الشخصية المعنوية للشركة
مفهوم الشخصية المعنوية للشركة ونطاقها
يقصد بالشخصية المعنوية الاعتراف للشخص غير الطبيعي بأهلية اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات على غرار الشخص الطبيعي، وبذلك يكون أهلا للقيام بأي نشاط يؤدي إلى اكتسابه الحقوق وتحمل الالتزامات باستقلال عن الشركاء، وبالتالي فالقانون يعترف له بحياة قانونية ذاتية تميزه عن الأفراد المكونين له.تكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ قيدها بالسجل التجاري، وتتمتع كافة الشركات التجارية بالشخصية المعنوية باستثناء شركة المحاصة التي تعتبر شركة مستترة بين الشركاء ولا تظهر للغير كشخص مستقل ولا تخضع للإشهار.
ولقد نص المشرع من خلال المادة 7 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة على ما يلي: “تتمتع شركات المساهمة بالشخصية الاعتبارية ابتداء من تاريخ تقييدها في السجل التجاري. ولا يترتب عن التحويل من شركة مساهمة إلى شركة ذات شكل آخر، أو العكس إنشاء شخص اعتباري جديد. ويسري نفس الحكم في حالة التمديد. ”
في حين نصت المادة الثانية من القانون رقم 5.96 المتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة على ما يلي: “... ولا تكتسب الشخصية المعنوية إلا من تاريخ تقييدها في السجل التجاري. ولا يترتب عن التحويل القانوني للشركة إلى شكل آخر، إنشاء شخص معنوي جديد. ويسري نفس الحكم في حالة التمديد...”
وبالتالي فإن الأعمال التي يقوم بها المؤسسون باسم الشركة في طور التأسيس وقبل قيدها بالسجل التجاري يسألون عنها شخصيا وعلى وجه التضامن وبصفة مطلقة إلا إذا تحملت الشركة بعد قيدها في السجل التجاري الالتزامات الناشئة عنها.
وهو ما أكدته المادتين 8 و27 من قانون 17.95 اللتين ورد فيهما على التوالي:
“ إلى غاية تقييد الشركة بالسجل التجاري تبقى العلاقات بين المساهمين خاضعة لعقد الشركة وللمبادئ العامة للقانون المطبقة على الالتزامات والعقود ”.
“ يسأل الأشخاص الذين قاموا بعمل باسم شركة في طور التأسيس وقبل اكتسابها الشخصية المعنوية، على وجه التضامن بصفة مطلقة، عن الأعمال التي تمت باسمها إلا إذا تحملت الجمعية العامة الأولى العادية أو غير العادية للشركة الالتزامات الناشئة عن هذه الأعمال بعد تأسيسها وتقييدها بشكل قانوني ”.
وتظل الشركة محتفظة بشخصيتها المعنوية طيلة حياتها وإلى أن يتم حلها أو انقضاؤها، فإذا ما انقضت الشركة لسبب من أسباب الانقضاء، فإنها تدخل في مرحلة التصفية، ومن المقرر أن تظل الشركة محتفظة بشخصيتها المعنوية خلال مدة التصفية، والحكمة من وراء هذا هي تسهيل أعمال التصفية وما تستلزمه من القيام بالعديد من التصرفات باسم الشركة.
آثار اكتساب الشخصية المعنوية
يترتب عن اكتساب الشركة للشخصية المعنوية أن تتمتع بكافة الحقوق وتتحمل كافة الالتزامات، لذلك فالشركة تتمتع بهوية خاصة وتتمثل في الاسم والموطن والجنسية، وذمة مالية وأهلية تؤهلها للتقاضي واكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات.هوية الشركة التجارية
تتمثل هذه الهوية في ممارسة الشركة نشاطها تحت تسمية معينة، في مقر أو موطن خاص، وفي توفرها على جنسية خاصة بها.تسمية الشركة : تحمل كل شركة تجارية شأنها شأن الأشخاص الطبيعيين تسمية تميزها عن غيرها من الشركات. وتتشكل هذه التسمية من غرضها أي موضوع النشاط الذي تزاوله أو من اسم مبتكر، ويمكن أن يضاف إليها اسم واحد أو أكثر من الشركاء المتضامنين بالنسبة لشركات التضامن والتوصية البسيطة أو التوصية بالأسهم، أو اسم واحد أو أكثر من الشركاء بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة، إلا أنها بالنسبة لكافة الشركات يجب أن تكون مسبوقة أو متبوعة مباشرة بعبارة تدل على نوع الشركــــة،
أي “ شركة تضامن”، أو “شركة توصية بسيطة”، أو “ شركة توصية بالأسهم ”، أو “شركة ذات مسؤولية محدودة ” من شريك وحيد”، أو “شركة مساهمة ”، تبعا لنوع الشركة. وقد أجاز المشرع بالنسبة لشركتي المسؤولية المحدودة والمساهمة أن تعين بالأحرف الأولى من تسميتها أي “ش.م.م ” أو “ ش.م ”.
ويلاحظ أنه من الناحية العملية، لأجل إطلاق اسم على الشركة، يجب استخراج الشهادة السلبية. وهي وثيقة تشهد من خلالها المصالح المركزية بالسجل التجاري بعدم تواجد مقاولة أخرى بالمغرب تحمل نفس الاسم.
ويتمتع اسم الشركة، أو عنوانها بالحماية القانونية، إذ تستطيع الشركة في حالة اختيار شركة أخرى لاسم مشابه لاسمها رفع دعوى المنافسة غير المشروعة متى استجمعت شروط هذه الدعوى.
المقر أو المركز الاجتماعي للشركة
انطلاقا من تمتع الشركة بالشخصية المعنوية المستقلة، فإنه يجب أن يكون لها سجل للمخابرة معها يسمى عادة المركز الاجتماعي، وتختلف التشريعات في تحديد المركز الاجتماعي بين المكان الذي تباشر فيه الشركة نشاطها القانوني والمكان الذي توجد فيه إدارتها، فيجب معرفة أين توجد الشركة وتتواجد من أجل حياتها القانونية، ويجب أن يشار إلى مقر الشركة في نظامها الأساسي حسب مقتضيات القانون الفرنسي، في حين أن القانون المغربي لم يحدد المكان الذي يعتبر مركزا اجتماعيا للشركة إلا أنه أوجب أن يتضمن عقد الشركة بيان المقر الاجتماعي، وهو ما يعني أن الشركات .في المغرب تتمتع بحرية اختيار المقر الاجتماعي، وقد نص المشرع على المقر الاجتماعي المذكور في النظام الأساسي، في حين أعطى للغير حق اختيار الاحتجاج في مواجهة الشركة بمقرها الحقيقي أو بالمقر المذكور بالنظام الأساسي.
وتظهر أهمية تحديد مقر الشركة في تحديد الاختصاص القضائي للمحاكم، والملاحظ أن الشركة أثناء ممارستها لمهامها يمكن أن تقرر نقل مقرها الاجتماعي دائما داخل المغرب ويكون ذلك بمجرد تعديل بسيط للنظام الأساسي تقوم به الجمعية العادية أو الغير العادية الحائزة على أغلبية ثلثي المساهمين الحاضرين أو المنوب عنهم.
وأما نقل مقر الشركة خارج المغرب فإنه يؤدي إلى تغيير جنسية الشركة مما يتطلب قرارا صادرا بالإجماع عن كافة المساهمين.
جنسية الشركة
إن للشركة جنسية والتي ليست عادة جنسية الشركاء فيها، وتأخذ عادة جنسية الدولة التي يوجد فيها مقرها الاجتماعي، وهذا هو موقف المشرع المغربي الذي نص في المادة 5 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة والتي أحالت عليها المادة الأولى من القانون رقم 5.96 المتعلق بباقي الشركات على أن: “ تخضع شركات المساهمة الكائن مقرها الاجتماعي في المغرب إلى التشريع المغربي.يمكن للغير الاحتجاج بالمقر الاجتماعي المذكور في النظام الأساسي للشركة، ولا يمكن لها أن تواجه الغير بمقرها الحقيقي إن كان موجودا بمكان آخر.”
ومن هنا تظهر أهمية تحديد جنسية الشركة في معرفة القانون الذي تخضع له فيما يتعلق بتأسيسها وإدارتها وحلها وتصفيتها، ومدى الحقوق التي يتمتع بها الشركاء، ومنها الحق في الاتجار في حالة قصر نشاط معين على المواطنين، وبصفة عامة كل ما يتعلق بموضوعها القانوني، وكذا معرفة الدولة التي تحمي الشركة في المجال الدولي في حالة الحرب والسلم.
أهلية الشركة
يترتب على الاعتراف للشركة بالشخصية المعنوية أن يكون لها أهلية، أي مكنة اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات. وتختلف أهلية الشخص الطبيعي عن أهلية الشركة في أن هذه الأخيرة تكون في الحدود التي يقرها القانون. وهكذا تتحدد أهلية الشركة بالغرض من إنشائها، فيكون لها في إطار هذا الغرض إبرام كافة التصرفات القانونية من شراء أو بيع أو قرض أو إيجار...إلخ، كما لها أن تقاضي وتتقاضى بشأن هذه التصرفات، وكل ذلك بطبيعة الحال عن طريق ممثلها. فالاعتراف للشركة بالأهلية، يقتضي أن يكون لها من يمثلها. والشركة باعتبارها شخص معنوي لا يمكن أن تباشر بنفسها التصرفات القانونية وإنما يتولى ذلك أشخاص طبيعيون. وتختلف قواعد وضوابط هذا التمثيل بحسب كل شركة على حدة.الذمة المالية للشركة
تتمتع الشركة باعتبارها شخصا معنويا بذمة مالية خاصة بها مستقلة عن ذمم الشركاء، وتتكون هذه الذمة المالية من أصول وخصوم، وتتمثل أصول الشركة في الحصص التي يقدمها الشركاء عند التأسيس بالإضافة إلى ما تكسبه بعد ذلك من أموال نتيجة ممارستها لنشاطها، أما الخصوم فتتمثل فيما يكون عليها من ديون سواء للشركاء (الأرباح قبل توزيعها)، أو الخزينة (الضرائب والرسوم) أو للغير من المتعاملين معها.ويترتب على تمتع الشركة التجارية بذمة مالية مستقلة بها مجموعة من النتائج أهمها:
1- أن الحصة التي يقدمها الشريك مساهمة منه في الشركة تخرج من ذمته وتدخل في ذمة الشركة، لذلك فلا يمكن لدائنيه أن يحجزوا عليها، غير أنه بعد أن تتم تصفية الشركة فإنهم يستردون حقهم في التنفيذ على تلك الحصة.
2 – تشكل موجودات الشركة أصولها وهي ضمان عام لدائنيها، وهم يتمتعون بحق مباشر في استيفاء حقوقهم من أموالها دون أن يزاحمهم في ذلك دائنو الشركاء.
3 – لا يجوز المقاصة بين دين شخصي على الشريك وبين دين الشركة، بحيث إذا كان دائن الشريك مدينا في نفس الوقت للشركة فإنه لا يمكن أن يتمسك بالمقاصة بين الدينين لاختلاف الذمتين.
انقضاء الشركات التجارية
يقصد بانقضاء الشركة انحلال الرابطة القانونية التي تجمع بين الشركاء، وقد بين ذلك الفصل 1051 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود، فإذا ما تحقق سبب من هذه الأسباب انقضت الشركة وتعين تصفيتها وقسمة موجوداتها.الأسباب العامة لانقضاء الشركة
تتباين أسباب انقضاء الشركة التجارية وتتعدد، منها أسباب عامة تنطبق على كافة الشركات، ومنها أسباب خاصة تخص نوعا واحدا من الشركات التجارية هي شركات الأشخاص. وهكذا تنقضي الشركة أيا كان نوعها أو شكلها بانتهاء مدتها وكذلك بانتهاء العمل الذي قامت من أجله أو بهلاك أموالها أو جزء كبير من هذه الأموال بحيث لا يكفي الباقي منه لاستمرار الشركة.انتهاء مدة الشركة: ليس هناك صعوبة كبيرة في تبرير انتهاء الشركة بانقضاء الأجل المحدد لها، فبانتهاء الشركة لهذا السبب هو أمر طبيعي للغاية، فمصدرها ما زال العقد، أي اتفاق الشركاء، وبهذا الاتفـــاق ظهرت الشركة إلى الوجود، وهو أيضا الذي رسم نهايتها وحدد ميعاد هذه النهاية، وببلوغه تنتهي الشركة فعلا. إنما تثور بعض التساؤلات بمناسبة بحث هذا السبب من أسباب الانقضاء، أولها يتعلق بالحالة التي لا يكون الشركاء قد حددوا للشركة مدة معينة، فهل معنى ذلك أن يضل الشريك مرتبطا بهذه الشركة؟ هنا نص الفصل 1057 من ق. ل. ع أنه: “ إذا لم تكن مدة الشركة محددة لا بمقتضى العقد ولا بطبيعة العمل الذي انعقدت من أجله، أمكن لكل من الشركاء أن ينسحب منها بإعلام باقي شركائه بانسحابه، بشرط أن يحصل منه هذا الانسحاب لحسن نية وفي وقت لائق ”، أما التساؤل الثاني فيتعلق بالحالة التي يحدد فيها مدة الشركة، فهل يجوز لزاما على الشركاء الاستمرار فيها حتى نهاية هذه المدة؟ لقد أجاب الفصل 1056 من ق.ل.ع .
عن هذه الحالة بالقول: “ يسوغ لكل شريك أن يطلب حل الشركة، ولو قبل انقضاء المدة المقررة لها، إذا وجدت لذلك أسباب معتبرة كالخلافات الخطيرة الحاصلة بين الشركاء والإخلال الواقع من واحد أو أكثر منهم بالالتزامات الناشئة عن العقد واستحالة قيامهم بأداء هذه الالتزامات ”. أما التساؤل الأخير فيتعلق بالحالة التي ينقضي فيها أجل الشركة، ولكنها تستمر مع ذلك في مباشرة أعمالها وتثير هذه الحالة مسألة أعم وهي امتداد أجل الشركة. وفي هذا الصدد نص الفصل 1054 من ق.ل.ع على ما يلي: “تنحل الشركة بقوة القانون بانقضاء المدة المحددة لها، أو بانتهاء العمل الذي انعقدت من أجله. وإذا استمر الشركاء، برغم انقضاء المدة المتفق عليها أو تنفيذ الغرض الذي انعقدت الشركة من أجله، في مباشرة العمليات التي كانت محلا لشركة، فإن الشركة تمتد ضمنيا. والامتداد الضمني، يعتبر حاصلا لسنة فسنة ”.
تحقيق غرض الشركة: تنتهي الشركة في الأصل بتحقيق الغرض الذي قامت من أجله أو باستحالة تحقيقه، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 1051 والمادة 1054 من ق.ل.ع والتي نصت على أن: “ تنحل الشركة بقوة القانون بانقضاء المدة المحددة لها، أو بانتهاء العمل الذي انعقدت من أجله...”.
وتظهر حالة انتهاء الشركة بانتهاء أجلها جليا في شركة المحاصة التي تؤسس لانجاز عملية أو عدة عمليات محددة، وتسري نفس المقتضيات السالف ذكرها المتعلقة بانتهاء الشركة بانتهاء أجلها المحدد بالعقد على انتهاءها عند تحقيق غرضها، أي أنه استمر الشركاء في مباشرة العمليات التي كانت محلا للشركة بالرغم من تنفيذ الغرض الذي انعقدت الشركة من أجله، فإنها تمتد ضمنيا لسنة فسنة مع بقاء حق الدائنين الشخصيين لأحد الشركاء في أن يتعرضوا على امتداد أو تمديد الشركة.
وتنقضي الشركة بقوة القانون كذلك في حالة استحالة تحقيقها للغرض الذي أنشئت من أجله، كما لو أصبح النشاط الذي تزاوله ممنوع قانونا، أو أنشأت لاستغلال منجم بناء على ترخيص أو امتياز حصلت عليه من الدولة وسحبت هذه الأخيرة منها ذلك الامتياز أو الترخيص، إذ هنا كذلك تصبح بدون محل، فتنحل قانونا.
هذا، وقد تتوقف الشركة لسبب من الأسباب عن مزاولة نشاطها، وحينئد فإن ذلك ليس كافيا للقول بانقضائها، إذ قد تعود لمباشرة عملها في أي لحظة.
ولكن مع ذلك إذا ظهر من خلال الظروف المحيطة بذلك التوقف أنه نهائي فإنه يجب التصريح بانقضائها.
هلاك مال الشركة كله أو جله: لا تستطيع الشركة مباشرة أعمالها والاستمرار في هذه الأعمال إلا من خلال الأموال التي تملكها وتمكنها من القيام بالمهام التي أنشأت من أجلها، فإذا ما هلكت أموال الشركة كلها أو جزء كبير منها، بحيث لا تبقى فائدة من استمرارها. وهلاك أموال الشركة قد يكون ماديا كما لو شب حريق فأتى على جميع موجوداتها، أو أغرقت الأمواج سفنها، وقد يكون الهلاك معنويا، كما لو أنشأت الشركة لاستغلال امتياز ثم سحب منها. ولا يعد الهلاك، حتى ولو كان كليا، سببا في حد ذاته لانقضاء الشركــة، إذ قد تكون الشركـــــة، وهذا هــو الغالــب،
قد أمنت على أموالها لدى إحدى شركات التأمين، فلا يؤدي الهلاك إلى انقضائها طالما كان مبلغ التأمين الذي قبضته كاف لكي تعاود نشاطها. أيضا في حالة الهلاك الجزئي، لا تنتهي الشركة إلا إذا كان الجزء المتبقي لا يسمح للشركة بالاستمرارية في عملها. فإذا ما ثار نزاع حول جدوى الجزء المتبقي لاستمرار الشركة فإن تقدير ذلك متروك لقاضي الموضوع ودون رقابة عليه من محكمة النقض.
حل الشركة قضاء: ينص الفصل 1056 من ق.ل.ع على أنه: “ يسوغ لكل شريك أن يطلب حل الشركة، ولو قبل انقضاء المدة المقررة لها، وإذا وجدت لذلك أسباب معتبرة كالخلافات الخطيرة الحاصلة بين الشركاء والإخلال الواقع من واحد أو أكثر منهم بالالتزامات.
ولا يصح للشركاء أن يتنازلوا مقدما عن حقهم في طلب حل الشركة في الحالات المذكورة في هذا الفصل ”.
فلكل شريك متى وجدت أسباب مشروعة، الحق في أن يطالب بحل الشركة ولو قبل انقضاء أجلها أو المدة المقررة لها، كما هو الحال في حالة وجود خلافات خطيرة بين الشركاء أو الإخلال الواقع من واحد منهم أو أكثر بالتزاماته أو استحالــة القيـام بهذه الالتزامـــات، ولقـــد نصت المادة 259 من ق.ل.ع على أنه: “ إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا، فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين ”.
إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه، جاز للدائن أن يطلب إما تنفيذ العقد بالنسبة إلى الجزء الذي ما زال ممكنا، وإما فسخه وذلك مع التعويض في الحالتين.
وعلاوة على ذلك تطبق القواعد المقررة في الأبواب المتعلقة بالعقود الخاصة.
ولا يقع فسخ العقد بقوة القانون، وإنما يجب أن تحكم به المحكمة ”. والجدير بالذكر أنه يحق للشركاء أن يطلبوا الحكم بإخراج الشريك أو إلزامه بتنفيذ تعهده، ولقد نصت الفقرة الثانية من المادة 996 على أنه: “وإذا كان أحد الشركاء مماطلا في تقديم حصته، ساغ لباقي الشركاء أن يطلبوا الحكم بإخراجه أو يلزموه بتنفيذ تعهده، وذلك مع حفظ الحق في التعويضات في كلتا الحالتين”.
وقد يكون الحل ناتجا عن عقوبة إضافية، فالمخالفات التي ترتكبها الشركات ينجم عنها حلها كعقوبة لها، ولقد نصت المادة 47 من القانون الجنائي المغربي على أنه: “ حل الشخص المعنوي، هو منعه من مواصلة النشاط الاجتماعي، ولو تحت اسم آخر وبإشراف مديرين أو مسيرين أو متصرفين آخرين، ويترتب عنه تصفية أملاك الشخص المعنوي.
ولا يحكم به إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبنص صريح في الحكم بالإدانة ”.
الأسباب الخاصة لانقضاء الشركات التجارية
أسباب الانقضاء الخاصة هي أسباب لا تنقضي لها الشركات جميعا، ولكن فقط تلك التي تقوم على الاعتبار الشخصي أي شركات الأشخاص. وترجع هذه الأسباب في مجملها إلى أسباب تتصل بالشريك ذاته، وتؤدي هذه الأسباب إلى تقويض الاعتبار الشخصي الذي هو قوام شركات الأشخاص. وقد تكون هذه الأسباب إرادية كانسحاب الشريك وقد تكون غير إرادية كوفاة الشريك أو تعرضه للتصفية القضائية أو الحجر عليه .إخراج الشريك من الشركة وانسحابه منها: قد تكون الشركة محددة المدة، والأصل عندئذ،أن يلتزم الشريك بالبقاء في الشركة المدة المحددة لها في العقد، فلا ينقض ما اتفق عليه مع باقي الشركاء بإرادته المنفردة. ومع ذلك، واستثناء من الأصل، فقد أجاز له المشرع أن يطلب من القضاء إخراجه من الشركة متى استند في ذلك لأسباب معقولة، وفي هذه الحالة تنحل الشركة ما لم يتفق باقي الشركاء على استمرارها. وفي هذا الإطار ينص الفصل 1057 من ق.ل.ع: “ إذا لم تكن مدة الشركة محددة لا بمقتضى العقد ولا بطبيعة العمل الذي انعقدت من أجله، أمكن لكل من الشركاء أن ينسحب منها بقيامه بإعلام باقي شركائه بانسحابه، بشرط أن يحصل منه هذا الانسحاب بحسن نية وفي وقت لائق.
وفاة الشريك: الأصل أن تنحل الشركة بقوة القانون بوفاة أحد الشركاء، ذلك لأن شركات الأشخاص تقوم على الاعتبار الشخصي، بمعنى أن شخصية كل شريك تكون محل اعتبار لدى الباقي من الشركاء، كذلك فإن الشركاء حينما تعاقدوا إنما ارتضوا الدخول معا في الشركة بالنظر إلى الصفات الشخصية للشريك وليس بالنظر إلى الصفات الشخصية للورثة. لكن يجوز للشركاء الاتفاق على استمرار الشركة حال وفاة أحد الشركاء، بل لقد درج العمل على ذلك حتى بات هذا الاستثناء وكأنه القاعدة العامة.
واتفاق الشركاء على بقاء الشركة وعدم حلها رغم وفاة أحد الشركاء فيها يأخذ في الواقع صورتين:
الأولى: أن ينص عقد الشركة على أنه إذا مات أحد الشركاء فإنها تستمر فيما بين الباقي منهم. وهنا يكون لورثة الشريك المتوفى نصيــب في أموال الشركة فتستمر فيما بين الباقي من الشركاء.
أما الصورة الثانية: فهي أن ينص عقد الشركة على أنه في حالة وفاة أحد الشركاء فإنها تستمر مع ورثة هذا الشريك المتوفى، وفي هذا الإطار ينص الفصل 1058 من ق.ل.ع على ما يلي: “ إذا وقع الاتفاق على أن الشركة، عند موت أحد الشركاء تستمر مع ورثته لم يكن لهذا الشرط أثر إذا كان الوارث ناقص الأهلية.
على أنه يسوغ للقاضي أن يأذن للقاصرين أو لناقصي الأهلية في الاستمرار في الشركة، إذا كانت لهم في ذلك مصلحة جدية. وعندئذ، يأمر القاضي بكل الإجراءات التي تتطلبها ظروف الحال من أجل المحافظة على حقوقهم”.
تصفية الشركة وقسمتها
لا تختفي الشركة من الوجود لمجرد تحقق سبب الانقضاء التي أشرنا إليها سابقا، ولكنها تدخل في مرحلة التصفية. وهذه المرحلة، ليست في جوهرها إلا مرحلة تمهيدية هدفها حصر موجودات الشركة، تمهيدا لقسمة الباقي من موجوداتها بعد سداد ما عليها من ديون على الشركاء. إن تصفية الشركة وقسمة موجوداتها هي إذن، وفي النهاية، إنهاء للآثار التي خلفها الشخص المعنوي بعد أن تحقق بشأنه سبب من أسباب فنائه.ويقصد بالتصفية مجموعة العمليات التي تهدف بالدرجة الأولى إلى حصر موجودات الشركة ذلك باستيفاء حقوقها وسداد ما عليها تمهيدا لوضع ما عسى أن يكون قد تبقـــــي من أمــــوال بين يدي الشركـاء، أمـــــا إذا لم يتبقى شيء، فهذا معناه أن الشركة منيت بخسائر، وعلى كل شريك أن يتحمل جزءا منها على قدر مسؤوليته في الشركة. والتصفية بهذا المعنى هي أمر واجب، بل وضروري في كل الشركات فيما عدا شركات المحاصة إذ ليس لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء. فإذا ما انقضت الشركة فلا يكون هناك تصفية بالمعنى الإجرائي ( أي احترام المسطرة المتبعة في التصفية)، ولكن تسوية لحساب بين الشركاء يتحدد به نصيب كل شريك في ناتج أعمال الشركة. والأصل أن تتم التصفية بالطريقة التي ينص عليها النظام الأساسي للشركة، وإلا يجب إعمال أحكام القانون بهذا الإطار.
أثر التصفية على الشخصية المعنوية للشركة:
أشرنا إلى أن تحقق أسباب انقضاء الشركة لا يعني أنها ستختفي فور ذلك، وإنما تدخل في مرحلة التصفية وهو الأمر الذي يستدعي معه الإبقاء على الشخصية المعنوية للشركة حتى إنهاء تصفيتها، وفي هذا الإطار نص الفصل 1067من ق.ل.ع على ما يلي: “كل تصرفات الشركة المنحلة يلزم أن تتضمن أنها في طور التصفية.كل شروط عقد الشركة وكل الأحكام القانونية المتعلقة بالشركات القائمة تسري على الشركة وهي في طور التصفية، سواء في علاقات الشركاء بعضهم ببعض أو في علاقاتهم بالغير، وذلك ضمن الحدود التي يمكن فيها تطبيقها على شركة في طور التصفية، ومع عدم الإخلال بأحكام هذا الباب"
ويترتب على احتفاظ الشركة بالشخصية المعنوية خلال مرحلة التصفية نفس الآثار المترتبة على اكتسابها للشخصية المعنوية عند قيدها بالسجل التجاري وشهرها باستثناء محدودية هذه الشخصية وكونها مقررة في فترة التصفية بالقدر اللازم لهذه التصفية، وبناء على ذلك تحتفظ الشركة بما يلي:
1- اسمها متبوعا بعبارة – تحت التصفية –؛
2- أهليتها في التقاضي ( كمدعية أو مدعى عليها ويمثلها في ذلك المصفي)
3- الاحتفاظ بذمتها المالية خلال فترة التصفية؛
4- جواز وضعها تحت التسوية أو التصفية القضائية إذا ما توقفت عن دفع ديونها؛
5- إبقاء القيد عليها بالسجل التجاري إلى حين الانتهاء من أعمال التصفية؛
ومرد ذلك هو أن الإبقاء على الشخصية المعنوية في هذه الفترة إنما هو مقرر على سبيل الاستثناء، فالأصل أن تنقضي الشركة بمجرد تحقق سبب من أسباب الانقضاء، وهو استثناء اقتضه الضرورة ( وهي إنهاء أعمال التصفية)، ولهذا لزاما أن تقدر الضرورة بقدرها على أن يسير المصفي بالشركة في طريق إنهائها ولا يقوم بأعمال جديدة لحساب الشركة إلا إذا كانت الضرورة تقتضي ذلك.
وتنتهي التصفية بانتهاء أعمالها والتي تتمثل في استيفاء حقوق الشركة ودفع ديونها ووضع الأموال المتبقية تحت تصرف الشركاء ليقتسموها بينهم، وبإتمام هذه الأعمال يقدم المصفي حسابا عن عمله إلى الشركاء في شركات الأشخاص، أو إلى الجمعية العموميــة في شركــات المساهمــة
والشركات ذات المسؤولية المحدودة. وباعتماد هذا الحساب من جانب الشركاء أو الجمعية العامة تنتهي معه مهمة المصفي إلا إذا عهد إليه الشركاء بإجراء القسمة.
تعيين المصفي وتحديد سلطاته المصفي هو الشخص أو مجموع الأشخاص الذين يعهد إليهم بإتمام أعمال التصفية، والأصل أن يتم تعيين المصفي بمجرد انحلال الشركة، غير أنه قد يتأخر الشركاء في تعيين المصفي بمجرد انحلال الشركة لسبب ما، وحماية لمصلحة الشركاء والشركة وكذا الغير المتعامل معها فقد نص المشرع من خلال الفصل 1066 من ق.ل.ع على ما يلي: “ تعتبر أموال الشركة وديعة عند المتصرفين مادام المصفي لم يعين، ويجب على هؤلاء أن يقوموا بما تقتضيه العمليات العاجلة ”.
والأصل أيضا أن تعيين المصفي هو عمل من أعمال الشركاء إذ يمكنهـــم الاتفاق على طريقة تعيينه في عقد الشركة أو في اتفاق لاحق، كما يمكنهم القيام بذلك عند تحقق سبب من أسباب انقضاء الشركة وانحلالها، ولهم في هذا الصدد أن يعهدوا بالتصفية إلى القائمين على الإدارة أو الشركاء أنفسهم أو بعض الشركاء أو أحد الأغيار...إلخ. فإذا لم يوجد اتفاق على كيفية تعيين المصفي كان لجميع الشركاء أن يباشروا أعمال التصفية، أو يختاروا واحدا من الشركاء، أو من الغير للقيام بهذه الأعمال، وقد نص الفصل 1065 من ق.ل.ع على ما يلي: “لجميع الشركاء حتى من لم يكن مشاركا في الإدارة، الحق في المشاركة في إجراء التصفية.
وتجري التصفية بواسطة الشركاء جميعا أو بواسطة مصف يعين بإجماعهم ما لم يكن قد حدد من قبل بمقتضى عقد الشركة.
وإذا تعذر اتفاق المعنيين بالأمر على اختيار المصفي أو كانت هناك أسباب معتبرة تقتضي ألا يعهد بمهمة التصفية للأشخاص المعينين في عقد الشركة، فإن التصفية تتم قضاء بناء على طلب أي واحد من الشركاء”.
أما فيما يتعلق بسلطات المصفي، فالقاعدة أن سلطات هذا الأخير يحددها سند تعيينه وقد يكون هذا السند هو عقد الشركة نفسه، أو اتفاق لاحق وقد يأتي في شكل حكم قضائي وعموما تحدد مهمة المصفي على ضوء المهمة المسندة إليه وهي تصفية الشركة المنحلة، وبذلك فهــو مقيــد في عملــه هذا بمقتضبات الفصل 1074 من ق.ل.ع والذي نص على ما يلي: “ليس للمصفي إجراء الصلح ولا التحكيم، ولا أن يتنازل عن التأمينات ما لم يكن ذلك في مقابل استيفاء الدين أو في مقابل تأمينات أخرى معادلة، ولا أن يبيع دفعة واحدة الأصل التجاري المكلف بتصفيته ولا التفويت على وجه التبرع، ولا بدء عمليات جديدة، ما لم يؤذن له صراحة في إجراء شيء مما سبق. غير أنه يسوغ له القيام بعمليات جديدة، في الحدود التي تستلزمها تصفية العمليات المعلقة. وعند المخالفة، يتحمل المصفي مسؤولية عمله، وإذا تعدد المصفون، تحملوا بهذه المسؤولية على سبيل التضامن فيما بينهم”.
القسمة
القسمة هي المرحلة الأخيرة التي تلي الانتهاء من عملية التصفية، ويكون الهدف منها حصول الشركاء في الشركة على نصيبهم وفق ما أسفرت عليه عملية التصفية، وأساس ذلك هو أن كل شريك يحصل على ما يقابل حصته في رأس مال الشركة حسب ما هو مبين في عقد الشركة ولا يسري ذلك على الشريك الذي قدم حصة على سبيل الانتفاع ولا الشريك الذي قدم حصة في شكل عمل لأن كلاهما يسترد ما قدمه، فالأول يسترد ما قدمه من حصة لأنها ملك له والثاني يسترد حريته، وفي جميع الأحوال إذا حصل الشركاء على مقابل حصصهم بعد تصفية الشركــة وتبقــى شيء من حصيلة التصفية فيتم توزيعه على الشركاء وفقا للطريقة المبينة في النظام الأساسي للشركة، وإلا فبنسبة حصة كل شريك في رأس المال.