامة.
وفي هذا الصدد ينص الفصل 914 من ق.ل.ع على ما يلي : "على الموكل أن يدفع للوكيل ما اضطر إلى تسبيقه من ماله وإلى إنفاقه من المصروفات من أجل تنفيذ الوكالة في حدود ما كان لازما لهذا الغرض".
ونص الفصل 913 من ذات القانون على التزام الموكل بمد الوكيل بالنقود وغيرها مما يلزم لتنفيذ الوكالة ما لم يقض العرف أو الاتفاق بخلافه.
فقد يضطر الوكيل إلى أداء مصاريف متعددة في سبيل إجراء العملية أو العمليات التي وكل من أجلها من قبيل مصاريف التنقل ومصاريف نقل البضائع وتخزينها والحفاظ عليها، والرسوم الجمركية والضرائب كما قد يضطر الوكيل إلى أداء عربون أو تسبيق لفائدة الزبون دون انتظار توصله بهذه المبالغ من الموكل بحكم السرعة التي تطبع المعاملات التجارية.
ويشترط في هذه المصاريف أن تكون معقولة وفي الحدود اللازمة لتنفيذ العملية موضوع التوسط، وأن تكون مشروعة، فإذا كانت المصاريف التي أداها الوكيل تهم مقاولته سواء كانت مقاولة فردية أو جماعية كأجور العمال وواجبات كراء المحل الذي يتخذه مقرا له أو الضريبة على الدخل أو الشركات التي يلزم بها شخصيا، أو كانت هذه المصاريف من قبيل الرشوة ، فإن الموكل لا يكون ملزما بردها حتى ولو استفاد منها.
ويلزم الموكل بأداء هذه المصاريف إذا لم يكن هناك اتفاق بينه وبين الوكيل يلزم هذا الأخير بها على اعتبار أن الفصل 913 من ق.ل.ع أجاز الاتفاق على ما يخالف القاعدة الواردة به بدليل أنه ختم بعبارة ما لم يقض العرف أو الاتفاق بخلافه .
وبقي أن نشير في ختام بحث الالتزامات المالية التي يلقيها عقد الوكالة التجارية على الموكل إلى التزام هذا الأخيـر بتعويض الوكيل عن الأضرار التي تكون قد أصابته بسبب تنفيذ الوكالة على أن تكون الوكالة هي السبب المباشر في وقوع الضرر وألا يكون هناك خطأ في جانب الوكيل أدى إلى وقوع الضرر .
2 –التزامات الموكل غير المالية
يسعى الوكيل التجاري إلى تنفيذ السياسة الاقتصادية لموكله، غير أن أداء هذه المهمة على أحسن وجه لا يتأتى للوكيل إلا إذا مكنه الموكل من الوسائل اللازمة لذلك، ويجد هذا الالتزام سنده في القانون. بيد أن هناك التزامات أخرى للموكل غالبا ما يتم التنصيص عليها في العقد خصوصا ما تعلق منها باحترام شرط الحصر.
أ –الالتزام بتمكين الوكيل من الوسائل اللازمة لتنفيذ الوكالة :
نص المشرع المغربي على هذا الالتزام في الفقرة الثالثة من المادة 395 من مدونة التجارة التي جاء فيها "يجب على الموكل أن يمكن الوكيل التجاري بسبل إنجاز مهمته ..." ونص عليه المشرع الفرنسي في الفقرة الأخيرة من المادة 134/4 من مدونة التجارة.
ويقتضي هذا الالتزام من الموكل تزويد الوكيل بالمعلومات الضرورية لتنفيذ الوكالة وعلى الخصوص المعلومات المتعلقة بموضوع أو محل الوكالة بضاعة كانت أم خدمة وطريقة تشغيلها والتعامل معها وتلقينه وتدريبه على هذه الطريقة خصوصا إذا كانت من البضائع ذات التقنيات الحديثة وتمكينه من عينات ونماذج هذه البضائع لتعريف المستهلكين بها ، ويتعين عليه كذلك تزويده بثمن البيع أو الشراء ووقتهما وتعريف الوكيل بزبنائه المتواجدين بمنطقة عمل الوكيل ليستمر هذا الأخير في التعامل معهم .
ويعتبـر الالتزام بالإعلام أهم التزام يقع على عاتق الموكل، والذي لا يعدو صورة من صور الالتزام بتمكين الوكيل من سبل إنجاز مهمته.
ب –الالتزام باحترام شرط الحصر :
سبقت الإشارة إلى أن هذا الالتزام لم ينص عليه القانون إنما يجد مصدره في العقد الذي غالبا ما يتضمن بندا تعين بمقتضاه للوكيل منطقة جغرافية معينة أو عددا أو مجموعة من الزبناء، أو هما معا، لإجراء العمليات موضوع عقد الوكالة التجارية.
ويعد شرط الحصر صورة من صور الالتزام بعدم المنافسة الذي يمكن للأطراف تنظيمه في عقد الوكالة التجارية، وفي حالة الإتفاق عليه فإنه يتعين على الموكل احترامه بعدم إجراء أي عملية إما بنفسه أو بواسطة وكيل آخر في هذه المنطقة أو مع المجموعة من الزبناء موضوع شرط الحصر، وإذا أخل الموكل بهذا الالتزام فإنه يتحمل المسؤولية إزاء الوكيل بتعويضه عن الضرر الذي لحقه إضافة إلى استحقاقه العمولة عن جميع العمليات المجراة خرقا لهذا الشرط حتى ولو لم تنجز بسعي منه وفقا لما تم بيانه سابقا ولما تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية من المادة 399 من مدونة التجارة .
ويتخذ شرط الحصر صورتين شرط محدد ينحصر في منطقة ومجموعة معينة، وشرط عام يحتكر بموجبه الوكيل حق توزيع كل منتجات الموكل أو أنواع معينة منها في أي منطقة يراها الوكيل ومع من يرغب، وغالبا ما يفضل بعض الموكلين كالصناع الارتباط بشرط الحصر العام بغية التفرغ للإنتاج أو لعدم خبرتهم بعملية التسويق وتجنبا للمشاكل والنزاعات مع الوكلاء في حالة تعددهم .
وإذا لم يتفق الأطراف على شرط الحصر في عقد الوكالة أو في ملحقه أو في أي محرر آخر، فإن الموكل يكون حرا في تصريف منتجاته في المكان الذي ينشط فيه الوكيل أو توكيل وكلاء آخرين وهو ما نص عليه المشرع المغربي في الفقرة الأخيرة من المادة 393 من مدونة التجارة التي جاءت على الصياغة التالية : "لا يمكن للموكل أن يلتـزم للوكيل التجاري بضمان حماية مطلقة للزبائن المعهود بهم إليه ضد المنافسة السلبية لباقي وكلائه التجاريين".
ثانيا : التزامات الوكيل التجاري
تتعدد التزامات الوكيل التجاري بتعدد المهام المنوطة به وبتعدد مصادر هذه الالتزامات والتي تجد أسسها إما في مدونة التجارة كقانون خاص، وإما في قانون الالتزامات والعقود كمرجع عام، وإما في العقد الرابط بين الطرفين، ومن ثم فإن كل الالتزامات التي تلقى على عاتق الوكيل في المادة المدنية تصدق على الوكيل التجاري باعتبار الوكالة التجارية ليست إلا صورة من صور عقد الوكالة، وبناء عليه فإننا سوف نقصر الحديث على بعض من هذه الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة وعلى وجه الخصوص الالتزام بتنفيذ الوكالة والالتزام بتقديم الحساب للموكل والالتزام بالصدق.
1 – التزام الوكيل التجاري بتنفيذ الوكالة
نص المشرع المغربي على هذا الالتزام في الجملة الأخيرة من المادة 395 من مدونة التجارة التي ألزمت الوكيل التجاري بإنجاز مهمته والقيام بها كرجل حرفة كفء، مقتفيا بذلك أثر نظيره الفرنسي الذي نص على نفس المقتضى في الفقرة الأخيرة من المادة 134/4 من مدونة التجارة ، وترتبط المادة 395 من مدونة التجارة بالفصل 895 من ق.ل.ع الذي يلزم الوكيل بتنفيذ المهمة التي كلف بها بالضبط، فإذا تجاوز حدود صلاحياته كما لو قام بالبيع بثمن أقل من الثمن الذي حدده الموكل فإنه يتحمل مسؤولية هذا النقص وأداء الفرق لفائدة الموكل، وإذا ما تجاوز حدود الوكالة لما فيه مصلحة الموكل، كما لو قام بالبيع بأكثر من الثمن الذي حدده هذا الأخير أو بالشراء بثمن أقل مما حدده فليس للوكيل الحق في أن يحصل على الفرق لنفسه، بل إن الفرق يكون لمصلحة الموكل عملا بالفصل 896 من ق.ل.ع، وإن كان يجب الأخذ بعين الاعتبار مجهودات الوكيل هذه أثناء تحديد العمولة التي تتخذ صورة نسبة مئوية من قيمة المعاملة.
ولا يتدخل الموكل في طريقة تنفيذ العملية موضوع الوكالة لأن الوكيل يتمتع باستقلالية تامة عن الموكل في كيفية تدبير مقاولته واتخاذ الطريقة التي يراها مناسبة وملائمة له بحكم أنه لا يقتصر على تمثيل وكيل واحد بل بإمكانه أن يمثل عدة موكلين في آن واحد.
وطالما يعتبر الوكيل مهنيا فإنه يتعين عليه تنفيذ الوكالة كرجل حرفة كفء، يفترض فيه العلم بأحوال السوق وتقلباته وبالوضعية المالية للزبناء الذين يتعامل معهم، ومن ثم يتعين عليه أن يختار الوقت المناسب والملائم لتصريف منتجات موكله والأشخاص الذين سيتعامل معهم، فلا يتعامل مع شخص أو شركة خاضعة للتصفية القضائية أو مع شخص معروف في السوق بعدم الوفاء.
وعلى الرغم من التزام الوكيل بتنفيذ الوكالة كرجل حرفة كفء مما يجعل مسؤوليته مشددة في حالة الإخلال بهذا الالتزام، فإنه لا يتحمل أية مسؤولية في حالة عدم الوصول إلى النتيجة التي فوض من أجلها لأن التزامه ليس إلا التزاما ببذل عناية وليس التزاما بتحقيق نتيجة، إلا في حالة التزام الوكيل صراحة بضمان تنفيذ الغير –المتعاقد معه- لالتزاماته الناشئة عن العقد بمقتضى شرط الضمان ، أو التزامه بتنفيذ العمليات التي تفاوض من أجلها ، فإن التزامه يتحول في هذه الحالة إلى التزام بتحقيق نتيجة.

2 –التزام الوكيل بتقديم الحساب للموكل
لم ينص المشرع المغربي على هذا الالتزام في الأحكام المنظمة لعقد الوكالة التجارية في مدونة التجارة، مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة للوكالة في قانون الالتزامات العقود حيث ينص الفصل 908 من ق.ل.ع على ما يلي : "على الوكيل أن يقدم لموكله حسابات عن أداء مهمته وأن يقدم له حسابا تفصيليا عن كل ما أنفقه وما قبضه مؤيدا بالأدلة التي يقتضيها العرف أو طبيعة التعامل وأن يؤدي له ما تسلمه نتيجة الوكالة أو بمناسبتها".
وبناء عليه فالوكيل التجاري شأنه شأن الوكيل العادي ملزم بتقديم الحساب لموكله عن المهمة التي كلف بها، وأن يكون على صلة بالموكل وأن يطلعه على الخطوات التي يتخذها لتنفيذ الوكالة وإذا ما أتم تنفيذ الوكالة وجب عليه أن يقدم حسابا مفصلا عنها للموكل . وتقديم الحساب يتم أثناء سريان العقد وبعد انتهائه، ويجب أن يكون واضحا ومفصلا ودقيقا وصادقا معززا بالأدلة والمستندات حتى يستطيع الموكل تحديد وضعه المالي من خلال تنفيذ الوكالة، والكل تحت طائلة المساءلة المدنية وحتى الجنائية للوكيل والذي قد يكيف فعله في حالة تبديده واختلاسه لما تحصل عليه من الوكالة بجريمة خيانة الأمانة.
ويدخل الالتزام بتقديم الحساب ضمن التزام الوكيل بالإعلام في مفهومه الواسع ، وهو ما يتأكد من خلال الفصل 907 من ق.ل.ع الذي يلزم الوكيل بمجرد إنهاء مهمته بأن يبادر بإخطار الموكل بها مع إضافة كافة التفاصيل اللازمة التي تمكن هذا الأخير من أن يتبين على نحو مضبوط الطريقة التي أنجز بها الوكيل تلك المهمة.
ويمكن للموكل أن يعفي الوكيل من تقديم الحساب صراحة أو ضمنا، وإذا قدم هذا الأخير الحساب ولم يعترض عليه الموكل فإن ذلك يعتبر قبولا لمحتوياته بشرط أن يكون عالما بتفصيلاته .
3 –الالتزام بالصـــدق
تقوم الوكالة التجارية على المصلحة المشتركة بين طرفيها، وهي مصلحة تقتضي الالتزام والتحلي بمجموعة من قواعد الأخلاق بين الموكل والوكيل ومن أهمها خصلة الصدق التي تتحول إلى واجب قانوني، وقد أكد المشرع المغربي على ذلك في المادة 395 من مدونة التجارة عندما نصت فقرتها الثانية على ما يلي : "يلتزم الأطراف بصفة متبادلة بمراعاة قواعد الصدق والإعلام".
وسار المشرع المغربي في ذلك على منوال نظيره الفرنسي الذي نص على هذا الالتزام في المادة 134/4 من مدونة التجارة ، ويعتبر الالتزام بالصدق أو بالإخلاص التزاما عاما وشاملا يمكن أن يتضمن بين طياته مجموعة من الالتزامات الأساسية التي يجب أن ينضبط لها الوكيل تنفيذا لواجب الصدق والإخلاص.
وهكذا يمنع على الوكيل تنفيذا للالتزام بالصدق منافسة موكله وتمثيل مقاولات منافسة، فلا يحق للوكيل ممارسة نفس الأنشطة موضوع الوكالة، ولا يحق له أيضا تمثيل مقاولات منافسة لموكله اللهم إذا حصل على موافقة من هذا الأخير وفق ما تنص عليه المادة 393 من مدونة التجارة.
وإذا كان الالتزام بعدم المنافسة يجد تبـريره في المصلحة المشتركة التي تقوم عليها الوكالة التجارية أثناء سريانه، فإن هذا الالتزام يمكن أن يمتد حتى بعد نهاية العقد، إذا اتفق الأطراف عليه، حيث أجاز القانون من خلال المادة 403 من مدونة التجارة المقابلة للمادة 134/14 من مدونة التجارة الفرنسية للأطراف الاتفاق على التزام الوكيل التجاري بعدم المنافسة بعد انتهاء العقد.
غير أن هذا الالتزام لا يبقى مطلقا، بل إن المشرع وضع قيودا وشروطا لصحته إذ يجب أن يكون محددا في المكان والزمان، بحيث يتعين أن يتعلق بمنطقة جغرافية أو بمجموعة من الأشخاص المعينين وكذا تحديد نوع الأموال أو الخدمات التي يقوم  بتمثيلها تبعا للعقد، كما يجب أن لا تتعدى مدة شرط الالتزام بعدم المنافسة سنتين من تاريخ انتهاء العقد، وكل شرط تجاوز هذه المدة يبقى باطلا .
ويلتزم الوكيل أيضا بعدم إفشاء أسرار موكله التي اطلع عليها أثناء تنفيذ عقد الوكالة التجارية، فهذا الأخير يمكنه من العلم بمجموعة من أسرار الأعمال التي يحتفظ بها موكله لنفسه ويعتمد عليها في تجارته، وبديهي أن إفشاء هذه الأسرار سيؤدي إلى إهدار مصالح الموكل ومن ثم المساس بالمصلحة المشتركة التي تقوم عليها الوكالة التجارية .
ولا يقتصر التزام الوكيل بالحفاظ على أسرار موكله على مرحلة تنفيذ عقد الوكالة التجارية، بل إنه يبقى التزاما ساريا حتى بعد انتهاء هذا العقد، وفي حالة خرقه من طرف الوكيل فيمكن مطالبته بالتعويض عن الضرر الذي لحق الموكل، ويمكن أيضا مساءلته جنائيا من أجل جريمة إفشاء السر المهني المنصوص عليها في الفصل446 من القانون الجنائي 
ويقتضي واجب الصدق الملقى على عاتق الوكيل التجاري إعلام موكله بجميع المعلومات التي تصل إلى علمه أثناء تنفيذ عقد الوكالة التجارية سواء همت هذه المعلومات موضوع الوكالة التجارية وملاحظات الزبناء على السلع والبضائع والثمن وعيوب الصنع التي تعتري هذه السلع. وواجب الإعلام هذا تم التنصيص عليه في آن واحد مع واجب الصدق في المادة 395 من مدونة التجارة وإن كان يمكن اعتبار الأول صورة من صور الثاني .
وقد نظم المشرع المغربي واجب الإعلام في الأحكام العامة للوكالة في قانون الإلتزامات والعقود حيث ألزم الفصل 903 الوكيل إخطار الموكل في أقرب فرصة إذا كانت هناك أسباب خطيرة تدفعه إلى مخالفة التعليمات التي تلقاها أو إلى مخالفة ما جرى عليه العرف و عليه انتظار تعليمات الموكل ما لم يكن في الإنتظار خطر، وقد أكد المشرع على مراعاة هذا الإلتزام بشكل أكثر صرامة إذا كانت الوكالة بأجر كما في الوكالة التجارية.
الفقرة الثانية : إنهاء عقد الوكالة التجارية
تبـرز أهم الفوارق بين الوكالة التجارية والوكالة العادية في إنهاء العقد، ذلك أنه إذا كان للموكل في عقد الوكالة العادية مطلق الحرية في وضع حد للعقد وفي أي وقت شاء وبمجرد توجيه إشعار إلى الوكيل، فإن إنهاء عقد الوكالة التجارية يخضع لإجراءات وآجال بحسب مدة العقد، ويترتب عن إنهائه دون ارتكاب الوكيل لأي خطأ استحقاقه لتعويض عن الإنهاء.
وتكمن الغاية من وراء هذه الإجراءات التي تميز إنهاء عقد الوكالة التجارية حماية الوكيل التجاري الذي كان يعمل ليس فقط من أجل الحصول على عمولة، ولكن أيضا لتنفيذ السياسة الاقتصادية للموكل، ولتكوين رصيد مشترك من الزبناء بينه وبين الموكل، ومن ثم فمن العدل والإنصاف تقرير حق الوكيل التجاري في التعويض عند إنهاء الموكل للعقد وذلك مراعاة للمجهودات التي بذلها الوكيل أثناء تنفيذ عقد الوكالة التجارية.
أولا : إجراءات إنهاء عقد الوكالة التجارية
إن عقد الوكالة التجارية يمكن أن يكون محدد المدة أو غير محدد المدة بحسب اتفاق الطرفين، وإذا استمرا في تنفيذ عقد الوكالة محدد المدة بعد انتهاء مدته فإن هذا الأخير يصير عقدا غير محدد المدة، وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 396 من مدونة التجارة .
وقرينة تحول العقد محدد المدة إلى عقد غير محدد المدة في حالة استمراره بعد انتهاء مدته هي قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها بإدراج شرط في العقد يستبعد استمراره .
وينتهي عقد الوكالة التجارية سواء كان محدد المدة أم غير محدد المدة بنفس أسباب انتهاء عقد الوكالة المنصوص عليها في الفصل 929 من ق.ل.ع، ذلك أنها تنتهي بإتمام العمل محل الوكالة وبانتهاء الأجل الذي منحت لغايته وبعزل الوكيل وبتنازل هذا الأخير وبموت الموكل أو الوكيل وبحدوث تغيير في حالتهما من شأنه أن يفقد أهلية مباشرة حقوقهما واستحالة تنفيذ الوكالة لسبب خارج عن إرادة المتعاقدين.
غير أنه ولئن كانت الوكالة التجارية تنتهي بنفس أسباب انتهاء الوكالة العادية، فإن المشرع قيد حرية الطرفين في إنهاء الوكالة بإرادتهما المنفردة بمجموعة من الإجراءات حيث أصبح معها مبدأ حق الرجوع المعمول به في الوكالة المدنية مهجورا، إذ لا يستطيع الموكل عزل الوكيل ولا يستطيع هذا الأخير التنازل أو التنحية إلا بعد إشعار الطرف الآخر بأجل كاف محدد حده الأدنى قانونا.
ويجمع الفقه  على أن عقد الوكالة محدد المدة ينتهي بانتهاء مدته دون سلوك أي إجراءات اللهم إذا تحول إلى عقد غير محدد المدة وفق ما تم بيانه أعلاه مما تبدو معه مصلحة الوكيل في هذا النوع من العقود مهددة .
وإذا تعلق الأمر بعقد غير محدد المدة فلا يمكن إنهاؤه من الطرفين إلا بتوجيه إشعار إلى الطرف الآخر تختلف مدته باختلاف مدة سريان العقد، غير أن ثمة استثناءات تغني عن توجيه هذا الإشعار.
1 – مبدأ إنهاء العقد بتوجيه إشعار
لا يمكن إنهاء عقد الوكالة التجارية غيـر محدد المـدة مبدئيا إلا بتوجيه إشعار من الطرف الذي يرغب في إنهائه إلى الطرف الآخر، وفق ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 396 من مدونة التجارة التي جاءت على الصياغة التالية "يمكن لكل طرف وضع حد لعقد غير محدد المدة بتوجيه إشعار للطرف الآخر".
ويختلف أجل الإشعار باختلاف مدة سريان العقد، بحيث إذا كانت مدة سريانه قليلة كانت مدة الإشعار قليلة أيضا والعكس صحيح.
وهكذا ففي السنة الأولى من العقد لا يجب أن تقل مدة الإشعار عن شهر، وفي السنة الثانية شهرين، وفي السنة الثالثة من سريان العقد وما بعدها لا يجب أن يقل أجل الإشعار عن ثلاثة أشهر . وعندما يتحول العقد من عقد محدد المدة إلى عقد غير محدد المدة فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار المدة المحددة للعقد المنصرمة لاحتساب أجل الإشعار، بحيث إذا كانت مدة العقد محددة مثلا في سنة، وتحول إلى عقد غير محدد المدة باستمرار الأطراف في تنفيذه بعد انتهاء مدة السنة وبادر الموكل إلى إنهائه بعد مرور ثلاثة أشهر مثلا من تحوله، فإن اجل الإشعار الذي يجب أن يمنحه للوكيل لا يجب أن يقل عن شهرين على اعتبار أن العقد دخل في سنته الثانية.
وتعتبر المدد المحددة من طرف المشرع كأجل للإشعار من أجل إنهاء عقد الوكالة التجارية من النظام العام بحيث لا يجوز للأطراف تحديدها في مدد أقل، وإن كان يجوز لهم الاتفاق على مدد أطول، وفي حالة وقوع مثل هذا الاتفاق فلا يجوز أن يكون الأجل المفروض للموكل أقل مدة من الأجل المفروض للوكيل التجاري وفق ما نصت عليه الفقرة الخامسة من المادة 396 من مدونة التجارة المقابلة للفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 134/11 من مدونة التجارة الفرنسية، وهو ما يؤكد حماية المشرعين المغربي والفرنسي لحقوق الوكيل التجاري.
ولم يحدد المشرع المغربي الشكل التي يجب أن يأتي فيه الإشعار، مما يفيد أنه بإمكان الطرف الذي يرغب في إنهاء العقد اعتماد أي طريقة شريطة أن يثبتها بمحرر مكتوب كتوجيه الإشعار بواسطة مفوض قضائي أو برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو حتى برسالة عادية إذا أقر بها الطرف الآخر أو بالفاكس أو الرسائل الإلكترونية أو البريد الإلكتروني.
2 –الاستثناءات على مبدأ توجيه الإشعار
يعفى الأطراف من سلوك مسطرة الإشعار لإنهاء عقد الوكالة التجارية في حالة حدوث قوة قاهرة خارجة عن إرادتهما حيث ينتهي العقد بقوة القانون، على اعتبار أن محل الالتزام يصير مستحيلا بعد أن نشأ صحيحا، كما لو وكل الموكل الوكيل في إدارة أموال له ثم وضعت هذه الأموال تحت الحراسة القضائية يتولى إدارتها حارس قضائي بدلا من الوكيل ، أو كما لو نشأت حرب بين دولة الوكيل ودولة الموكل، ففي مثل هذه الحالات ينتهي عقد الوكالة بقوة القانون ولا حاجة لتوجيه إشعار لإنهائه من هذا الطرف أو ذاك.
ويعفى الموكل أيضا من توجيه الإشعار بإنهاء الوكالة إلى الوكيل في حالة ارتكاب هذا الأخير لخطأ جسيم كما لو أخل بواجب الصدق الذي يفرض عليه عدم منافسة الموكل، وعدم تمثيل مقاولات منافسة له وإفشاء أسرار الموكل وخيانته.
وتم التنصيص على هذين الاستثناءين في الفقرة الأخيرة وما قبل الأخيرة من المادة 396 من مدونة التجارة.
ثانيا : تعويض الوكيل التجاري عن إنهاء العقد
يستحق الوكيل مبدئيا تعويضا عند إنهاء الموكل لعقد الوكالة التجارية سواء كان العقد محدد المدة أم غير محدد المدة، وسواء احترم الموكل مسطرة الإشعار أم لم يحترمها إذا كان العقد غير محدد المدة، ويشترط لذلك إثبات الوكيل للضرر الذي لحقه من جراء إنهاء العقد، غير أن هناك حالات لا يستحق فيها الوكيل هذا التعويض.
1 –استحقاق الوكيل للتعويض عن إنهاء العقد
لابد من الإشارة في البداية إلى أن عدم سلوك الموكل لمسطرة الإشعار قبل إنهاء العقد تفتح المجال للوكيل للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء خرق واجب الإشعار، وهو نفس الحق الذي يملكه الموكل في حالة إخلال الوكيل بدوره بهذا الواجب . وفضلا عن هذا الحق الذي لم يتم التنصيص عليه بصفة صريحة ويجد سنده في الإخلال بهذا الواجب القانوني، فإن المشرع قرر حق الوكيل في الحصول على تعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء إنهاء العقد سواء كان محدد المدة أم غير محدد المدة ، وسواء احترم الموكل مسطرة الإشعار وأجله أم لم يحترمه، وحتى لو توفي الوكيل. ووضع المشرع شروطا لتفعيل هذا الحق يمكن إجمالها فيما يلي : 
-توجيه إشعار إلى الموكل من طرف الوكيل لإخباره بنيته بمطالبته بحقوقه في التعويض، ويستحسن أن يكون بواسطة مفوض قضائي.
-توجيه هذا الإشعار داخل أجل سنة من تاريخ إنهاء عقد الوكالة التجارية ، وإذا مضى الأجل المذكور فإن حق الوكيل في التعويض يسقط .           ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الإجراء الشكلي، وهذا الأجل لا ينطبقان على حق الوكيل في المطالبة بالتعويض عن خرق واجب الإشعار قبل انتهاء العقد المنصوص عليه في المادة 396 من مدونة التجارة.
-إثبات الضرر الذي لحق الوكيل، ويقع عبء الإثبات على هذا الأخير، على اعتبار أن الأمر يتعلق بالمسؤولية العقدية توجب على من يدعي الضرر إثباته .
وقد نص المشرع المغربي على حق التعويض المقرر للوكيل وشروطه في المادة 402 من مدونة التجارة التي تنص على ما يلي "يستحق الوكيل التجاري تعويضا عن الضرر اللاحق به من جراء إنهاء العقد، وذلك رغم كل شرط مخالف، ويجب عليه في هذه الحالة توجيه إشعار إلى الموكل يخبره بنيته في المطالبة بحقوقه في التعويض داخل أجل سنة من تاريخ إنهاء العقد".
ولا يقتصر استحقاق التعويض على الوكيل بل إن هذا الحق ينتقل إلى ورثته في حالة وفاته وفق ما تنص عليه المادة 402 من مدونة التجارة في فقرتها الثانية " يستفيد ذوو حقوق الوكالة التجارية من نفس حق التعويض في حالة توقف العقد بسبب وفاة مورثهم".
ويعتبر حق الوكيل في التعويض عن الضرر من جراء إنهاء العقد من النظام العام لا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفته، بحيث إنه قرر بموجب قاعدة آمرة إذ نصت المادة 402 من مدونة التجارة على استحقاق الوكيل لهذا التعويض رغم كل شرط مخالف، وبالتالي فإذا تضمن عقد الوكالة بندا أو شرطا يقضي بحرمان الوكيل من هذا التعويض فإن هذا البند أو الشرط يبقى باطلا وكأن لم يكن.
ولم ينص المشرع المغربي على طريقة حساب التعويض المذكور، ويجري العمل في فرنسا على تقديره بشكل يشمل معه الضرر الذي لحق الوكيل، ومن بين عناصر الضرر التي يجب أخذها بعين الاعتبار فقدان الاتصال بزبناء الوكيل وفقدان العمولات التي كان الوكيل سيحصل عليها لو استمر العقد، ومبالغ تعويض أجراء الوكيل الذين سيضطر إلى فصلهم من العمل بسبب إنهاء الوكالة .
ويتمتع قضاة الموضوع بسلطة تقديرية كاملة في تحديد التعويض المستحق للوكيل، وغالبا ما يتم تحديد مبلغ التعويض في مجموع العمولات التي كان الوكيل قد حصل عليها في السنتين السابقتين .
2 – حالات عدم استحقاق الوكيل للتعويض
إذا كان الأصل أن الوكيل يستحق التعويض عن إنهاء العقد جبرا للضرر الذي لحقه من جراء ذلك فإن هناك حالات قرر فيها المشرع حرمان الوكيل من هذا التعويض ورد التنصيص عليها في المادة 402 من مدونة التجارة وهي كالتالي :
أ –إذا تم إنهاء العقد بسبب خطأ جسيم ارتكبه الوكيل التجاري كما لو انخفض عدد الزبناء مما أدى إلى تدني المبيعات  أو خرق الالتزام بالصدق بتمثيل مقاولات منافسة  أو عندما لا ينفذ الوكالة بشكل احترافي وكرجل حرفة كفء بإهماله البحث عن زبناء في المنطقة المخصصة له مقتصرا على التخفيف من عواقب عدم جاهزية عماله .
ب –إذا تم إنهاء العقد بفعل الوكيل التجاري كما لو تنازل عن الوكالة، ما لم يكن هذا الإنهاء بفعل الوكيل راجعا إلى ظروف تنسب إلى الموكل أو راجعا إلى الاستحالة التي وجد فيها الوكيل التجاري بكيفية معقولة وحالت دون متابعة نشاطه بسبب سنه أو عاهة أو مرض.
فعندما يتخذ الوكيل التجاري المبادرة من تلقاء نفسه بإنهاء عقد الوكالة فإنه يفقد حقه في التعويض، فهكذا إذا تم تحويل عقد الوكالة إلى عقد شغل بإرادة الطرفين دون إقامة الوكيل الدليل على أنه كان مكرها على ذلك، فإنه لا يمكن اعتبار العقد مفسوخا من طرف الموكل بل إنه اتفاق بين الطرفين على إنهائه .
غير أنه إذا كان إنهاء الوكيل التجاري للعقد يرجع إلى ظروف تنسب إلى الموكل أو إلى سن الوكيل أو عاهته أو مرضه، فإن الحق في التعويض لا يسقط، وإنما يكون من حق الوكيل المطالبة به إذا أثبت أن إنهاء العقد من طرفه كان نتيجة لهذه الأسباب.
ويعتبر من قبيل الظروف المنسوبة  للموكل التي دفعت الوكيل إلى إنهاء العقد إقدام الموكل على التخفيض من مبلغ العمولة المستحقة للوكيل ، غير أنه إذا كان هذا التخفيض راجعا إلى الوضعية المالية الصعبة التي يمر منها الموكل، فلا يحق للوكيل المطالبة بالتعويض إذا بادر إلى إنهاء العقد ، وإذا خرق الموكل شرط الحصر الذي يستفيد منه الوكيل، فإن ذلك يعد خطأ يبرر إنهاء الوكيل للعقد والمطالبة بالتعويض .
وبخصوص الأسباب الراجعة إلى سن الوكيل أو عاهته أو مرضه، فإنه يقع على عاتق الوكيل إثبات استحالة تنفيذ الوكالة أو ممارسة أنشطته نتيجة لهذه الأسباب، ويرجع لقضاة الموضوع تقدير كل حالة على حدة، فلا يكفي بلوغ الوكيل لسن ستين سنة المقرر للتقاعد في إطار القواعد العامة، بل يتعين عليه إثبات أنه لم يعد بمقدوره مزاولة نشاطه حتى يتأتى له تبرير إنهاء العقد لهذا السبب وبالتالي أحقيته في التعويض .
ج –تفويت الوكيل لحقوقه والتزاماته: أقر المشرع المغربي من خلال البند رقم 3 من المادة 402 من مدونة التجارة كنظيره الفرنسي  حق الوكيل في تفويت جميع حقوقه والتزاماته إلى الغير أي إلى وكيل آخر ليستمر هذا الأخير في تنفيذ الوكالة مع الموكل، مما يفيد أن المشرع اعترف للوكيل التجاري بحق مالي قابل للتقويم وللتفويت بين الأحياء باعتبار العقد يتعلق بالذمة المالية للوكيل التجاري .
ولا يكون هذا التفويت صحيحا، إلا إذا وافق عليه الموكل، وبدون هذا الموافقة فلا يحق للوكيل تفويت حقوقه والتزاماته العقدية الناتجة عن عقد الوكالة التجارية، لأن هذا الأخير يقوم على الاعتبار الشخصي بشكل كبير.
وإذا وافق الموكل على التفويت المذكور فإن الموكل يفقد حقه في التعويض إذ جاء في المادة 402 من مدونة التجارة أن "الوكيل لا يستحق أي تعويض : .... 3 –إذا ما قام الوكيل التجاري بتفويت حقوقه والتزاماته العقدية إلى الغير باتفاق مع الموكل".

ملتقيات طلابية لجميع المستويات : قانون و إقتصـاد

شارك هدا

Related Posts

التعليقات
0 التعليقات