تنظيم الفضاء و قانون البيئة s6 pdf
محاضرات في قانون البيئة السداسي السادس قانون خاص الدكتورة حسنة كجي• أستاذة القانون العام بجامعة الحسن الثاني بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء.
• رئيسة المؤتمر الدولي للبيئة والتنمية المستدامة
• منسقة ماستر " القانون والسياسات البيئية"
للأستاذة العديد من الدراسات في مجال البيئة والتنمية المستدامة منها:
- الإطار القانوني والمؤسساتي لحماية البيئة؛
- الأساس الدستوري للبيئة؛
- الجماعات الترابية بين الإمكانيات المتاحة لحماية و تدبير البيئة وعوائق التطبيق؛
- المرأة والتغيرات المناخية؛
- الإعتداء على المجال البيئي جريمة إرهابية.
رابط تحميل تلخيص تنظيم الفضاء و قانون البيئة PDF : اضغط هنا
مقدمة تنظيم الفضاء و قانون البيئة
إن الاهتمام بالبيئة، عناصرها ومكوناتها، يعتبر علامة حضارية تدل على سمو الفكر ورقي الإنسان في علاقته بالمحيط الذي يعيش فيه وقضية البيئة بجوانبها المتعددة وبالأخص ما يتعلق منها بوسائل حمايتها والمحافظة على مواردها باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية جميعا، من أبرز القضايا التي استغرقت ولا تزال قدرا كبيرا من الاهتمام الدولي والوطني، على حد سواء، ومرجع ذلك إلى حقيقة أن البيئة بمفهومها الواسع، تمثل القاسم المشترك الأعظم بالنسبة إلى مختلف القضايا والمشكلات الدولية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنسانية.وقد حدد علماء الجغرافيا والأنثروبولوجيا العلاقة القائمة بين الإنسان والبيئة منذ وجوده على سطح الأرض بكونها كانت في العهد القديم بسيطة لا تتجاوز ارتباط الإنسان بالزراعة وصيد الحيوانات وقطف الثمار، بينما تطورت طبيعة هذه العلاقة في العصر الحديث بشكل جدري وأضحت متعددة، معقدة ومركبة، يغلب عليها الطابع المادي النفعي المؤدي إلى استنزاف الموارد التي توفرها الطبيعة حيث أدى النمو الديمغرافي السريع والتقدم الصناعي والتطور الفلاحي والسياحي إلى ممارسة ضغط هائل على هذه الموارد علما أن جزءا مهما منها غير قابل للتجديد. كما ظهرت أصناف جديدة من المواد الكيماوية الخطيرة التي لم تكن معروفة من قبل، وساهمت الحروب المعاصرة في تطور أنواع فتاكة من الأسلحة ذات طبيعة كيميائية أو نووية وبيولوجية.
كما أن الغازات السامة المنبعثة من مداخن المعامل ووسائل النقل تملأ الجو، والنفايات المنزلية والصناعية والفلاحية مصنفيها الصلب والسائل تصل إلى التربة وإلى مجاري المياه السطحية والجوفية على حد سواء فتلوثها.
كما أن هناك تهديدات بيئية فجائية تتمثل في الحوادث والتجارب النووية والتي أصبحت تهدد جميع عناصر البيئة وتهدد حياة الإنسان على الكوكب الأزرق، حيث إن التجارب النووية ومحطات القوى النووية وما ينتج عنها من مخلفات وما قد يقع بها من حوادث، تعتبر من أخطر المصادر البشرية المسببة في تلوث البيئة.
هذا ما دفع بالمجتمع الدولي إلى الإسراع بعقد لقاءات ومؤتمرات دولية بغية التعريف بهذه الأخطار البيئية، وبالتالي محاولة تكثيف الجهود للحد منها.
إذ أن تزايد الاهتمام بموضوع حماية البيئة تجسد عالميا في عقد المؤتمرات الدولية ولاسيما مؤتمر ستوكهولم عام 1972، ومؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992، ثم قمة التنمية المستدامة في جوهانسبرغ عام 2002، ناهيك عن تأسيس الأجهزة والمؤسسات والوكالات المعنية بحماية البيئة.
كما تجسد إقليميا في إنشاء مجلس من الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة عام 1986، يتولى تنسيق الجهود المبذولة لحماية البيئة، كما تجسد الاهتمام محليا بإنشاء وزارات أو هيئات حكومية أو مجلس أو جهاز يتولى إدارة شؤون البيئة.
كما تشكلت في العديد من الدول جمعيات ولجان أهلية غير حكومية غرضها الأساس الدفاع عن البيئة.
بل إن الأمر تطور في بعض البلدان إلى حد تشكيل أحزاب سياسية للبيئة والمشاركة في الانتخابات العامة على أساس برنامج خاص لحماية البيئة والدفاع عنها.
مفهوم البيئة
انطلاقا من الاهتمام المتزايد بالقضايا البيئية، حاول الكثير من الباحثين في المجال البيئي إعطاء تعريف موحد وواضح لمصطلح البيئة. لكن يجب الاعتراف على أن عملية التعريف هذه تظل من المهام الصعبة لدى جميع المهتمين.ومن ثمة حاول علماء اللغة ورجال القانون وخبراء البيئة كل في مجال اختصاصه، إعطاء تعريف مناسب لمفهوم البيئة، مما تمخض عنه مقاربة لمصطلح البيئة إما من الزاوية اللغوية أو العلمية أو القانونية.
المطلب الأول: البيئة في اللغة
بخصوص المستوى اللغوي، جاءت العديد من المقاربات لتحديد تعريف مناسب لمفهوم البيئة.في المعجم العربي يقصد بالبيئة " الوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي فيقال مثلا: (الإنسان ابن بيئته - الشاعر ابن بيئته...)".
ذكر علماء اللغة العربية في معاجمهم أن كلمة "البيئة" تعود إلى الأصل اللغوي "بوأ"، وقد اشتقت من الفعل الماضي باء، يبوء، بوءا، أي رجع، وبوا المنزل أي أعده.
أما في اللغة الفرنسية فإن مصطلح البيئة (Environnement) يستعمل للدلالة على المحيط أو الوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي؛ أي للدلالة على مجموع الأحوال والظروف التي تجد المخلوقات نفسها محاطة بها، سواء كانت عضوية أو كيميائية أو بيولوجية أو ثقافية أو اجتماعية والقادرة على التأثير عليها؛ مما ينعكس بصورة فورية على أنظمتها العضوية والفكرية.
المطلب الثاني: البيئة في التعريف العلمي أو الاصطلاحي :
استخدم المعنى الواسع للبيئة كطريقة للتعامل مع المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، وبدأت تأخذ شكلها الحالي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وازدادت في القرن العشرين، ففي عام 1866م وضع عالم الأحياء الألماني أرنست هيغل (Emnest haeckel) كلمة أيكولوجي (Ecology)، ترجع إلى الكلمتين اليونانيتين (Oikos) ومعناها مسكن ( Logos) ومعناها علم، وعرفها بأنها " العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه"عند تعريف البيئة لا بد من التفريق بين علم البيئة Ecology) وبين البيئة (Environment).
أما علم البيئة فيقصد به دراسة العلاقة المتداخلة بين الكائنات الحية والوسط الذي تعيش فيه. ودراسة علاقات التأثير المتبادل بينهما. ولهذا فإن علم البيئة يتناول تقريبا كافة مستويات تركيب الحياة على الأرض من الحيوان والنبات الواحد إلى التجمع الكائن للكائنات التي تعيش حياتها في مساحة من الأرض، إلى التأثيرات الواقعة على هذه الكائنات تحت عوامل مناخية كانت أو عوامل جيولوجية تشكل المحيط الخارجي الطبيعي لها.
وأما البيئة: فهي الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه الإنسان والكائنات الحية
وهناك تعريف آخر للبيئة: فتعني الوسط المحيط بالإنسان الذي يشمل كافة الجوانب المادية وغير المادية، البشرية منها وغير البشرية، فالبيئة تعني ما هو خارج کیان الإنسان وكل ما يحيط به من الموجودات.
وفي تعريف آخر للبيئة: هي مجموع العوامل الطبيعية و البيولوجية، والعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تتجاوز في توازن، وتؤثر على الإنسان والكائنات الأخرى بطريق مباشر أو غير مباشر
هذا التعريف يوضح بأن للبيئة مضمون حركي، فهناك البيئة الطبيعية بمكوناتها التي أودعها الله فيها، وتشمل الماء والهواء والتربة، وأشعة الشمس، وما يعيش على تلك الموارد من الإنسان والحيوان والنبات، وهناك البيئة الاصطناعية وهي تشمل كل ما أوجده تدخل الإنسان وتعامله مع المكونات الطبيعية للبيئة؛ كالمدن والمصانع والمعالم الحضارية والعلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تدير هذه المنشآت؛ كالقانون والتنظيمات الإدارية والاقتصادية
فالبيئة لكونها مصطلحا حديث المنشأ، انتشرت بعد انتشار التلوث وازدياد مخاطرها، قام العلماء والباحثون بتعاريفهم المختلفة نسبيا للبيئة من جهة، و الفقهاء والمشرعين من جهة أخرى، فأنت تعريفات البيئة يشوبها بعض التفاوت من مؤتمر إلى مؤتمر ومن باحث إلى آخر.
مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة المنعقد سنة 1972 بستوكهولم، عرفها بأنها: "رصيد الموارد المائية والاجتماعية والمناخية في وقت ومكان ما لإشباع حاجات الإنسان.
ومن خلال هذا التعريف يمكننا القول إن البيئة: هي كل شيء يحيط بالإنسان من الكائنات الحية وغيرها، والذي يؤثر على النشاط الإنساني ويتأثر به.
المطلب الثالث: البيئة في التعريف القانوني
اعتمد الفقه القانوني للبيئة في تعريفه على ما يقدمه علماء البيولوجيا والطبيعة من تحديد مكونات البيئة، حيث قال بعضهم إنها ذات مفهومين يكمل كل منهما الآخر:أولهما: البيئة الحيوية، وهي كل ما يختص بعلاقة الإنسان بالمخلوقات الحية الحيوانية والنباتية التي تعيش في صعيد واحد.
وثانيهما: البيئة الطبيعية، فتشمل موارد المياه والفضلات والتخلص منها، وتربة الأرض والمسكن والهواء وتلوثه، والكائنات الحية، غير ذلك من الخصائص الطبيعية للبيئة.
لم تتفق أقلام الفقهاء على تعريف واحد للبيئة، ولعل ذلك يعزى أساسا لاختلاف وجهات نظر الباحثين، كما أن المشرع نفسه يعطي عدة تعريفات لذات المصطلح؛ نظرا لاختلاف المجال القانوني الذي يشرع من أجله، سواء كان مدنيا أو جنائيا أو إداريا.
ولعل التطور العلمي والصناعي، الذين سيطروا على العالم في السنوات الأخيرة جعلا للبيئة قيمة على جانب من الأهمية، دفع بعض الدول إلى تأكيد أهميتها القانونية في دساتيرها باعتبارها الوثيقة الأسمى في الدولة، فنجد في مقدمة هذا السياق الدستور اليوناني الصادر عام 1975م، فقد تضمنت المادة (24) منه فرض الحماية القانونية على البيئتين الطبيعية والثقافية.
إن ازدياد مخاطر التلوث البيئي على الحياة البشرية والحاجة الملحة لتطوير القواعد القانونية المتعلقة بحماية البيئة والحفاظ عليها، جعل مشكلة حماية البيئة تفرض نفسها بقوة على الساحة الدولية والوطنية كي تجد لها مكانا في القانون الدولي والوطني.
ويقصد باصطلاح القانون البيئي، القانون الذي يعني أو يختص بالبيئة بهدف المحافظة عليها وحمايتها، وقد أقر مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية ومؤتمر تلبيسي للتعليم البيئي عام 1978م، هذا المفهوم عندما عرفه بأنه "مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى، و يستمدون منها زادهم ويؤدون فيها نشاطهم.
ولهذا فإن القانون البيئي لا يعني بالبيئة الطبيعية فحسب، وإنما بالبيئة البشرية أيضا، وقد غرف قانون البيئة من حيث الغرض بأنه ذلك الفرع من فروع القانون الذي يسعى إلى إيقاف كل مسلك إنساني-أو الحد منه إذا كان من شأنه أن يؤثر على العوامل الطبيعية التي ورثها الإنسان على الأرض.
ورغم بساطة هذا التعريف، إلا أنه جمع هدفين رئيسين من الأهداف التي ترمي إليها المسؤولية الدولية الناجمة عن الإضرار بالبيئة، وهما: المنع والقمع، فيما عرف بأنه ظاهرة
اجتماعية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والجمالية، وأن مصدره القانون العام والخاص والقانون الدولي
إن المفهوم القانوني للبيئة قد أخذ في اعتباره مصالح الدول والأفراد بشكل عام، وكان لتزايد الإدراك لمدى الحاجة في حماية البيئة دور .في وضع الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية للحد من المخاطر البيئية.
ويعرف القانون البيئي بأنه النظام القانوني المقرر لحماية البيئة والمحافظة على مكوناتها، فهذا القانون يضع القواعد القانونية اللازمة لمنع الإضرار بالبيئة، أو معالجة نتائج ذلك الإضرار في حال وقوعه من خلال نصوص تجرم الإضرار بالبيئة وتحدد أحكام مسؤولية الملوث.
تعريف القانون البيئي، بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تهدف إلى حماية البيئة والمحافظة عليها من خلال إدارة وتنظيم النشاط البشري، وتحديد السلوكات التي تشكل جرائم ومخالفات بيئية والعقوبات المقررة لمرتكبيها.
فقواعد القانون البيئي أيا كان مصدرها تلتقي عند هدف واحد، يتمثل في ضمان استدامة عناصر البيئة والمحافظة على توازنها وحمايتها من كافة أشكال التدهور والتدمير.
ذهب المشرع الفرنسي في بداية السبعينيات من القرن الماضي إلى وضع قانون 1 يوليوز 1976 لحماية الطبيعة، مستعملا مصطلح الطبيعة بدل مصطلح البيئة، ثم نصت المادة الثانية ما أسماه الانشغالات البيئية الواجب احترامها ويتعلق الأمر بالمجلات والأوساط .
الطبيعية والأصناف الحيوانية والنباتية والتوازنات البيولوجية وكذا الموارد الطبيعية.
بالنسبة للمشرع المغربي، فقد ورد مصطلح البيئة في القوانين الأساسية الثلاثة المتعلقة بحماية البيئة في 12 ماي 2003، ويعرفها مثلا في المادة الثالثة من القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة كما يلي: " مجموعة من العناصر الطبيعية والمنشآت البشرية وكذا العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمكن من تواجد الكائنات الحية والأنشطة الإنسانية وتساعد على تطورها".
أما بالنسبة لمفهوم البيئة في برنامج الأمم المتحدة فتعني النظام أو النسق الطبيعي والبيولوجي الخارجي للكرة الأرضية الذي يتعايش داخله الإنسان وبقية الكائنات الحية الأخرى.