محاضرات في مادة التحكيم والوساطة الاتفاقية pdf
محاضرات في مادة التحكيم والوساطة الاتفاقية من إعداد : ذ/ عبد اللطيف العاشري
semestre 6 privé Médiation et arbitrage
قانون التحكيم المغربي pdf
جامعة الحسن الأول – سطات كلية
العلوم القانونية والسياسية
ملخص الوساطة والتحكيم s6 pdf
قراءة في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية
يعتبر
التحكيم من الوسائل الفعالة لحل النزاع بين الخصوم، وإن اللجوء إلى هذه الوسيلة
الحبية يكشف عن مستوى التحضر الذي بلغه الإنسان في سبيل حل الخصومات التي تنشأ.
كما
يعتبر التحكيم كذلك من أقـدم المؤسسات التي عهد إليها بمأمورية تسوية النزاعات،
حيث واكب تطور الإنسان منذ الأزل، وتطـور بتطور المبادلات التجارية بين الأمم
الشعوب والقبائل، حتى أصبح عرفا نافذا يحتكم إليه الناس لحل خصوماتهم حيث كان
وسيلة أولية فاعلة في إنهاء الخلافات بين البشر، في حين لم تكن قد نشأت من قبل دور
القضاء ولا تسويات، كان الحل الافتراضي هو التقاضي إلى شخص يتسم بالنزاهة والخبرة
والعدالة، ليستمع إلى أطراف النزاع اللذان يختارانه بقناعة وقبول مسبقين لحكمه،
نظرا لما عرف عليه بين الناس من صفات حميدة، تجعل في حكمه حِكمة وفي موقفه حيادا
من الطرفين يطمئنهما إليه.
وعلى
غرار باقي الأمم الأخرى اهتم العرب أيضا
بهذه الآلية، في وقت مبكر لظهور مبادئ الحضارة العربية في شبه الجزيرة، وبمجيئ الإسلام أقرت الشريعة السمحة نظام التحكيم ،
حيث شرع التحكيم في النزاعات الزوجية، حيث يقول عز من قائل: '' وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من
أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما''(سورة النساء الآية 58).
ولقد
تطور نظام التحكيم بشكل كبير وأصبح له أهميته البالغة في عصرنا هذا، الذي يعرف
تحولات كبيرة وتغيرات مطردة بحكم تطور العلاقات التجارية البي- دولية واتساع نطاقها ومجالاتها نتيجة
التطور الكبير على جميع الأصعدة إن كان ذلك على مستوى تزايد التبادل التجاري
وانتشار الوحدات الصناعية في مختلف أنحاء العالم أو التكنولجيا الحديثة نتيجة
لنظام العولمة، وما ترتب ذلك من سهولة المواصلات، وانتقال رؤوس الأموال، هذا
بالإضافة إلى سعي الدول –لاسيما
دول العالم الثالث- نحو
استقطاب الاستثمارات الخارجية.
وقد تطور التحكيم بمرور
الزمن وأصبح ظاهرة من ظواهر عصرنا الحديث، لفض المنازعات, نظرا لما يقدمة من مزايا وفوائد للمتخاصمين وكذلك فيه تخفيف للعبئ عن القضاء.
وتكتسي
دراسة موضوع التحكيم أهمية بالغة سواء على المستوى الدولي أو الوطني لما تحقق من
مزايا عديدة من قبيل السرعة في فض النزاع، و الطابع السري لمسطرة المنازعة، وكذا
مرونة المسطرة مقارنة مع نظيرتها القضائية، وتضمن الحياد بالنسبة للأجنبي الذي
يعتبر طرفا في النزاع، وغيرها من المزايا التي تنعكس بالإيجاب على الاقتصاد والسوق.
ولقد
نظم المشرع المغربي موضوع التحكيم بداية في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بقانون المسطرة المدنية في
الباب الخامس عشر من الفصل 527 إلى الفصل 543.
وفي
إطار الإصلاح القضائي الذي عرفه المغرب سنة 1974، تم تعديل قانون المسطرة المدنية وثم تعديل مسطرة التحكيم، حيث
نظمها المشرع في الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية في الفصول من 306 إلى 327، وما كان يعاب على هذا التعديل آنذاك كونه لم يتعرض للوساطة
كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات ، كما انه لم ينظم التحكيم الدولي.
ولم
يكن المغرب بعيدا عن التطورات التي شهدتها الساحة الدولية، سيما على صعيد الازدهار
الاقتصادي وهيمنة نظام العولمة، وما يقتضيه من انتقال دائم للأشخاص والبضائع وكذا
رأس المال، خصوصا بعد توقيع اتفاقية مراكش التي كانت وراء ميلاد''منظمة التجارة العالمية''هذه الاتفاقية جاءت بملحق خاص
بمجال التحكيم كان تحت عنوان” تفاهم بشان القواعد والإجراءات
التي تحكم تسوية المنازعات عن طريق التحكيم والتوفيق و الوساطة”.
بناء على ذلك، كان من
الضروري تعديل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم في قانون المسطرة المدنية بسن
قواعد جديدة تنظم التحكيم الدولي و الوساطة الاتفاقية، فتم إعداد مشروع مدونة
التحكيم كنص قانوني مستقل، لكن للأسف لم يخرج هذا المشروع إلى الوجود كمدونة مستقلة،
وإنما فضل المشرع أن يحتفظ به ضمن قانون المسطرة المدنية، فصدر القانون رقم 08.05 القاضي بنسخ و تعويض
الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 ديسمبر 2007 ، وذلك في الفصول من 306 إلى 327-70
هذا وقد نص القانون رقم 05.08 في
المادة 306 على ما يلي : '' يراد
بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء
على اتفاق تحكيم''
في حين نص في المادة 307 أن: '' اتفاق
التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن
علاقة قانونية معينة ، تعاقدية أو غير تعاقدية يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم
أو شرط تحكيم'' .
يلاحظ أن المشرع
المغربي عمد إلى تخصيص أول فصل في هدا القانون إلى تعريف عام لمؤسسة التحكيم و هو أمر غير مألوف ، بالنظر إلى أن
تعريف المؤسسات القانونية، هو من اختصاص الفقه هذا من جهة، و من جهة أخرى قام
المشرع المغربي بتعريف اتفاق التحكيم في الفصل 307 إلى جانب تعريف عقد التحكيم في الفصل 314 و شرط التحكيم في الفصل
316 و هو أمر قد يثير
الغموض لدى البعض معتقدا بأن هناك ثلاث وسائل مختلفة يمكن بموجبها اللجوء إلى
التحكيم، و الواقع أن الأمر يتعلق فقط باتفاق التحكيم الذي قد يبرم قبل النزاع
فيسمى في هده الحالة شرط التحكيم، و قد يبرم بعد النزاع فيسمى في هده الحالة بعقد
التحكيم، و لعل كثرة التعاريف
التي أوردها المشرع في هدا الإطار من أجل التعريف بمؤسسة التحكيم في إطار قانون منظم
لها لم يكن توجها صائبا، إذ قد يضعف من قيمة هاته الآلية ، بحيث كان بالإمكان
تنظيم بحملة تحسيسية للتعريف بهاته المؤسسة، و ترك القانون للمقتضيات المسطرية و
الموضوعية الكفيلة باللجوء لقضاء التحكيم.
ونظام
التحكيم الذي سطره المشرع المغربي بموجب القانون 08.05 ينقسم إلى فرعين كبيرين - من
زاوية انضوائه في إطار السيادة الكاملة للقانون الوطني أو غيابها- إلى
تحكيم داخلي( الفصل الأول) وتحكيم
دولي(الفصل
الثاني).
بناء على التقسيم الذي تبناه المشرع لا يسعنا إلا تقسيم هذه
المحاضرات إلى فصلين :
الفصل الأول : التحكيم
الداخلي
الفصل الثاني : التحكيم
الدولي
هذا وسيكون تطرقنا لموضوع
التحكيم في شقيه الداخلي والدولي، بناء على مقتضيات القانون رقم 05.08 يقضي بنسخ وتعويض الباب
الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة
المدنية، الذي ينظم مؤسسة التحكيم والوساطة الاختيارية.
الفصل الأول : التحكيم الداخلي
إن التحكيم باعتباره إمكانية خولها القانون للأطراف، لاختيار شخص
يتولى فض نزاعهم القائم أو المحتمل، بناء على حرية واختيار بعيدا عن إجراءات
التقاضي الرسمية والمتعارف عليها، فإنه لم يكتف بالنص على المبدأ التعاقدي فقط،
وإنما نظم كيفيات اللجوء إلى التحكيم فاشترط توفر الأركان الشكلية والموضوعية ( المبحث الأول) كما أن مباشرة الدعوى
التحكيمية تتطلب الالتزام بمجموعة من القواعد والضوابط وهي تتمثل في القواعد
المسطرية التي يتعين اتباعها بعد تشكيل هيئة التحكيم إلى حين صدور الحكم الذي يفصل
في النزاع المعروض عليها.
المبحث الأول : الأركان
الموضوعية والشكلية لإبرام اتفاق التحكيم
قبل اللجوء إلى الإجراءات المسطرية الممهدة لصور الحكم التحكيمي من
خلال تعيين الهيئة المحكمة والإجراءات المتبعة، وكذا وسائل تحقيق الدعوى
التحكيمية، فإنه لا بد من الاتفاق مسبقا – سواء في إطار عقد تحكيم أو شرط تحكيم- على كون العملية التحكيمية تجسد مبدأ سلطان الإرادة في أبهى صوره،
ذلك المبدأ الذي تمثله قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
على هذا الأساس يمكن طرح التساؤلات التالية:
هل الشروط الموضوعية لاتفاق التحكيم هي ذاتها المسطرة في قانون العقود
والالتزامات، وهل العوامل المؤثرة في الإرادة هي ذاتها المنصوص عليها في القواعد
العامة المنظمة لسائر العقود؟
وهل يمكن للهيئة التحكيمية النظر في مدى توافر الأركان والشروط
اللازمة التي تخول اللجوء للتحكيم، أي أن تكون إرادتهم سليمة خالية من العوامل
المؤثرة فيها من قبيل التدليس والغلط والغبن والإكراه وأن يكون محل التحكيم سليما؟
ثم ما هي الشروط الشكلية في
اتفاق التحكيم؟
المطلب الأول : الأركان
الـموضوعية لإبرام اتفاق التحكيم :
بما أن التحديد القانوني للاتفاق، يتمثل في تلاقي إرادتين أو أكثر
على إحداث أثر قانوني، فإن الاتفاق التحكيمي يستوجب لقيامه أركانا موضوعية (الفقرة الأولى) وأخرى شكلية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأركان
الـموضوعية لإبرام اتفاق التحكيم
لا يمكن للاتفاق التحكيمي أن يكون سليم التكوين، منتجا لآثاره
القانونية، إلا إذا استوفى الأركان الموضوعية الأساسية للتعاقد المنصوص عليها في
قانون العقود والالتزامات وهي: الرضا(أولا) والأهلية (ثانيا) والسبب (ثالثا) ثم المحل(رابعا).
أولا : الأهلية
اعتبارا للآثار القانونية الهامة التي تنتج عن اختيار التحكيم كوسيلة
لفض النزاعات، سعت مختلف التشريعات الوطنية للدول، إلى تنظيم اللجوء إلى هذه
الوسيلة وأحاطته بمجموعة من القواعد التي يتعين مراعاتها، حتى يكون اختيار التحكيم
مشروعا وقانونيا، ومن بينها ضرورة تمتع أطراف اتفاق التحكيم – بصورتيه شرط التحكيم وعقد التحكيم- بالأهلية، فكيف نظم
المشرع المغربي قواعده الأهلية في القانون رقم 05ـ 08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية؟.
نص الفصل308 من القانون 05ـ 08 القاضي
بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية على أنه: "يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو
معنويين أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها... ".
وإذا كان المشرع المغربي قد استوجب الأهلية الكاملة من خلال الفصل
أعلاه، فإنه
لم يوضح بشكل دقيق الأهلية المقصودة، فإنه بالرجوع إلى كون عملية
التحكيم تصرف قد ينقل الحقوق، ويؤثر على الذمة المالية للمحتكم سلبا، أمكن الجزم
بضرورة توفر أهلية التصرف في النزاع، فاشتراط القدرة على التصرف في الحقوق يعد
معيارا للأهلية الواجب توافرها في أطراف اتفاق التحكيم.
وعليه يكون التحكيم الذي يبرمه القاصر سواء كان عديم الأهلية أم
ناقصها، شأن الصغير بحكم القانون.
أما بالنسبة للقاصر الذي تم ترشيده، فإنه إذا كان التقاضي بالنسبة
للنزاعات التي تترتب عنها أعمال الإدارة التي يقوم بها، فإنه لا يملك بصددها حق
اللجوء للتحكيم، لأنه لا يملك أهلية التصرف في صافي دخله.
بالمقابل هناك جانبا من الفقه يرى بأن المأذون له بالإدارة له حق اللجوء إلى التحكيم بصدد الحقوق الناشئة
عن هذه الأعمالن طالما أنها متطابقة مع الإذن الممنوح له والمسموح له به.
وهذا الرأي الأخير يعتبر صائبا، وذلك استنادا
إلى مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 218من مدونة الأسرة التي تنص على أنه : " يترتب على الترشيد تسليم المرشد لأمواله
واكتسابه الأهلية الكاملة في إدارتها والتصرف فيها..."
أما بالنسبة للأب فإنه يستطيع مباشرة كل
التصرفات، ومنها التحكيم نيابة عن أبنائه القاصرين المولى عليهم، وتكون تصرفاته
صحيحة طبقا لمقتضيات مدونة الأسرة (المادة
233 وما بعدها ونفس الشيء
بالنسبة للأم، حيث يحق لها كذلك إبرام اتفاق التحكيم نيابة عن أبناءها القاصرين
إذا كانت راشدة، وعدم وجود الأب أو فقد أهليته حسب نص المادة 231 من الأسرة ومع مراعاة
أيضا مقتضيات المادة 271 من
نفس المدونة.
وغني عن البيان أن الولي- سواء كان الأب أو الأم- لا يملكان الحق في إبرام اتفاق نيابة عن أبناءهم
القاصرين، إلا في الحقوق التي يملك هؤلاء حق التصرف فيها، وحينما يتطلب القانون
إذنا من القاضي أو إشعاره بأي من هذه التصرفات، كان هذا الإذن أو الإشعار واجبا
بالنسبة للتحكيم أيضا.
وعندما يتعلق الأمر بالوكيل الاتفاقي، فله إبرام اتفاق التحكيم نيابة
عن موكله شريطة
أن يكون مفوضا في ذلك بتفويض خاص طبقا لمقتضيات الفصل 894 من ق ل ع ، فالمحامي مثلا
الذي يتوفر على وكالة لتمثيل موكله أمام القضاء، لا تسمح له بإبرام اتفاق التحكيم
من الطرف الآخر، وإنما لابد من وكالة خاصة،إلا أن الوكالة الخاصة الممنوحة قصد
إبرام اتفاق التحكيم لا تعطي للوكيل الحق في تمثيل الطرف خلال العملية التحكيمية.
هذا، وإذا كانت أهلية الدولة وأشخاص القانون
العام قد اختلف بشأنها الفقه في ق المسطرة المدنية القديم، فإنه في ظل تغير أدوار
الدولة نتيجة العولمة واقتصاد السوق ، فقد أصبحت منخرطة وشريكا اقتصاديا، زد على
ذلك رغبة الدول – سيما الدول السائرة في
طريق النمو-
في استقطاب الاستثمارات الخارجية .
وبالتالي وأمام هذا الوضع الجديد، صار من
الضروري تخويل الدولة وبعض الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام اللجوء إلى
التحكيم، وهذا من بين أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 05ـ .08 القاضي
حيث أصبح بمقتضى هذا القانون من حق الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية
فض النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها عن طريق اتفاق التحكيم (الفصل 310 من
القانون 05ـ (08،كما يمكن أيضا للمقاولات
العامة الخاضعة للقانون التجاري، والمؤسسات العمومية الأخرى غير الخاضعة للقانون
التجاري إبرام اتفاق التحكيم (الفصل 311 من قانونرقم 08.05.
لكن الحرية الكاملة التي منحت لأشخاص القانون العام، يجب أن تواكبها
إجراءات صارمة للمراقبة والضبط والتتبع، لكون العقود والاتفاقات التي يبرمها الشخص
العام، والتي تهم التحكيم تقتضي التفاوض بشكل جيد من أجل صياغة اتفاق تحكيم في
مصلحة الدولة يحمي مقدراتها.
ثانيا: الرضا
لصحة اتفاق التحكيم- سواء كان شرطا أم عقدا- ينبغي أن يتم التراضي على اللجوء إلى التحكيم، أي تقابل الإرادتين إحداها
بالإيجاب والأخرى، بالقبول على حل النزاع الناشئ أو الممكن حدوثه في المستقبل
بطريق التحكيم،وفضلا عن ذلك ينبغي أن يكون التراضي بإرادة واختيار وخالية من
العيوب التي تؤثر في الإرادة. فإذا كان التراضي غير
موجود من الأساس، فإن الاتفاق التحكيمي يكون باطلا بطلانا مطلقا لانعدام التراضي. أما إذا كان ذلك الاتفاق مشوبا بعيب من عيوب الرضا، المنوه إليها
أعلاه، فإن الاتفاق يكون قابلا للإبطال. ومن
الطبيعي أنه يشترط تطابق الإيجاب والقبول مع اعتماد النظريات السائدة في هذا
المجال، لذلك نتساءل متى يكون اتفاق التحكيم مبرما بين غائبين؟
إن هذا التساؤل طرح إشكالا كبيرا لم يتم الجزم
فيه، بحسب الفقيه الكبير عبد الرزاق السنهوري، لأنه قد يعدل الموجب في اتفاق
التحكيم عن إيجابه، ولا يصل هذا العدول إلى علم القابل ، إلا بعد وصول القبول إلى
علم الموجب، وقد يعدل القابل عن قبوله، ولا يصل هذا العدول إلى علم الموجب إلا بعد
وصول القبول إلى علمه، ولم يتطابق الإيجاب والقبول.
فلا يهمنا في إبرام اتفاق التحكيم بين غائب، أن يعلم الطرفان معا
بتطابق الإرادتين، لأنه قد يتعذر ذلك ونجد أنفسنا – وقد صدر القبول في وقت سابق على علم الموجب بهذا القبول- مجبرين على الاختيار بين زمني صدور القبول، ووقت العلم به.
فإذا كنا أمام صدور- أو تصدير – القبول، فعلينا الاختيار بين الزمن الذي أعلن فيه القابل قبوله، وهذا
بطبيعة الحال، هو مذهب إعلان القبول، وبين الوقت الذي يخرج فيه القبول من يده في
طريقه إلى الموجب، وهذا هو مذهب تصدير القبول، وإذا تجاوزنا صدور القبول إلى العلم
به، فحري بنا أن نختار أيضا بين الزمن الذي يحصل فيه القبول إلى الموجب، ونفترض
علمه به وهذا هو مذهب تسلم القبول، وبين الوقت الذي يعلم فيه الموجب فعلا بالقبول
، وهذا هو مذهب العلم بالقبول.
ثالثا : السبب
من المعلوم أن السبب هو الغرض الذي يقصده الملتزم وراء التزامه، وقد
نظمه المشرع المغربي في الفصول 62 إلى 65 من ق ل ع، وطبقا لهاته الفصول، فإنه وحتى يصلح
السبب للالتزام التعاقدي يجب أن يكون مشروعا غير مخالف للنظام العام وأن يكون
موجودا وصحيحا.
وعليه فالسبب ركن ضروري ولازم لتكوين اتفاق التحكيم - سواء كان عقدا أم شرطا- أسوة
بأي اتفاق أو عقد آخر.
وسبب التحكيم يتمثل في إرادة أطراف الاتفاق في حل ما نشأ أو ما قد
ينشأ بينهما من خلافات بواسطة التحكيم، وبالتالي فالسبب يكون غالبا مشروعا.
وقد نص القانون رقم 08.05 في الفصل 308 على أنه : '' يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء
كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية
التصرف ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب،وذلك مع
التقيد بمقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331(12 غشت 1913) بمثابة
الالتزامات والعقود، كما وقع تغييره وتتميه ولا سيما الفصل 62 منه''.
ويرى البعض – بحق- أنه كان يجب الإشارة صراحة ليس إلى النظام العام فقط، وإنما كذلك إلى
المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم، رفعا منها لكل لبس قد يثير الإحالة إلى الفصل 62 من قانون الالتزامات
والعقود.
رابعا: المحل
الاتفاق على التحكيم- شرطا
كان أم عقدا-
يجب أن يكون له محل يرد عليه، فهو لا يختلف عن غيره من العقود في هذا
الشأن، حيث يعد محل العقد ركنا أساسيا من أركانه والذي لا ينعقد بدونه.
وكما هو معلوم فمحل اتفاق التحكيم، يقصد به
النزاعات الممكن حلها عن طريق التحكيم، للقواعد العامة المقررة في ق ل ع، فإنه
يشترط في هذا المحل فضلا عن وجوده، أن يكون معينا، أو قابلا للتعيين، وأن يكون
مشروعا.
وعلى غرار مختلف التشريعات المقارنة، واتفاقيات
التحكيم تطرق المشرع المغربي في القانون رقم 05ـ 08. لموضوع
محل التحكيم.
وهكذا بالرجوع إلى الفقرة الأولى من الفصل 308من ق
رقم 05ـ 08 نجدها تنص على أنه: " يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء
كانوا طبيعيين أو معنويين أن
يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن
الحدود ووفق
الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب، وذلك مع التقيد
بمقتضيات الظهير
الشريف الصادر في 09 رمضان 12) 1331غشت 1913بمثابة ق ل ع كما وقع
وتتميمه ولاسيما الفصل 62 منه ".
من خلال هذه الفقرة، يتبين أن المشرع المغربي أجاز التحكيم في جميع
الحقوق التي يملك أصحابها حرية التصرف فيها، إلا ما استثني بنص صريح.
وهكذا، لئن كانت الفقرة الأولى من الفصل 308من القانون رقم 05ـ08 توحي بأن اتفاق التحكيم
يمكن للأطراف إبرامه في جميع الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها، فإن المشرع
المغربي قد قيد ذلك بضرورة الالتزام بمقتضيات الفصل 62 من ق ل ع، أي عدم مخالفة المحل للأخلاق الحميدة
أو للنظام العام أو للقانون.
كما نص المشرع المغربي في
الفقرة الثانية من نفس الفصل على أنه " يمكن بوجه خاص تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص
المحاكم التجارية عملا بالمادة 5 من القانون رقم 95ـ 53القاضي
بإحداث محاكم تجارية"، وهنا نرى أنه لا مبرر
لإيراد هذه الفقرة بهذه الصياغة، إذ أن الصياغة التي جاءت بها هذه الفقرة، قد يفهم
منها أن التحكيم لا يجوز إلا في القضايا التجارية وهذا غير صحيح إذ اللجوء الى
جهات التحكيم متاح في المادة التجارية وغير التجارية ، ويتأكد هذا أكثر إذا
استحضرنا مقتضيات المادة 309 من قانون المسطرة المدنية، التي منعت التحكيم في
النزاعات المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية، التي لا تكون موضوع
تجارة، وما ورد أيضا في الفقرة الأخيرة من المادة 312 من قانون المسطرة المدنية، من أنه يراد برئيس
المحكمة في هذا الباب، رئيس المحكمة التجارية.
وزيادة على التقييد الوارد في نهاية الفقرة الأولى من الفصل 308 من ق 05ـ 08 والمتعلق بالفصل 62 ق ل ع والتخصيص الذي جاءت
به الفقرة الثانية من نفس الفصل، فإن المشرع المغربي ومن خلال الفصلان 309 و 310 من القانون رقم
05ـ08 استثنى نزاعات أخرى ومنع
التحكيم فيها وهي تلك النزاعات المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية
التي لا تكون موضوع تجارة (الفصل (309،
وأيضا النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها
من الهيئات المتمتعة باختصاص السلطة العمومية، إلا أن النزاعات المالية الناتجة
عنها يمكن أن تكون محل اتفاق تحكيم ما عدا تلك المتعلقة بتطبيق قانون جبائي وهذا
ما ينص عليه الفصل 310ق 05ـ . 08
وانطلاقا مما ذكر أعلاه، يتبين أن النزاعات التي لا يمكن أن تكون
محلا للتحكيم (حسب الفصول من 308 إلى 310 من ق 05ـ (08 هي:
§
النزاعات المتعلقة بعقود
أو التزامات مخالفة للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو
للقانون، حسب ما ينص عليه البند الأخير من الفقرة الأولى من
الفصل .308
§
النزاعات التي تهم حالة
الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون تجارة (الفصل .(309
§
النزاعات
المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من
الهيئات المتمتعة باختصاص السلطة العمومية باستثناء النزاعات المالية
(الفصل .(310
§
النزاعات
المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي.
وتجدر الإشارة إلى أن
المشرع المغربي فرض على الأطراف في الفصل 315من القانون رقم ـ 08.05 تحت طائلة البطلان، أن
يحددوا في اتفاق التحكيم موضوع النزاع التحكيمي ، لكي يكون المحكمون على علم
بالدعوى التي عليهم الفصل فيها والتقيد بحدودها ،لأن تحديد موضوع النزاع بالإضافة
إلى كونه يحدد الاختصاص للهيئة التحكيمية، فإنه يقطع دابر الخلاف بين أطراف
النزاع، ولا يشترط البيان التفصيلي لموضوع الخلاف، لأن التفاصيل ستكون موضوع
المرافعات والمذكرات والمستندات أمام الهيئة، وإنما يكتفي فقط ببيان عام من شأنه
أن يحدد موضوع النزاع، وكل هذا إذا تعلق الأمر بعقد التحكيم كما ينص على ذلك الفصل
315 من ق 05ـ ) 08مع التقيد بمقتضيات الفصول 309 ، 308 و 310 المحددة للمسائل التي تجوز أن تكون موضوعا
للتحكيم ،أما بالنسبة لشرط التحكيم فلا يوجد فيه تحديد موضوع النزاع ما دام لم
ينشأ بعد.
الفقـرة الثانية : الشروط
الشكلية لاتفاق التحكيم
بالإضافة إلى الأركان الموضوعية المذكورة أعلاه، اشترط المشرع
المغربي في القانون رقم
08.05 شروطا شكلية ينبغي
للأطراف الالتزام بها لكي يكون اتفاق التحكيم صحيحا، وفي هذا
الصدد ينص الفصل 313 من القانون رقم 05ـ 08 على أنه : "يجب أن يبرم اتفاق
التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيأة التحكيمية
المختارة.
يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في
وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية
وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده، أو حتى بتبادل
مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن
ينازعه الطرف الآخر في ذلك.
ويعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة كل إحالة
في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن
شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد".
يبدوا من أحكام هذا الفصل ابتعاد المشرع المغربي عن المبالغة في
الشكلية المطلوبة لصحة اتفاق التحكيم، خصوصا تلك المتطلبة في شرط التحكيم والتي
كان يستلزمها الفصل 309من قانون المسطرة المدنية الملغى، بحيث كانت لا تخدم مصالح الأطراف،
خصوصا في المعاملات التجارية الدولية، إلا أن التساؤل الذي يطرح في هذا الصدد، هو
ما إذا كانت الكتابة المطلوبة لصحة اتفاق التحكيم، شرط شكلي لانعقاده، أم لإثباته؟
بخصوص هذا الإشكال هناك اتجاه فقهي يرى أن مقتضيات الفصل أعلاه، تفيد
اتجاه المشرع المغربي نحو اعتبار الكتابة شكلية إثبات اتفاق التحكيم بالدرجة
الأولى، في حين يرى اتجاه آخر، أن الكتابة المتطلبة في هذا الصدد هي لانعقاد اتفاق
التحكيم وليس لإثباته.
والواقع أن شكلية الكتابة هي
واجبة وضرورية لانعقاد اتفاق التحكيم، بدليل أن الفصل 313التي ينص على أنه : " يجب أن يبرم اتفاق
التحكيم كتابة،" والتي لا تدع مجالا للشك في أن الكتابة هي للإثبات بالإضافة إلى
الفقرة الأولى من الفصل 317 من القانون رقم 05.08 والتي تستلزم تحت طائلة البطلان ضرورة كتابة شرط
التحكيم في الاتفاق الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه بشكل لا لبس فيه، كذلك الفقرة الأولى من الفصل 315 من نفس القانون تستوجب- تحت طائلة البطلان- تحديد موضوع النزاع
التحكيمي وتعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها متى اكتسى اتفاق
التحكيم شكل عقد التحكيم، وهو ما يفيد ضمنيا ضرورة كتابة هذا الأخير.
وهو نفس النهج الذي تتبعه أغلب التشريعات المقارنة كالتشريع المصري
حيث تنص المادة 12من القانون رقم 27 لسنة 1994على أنه:"يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا..." وهو ما يفيد أن الكتابة متطلبة لانعقاد اتفاق التحكيم وليس لإثباته
كما كان عليه الحال في قانون التحكيم المصري القديم لسنة 1978
بناء على ما سبق، يتضح أن المشرع المغربي اعتبر الكتابة شرطا إلزاميا
يدور معه اتفاق التحكيم وجودا وعدما، وهو ما يجعل إذن اتفاق التحكيم من العقود
الشكلية التي يتوقف انعقادها على إفراغها في سند كتابي، وسبب اشتراط الكتابة لصحة
اتفاق التحكيم، إنما يستمد من الحرص على عدم فتح منازعات فرعية حول وجود أو مضمون
هذا الاتفاق، والتي من شأنها أن تؤثر في فعالية مسطرة التحكيم ككل، ناهيك عن أن
كتابة اتفاق التحكيم بداية يقطع كل شك عن مدى اختيار الأطراف للتحكيم لفض نزاعاتهم
بعيدا عن القضاء.
لكن بالرغم من تقييد المشرع المغربي لإرادة
الأطراف، وألزمهم بضرورة كتابة اتفاق التحكيم من جهة، إلا أنه من جهة ثانية، توسع
في مفهوم الكتابة وجعل إرادة الأطراف هو المحدد لكيفية صياغة هذا الاتفاق، حيث منح
المشرع المغربي الحرية المطلقة لأطراف التحكيم في الاتفاق على الشكل الذي يرتضونه
في اتفاقهم التحكيمي وخيرهم في ذلك بين:
أولا : الوسائل التقليدية : كالعقود الرسمية أو العرفية، أو محضر يتم تحريره أمام الهيئة
التحكيمية المختارة، أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع، والتي يدعي فيها أحد
الأطراف وجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه
الطرف الآخر أو غيرها من الوسائل التقليدية المذكورة في الفصلين 313و 314من ق
05ـ . 08.
ثانيا: الوسائل الحد
بموجب الفصل 313 من ق 05.08 أصبح بإمكان أطراف التحكيم تحرير اتفاقهم بوسائل
حديثة كالرسائل المتبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل
الاتصال.
وبهذا يكون المشرع المغربي قد ساير التحولات
التكنولوجية الحاصلة في مجال انعقاد وإبرام العقود، والتي تجاوزت الأدبيات التقليدية
إلى الوسائل الحديثة والإلكترونية، والتي يسهل بموجبها إبرام العقود والاتفاقات عن
بعد ،لاسيما بعد صدور القانون رقم 53ـ 05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات
القانونية، والذي أصبحت بموجبه للوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية نفس قوة
الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على ورق.
وهكذا وانطلاقا من هذه القيمة والحجية القانونية التي أصبحت تتمتع
بها المحررات الإلكترونية، إضافة إلى أهميتها الكبيرة في مجال المعاملات التجارية
التي أصبحت تتم بواسطة دعامات إلكترونية، وبالرغم من أن اتفاق التحكيم من العقود
الشكلية التي تلزم الكتابة، فإنه ينبغي ألا تؤثر على إرادة الأطراف في إبرام
اتفاقهم على دعامة إلكترونية( كالأقراص الممغنطة
والمصغرات الفيلمية)، لاسيما مع هذا المفهوم
الواسع لشكلية الكتابة، وبالاستناد أيضا إلى " وسيلة أخرى من وسائل الاتصال ..."
الواردة في الفصل 313من القانون رقم 08-05 والتي قد تكون نية المشرع بإيراده لهذه العبارة
أن يفتح المجال لانعقاد وإبرام التحكيم بوسائل إلكترونية. وإلا فإن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر في المقتضيات القانونية المنظمة
لكيفية انعقاد وإثبات اتفاق التحكيم، لكي يساير هذه التطورات التكنولوجية الحاصلة
في مجال إبرام العقود وإثباتها.
المطلب الثاني : تشكيل
الهيئة التحكيمية
علاوة على اشتراط مشرع القانون 05.08 أن يتوفر اتفاق التحكيم على الأركان الموضوعية
من رضا وأهلية ومحل وسبب، وكذا الأركان
الشكلية والمتمثلة في إفراغ هذا الاتفاق في الشكل المنصوص عليه قانونيا،
فإنه لا بد من تعيين الهيئة التحكيمية التي ستتولى الفصل في النزاع التحكيمي أو
على الأقل التنصيص على طريقة تعيينها (الفقرة
الأولى) مع ما يتبع هذا التعيين
من ضرورة قبول المحكم أو المحكمين المعينين للمهمة المسندة إليهم، وبذلك يكتمل
تشكيل الهيئة التحكيمية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : تعيين
الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها
من الواجب أن تتتشكل الهيئة التحكيمية إما من محكم واحد، أو عدة
محكمين تكون للأطراف حرية تحديد إجراءات تعيينهم بمقتضى الاتفاق، وعلى الأقل أن
يحدد اتفاق التحكيم طريقة تعيينهم، تحت طائلة بطلانه، ذلك أن القواعد المكملة
والتي أوردها المشرع في الجزء الفرعي الثاني من القانون رقم 08.05 الخاص بتشكيل الهيئة التحكيمية يقتضي إعمالها
وجوب توفر اتفاق التحكيم على طريقة تعيين الهيئة التحكيمية.
وفي هذا ينص الفصلين 315 و 317 من القانون رقم 08.05 على أنه "يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان:
1...
2- تعيين الهيئة التحكيمية
أو التنصيص على طريقة تعيينها ..." ينص الفصل
317 على أنه "يجب، تحت البطلان: ...- أن ينص في شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين
وإما على طريقة تعيينهم".
انطلاقا من هذه المقتضيات القانونية يتبين أن تشكيل الهيئة التحكيمية
، ركن جوهري في اتفاق التحكيم لا يتصور قيامه بدونه، ويقصد بتشكيل الهيئة
التحكيمية، تحديد عدد المحكمين الذين ستتكون منهم هذه الهيئة التي ستشرف على حل
النزاع، وفي هذا الصدد نجد أن جل
التشريعات الوطنية منحت الحرية التامة لأطراف التحكيم في تعيين الهيئة التي
يرتضونها للفصل في نزاعهم، وهكذا ينص القانون 08-05 في الفصل 327-02 على أنه: " تتشكل الهيئة من محكم واحد أو عدة محكمين تكون
للأطراف حرية تحديد إجراءات تعيينهم
وعددهم إما في الاتفاق التحكيمي، وإما بالاستناد إلى نظام التحكيم الموضوع للمؤسسة
المختارة ...
كما ينص أيضا في الفقرة الأولى من الفصل 327-41 على أنه : " يمكن بصفة
مباشرة أو استنادا إلى نظام للتحكيم ان يعين اتفاق التحكيم المحكم أو المحكمين أو
ينص على إجراءات تعيينهم وكذا إجراءات تعويضهم".
وهو ما تتفق عليه أيضا أغلب التشريعات المقارنة، فنجد المشرع المصري
حريصا على هذه الحرية ونص على ذلك صراحة في الفقرة الأولى من المادة 15من
قانون التحكيم المصري رقم 27لسنة 1994 والتي جاء فيها: "تتشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر" وأكد هذا الأمر كذلك في المادة 17حيث تنص: '' لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكم وعلى كيفية ووقت اختياره.
انطلاقا من كل هذا، يتضح أن إرادة الأطراف هي الآلية التي تحتل
المرتبة الأولى في تشكيل وتعيين الهيئة التحكيمية، وعندما تتعطل هذه الآلية ولا
يتفق أطراف التحكيم على تشكيل الهيئة التحكيمية، فإنه لا مجال للطعن ببطلان اتفاق
التحكيم، ذلك أن ركن تعيين الهيئة، يمكن تحققه أيضا عن طريق قضاء الدولة كما تنص
على ذلك أغلب التشريعات.
وفي الحقيقة فإن هذه المكانة البارزة التي يعتليها مبدأ سلطان
الإرادة في تعيين الهيئة التحكيمية، الأكثر تماشيا وانسجاما مع طبيعة نظام
التحكيم، حيث يقوم وبشكل أساسي على الثقة، هذه الأخيرة ليست من أحد الأطراف في
الطرف الآخر كما هو معروف في عقود الاعتبار الشخصي، وإنما هي ثقة المتعاقدين في
هيئة من حيث خبرتها وحيادها، ومن ثم قدرتها على تسوية النزاع تسوية قانونية، عادلة
وسريعة. وبطبيعة الحال فالثقة في
هيئة التحكيم لا يمكن أن تتولد لدى طرفي اتفاق التحكيم، إلا بمنحهما الحرية التامة
في تعيين المحكمين الذين تتوفر فيهم شروط هذه الثقة.
هذا بالإضافة إلى أن هذه الحرية الممنوحة
للأطراف، تعد من الضمانات الأساسية والدوافع التي تدفع الأطراف إلى اختيار التحكيم
لفض نزاعاتهم الآنية أو المستقبلية، وهي من مميزات التحكيم على غياب إرادة أطراف النزاع
في اختيار القضاة الذين سينظرون في النزاع.
هذا دون إغفال أن حرية الأطراف في تعيين المحكم، لا تكون فقط عند
اختيار هيئة التحكيم بداية، وإنما مكفولة كذلك بمناسبة إنهاء مهمة المحكم لأي سبب
من الأسباب، ونفس الشيء يقال أيضا في الحالة التي يثبت فيها أن المحكم أو المحكمين
المعينين في اتفاق التحكيم، لا تتوفر فيهم الشروط القانونية لممارسة مهمة التحكيم،
أو لوجود سبب آخر يحول دون تشكيل الهيئة، حيث يتم تعيين المحكمين، هنا إنما باتفاق
الطرفين أو وفقا لمقتضيات الفصل 327-4 من القانون رقم.08-05 للطرفين إذن الحرية
الكاملة في اختيار وتشكيل الهيئة التحكيميــة أو في تحديد الطريقة الواجبة الاتباع
في تعيينها، وهذه الحرية أحاطها المشرع المغربــي بحصانة، تجعل مبدأ سلطان الإرادة
في مأمن من أي تجاوز، وتتمثل هذه الحصانة في أحقية أي من طرفي اتفاق التحكيم الطعن
بالبطلان في الحكم التحكيمي في الحالة التي يتم فيها تشكيل الهيئة التحكيمية أو
تعيين المحكـم المنفرد بصفـة غير قانونيــة أو مخالفة لاتفاق الطرفين.
وتجدر الإشارة إلى أن حرية الطرفين في تشكيل وتعيين الهيئة التحكمية
مقيدة بضرورة المساواة بين الأطراف في تعيين الهيئة التحكيمية، وبالتالي لا يصح
كل شرط يقضي باستقلال أحد الطرفين باختيار الهيئة أو اختيار عدد يفوق العدد الذي
يختاره الطرف الآخر، فالتشكيل يجب أن يكون باتفاق طرفي التحكيم.
وإلى جانب المساواة في التشكيل فإن اختيار الهيئة التحكيمية مقيدا
بضرورة احترام الشروط القانونية التي يجب توافرها في المحكم أو المحكمين، الذين
يتم اختيارهم للفصل في النزاع التحكيمي، حيث يجب أن يكون شخصا ذاتيا كامل الأهلية
، وأن يكون مصرحا لدى النيابــة العامة بمحكمة الاستئناف.
الفقرة الثانية : قبول
الهيئة التحكيمية للمهمة الـمسندة إليها
إن اختيار المحكم أو المحكمين الذين سينظرون في النزاع التحكيمي سواء
باتفاق أطراف التحكيم على ذلك، أو بسلوك الطعن القضائي، لا يكفي لقيام إجراء تشكيل
الهيئة التحكيمية صحيحا، وبالتالي قيام اتفاق التحكيم صحيحا ومنتجا لكافة آثاره،
كما لا يكفي أيضا لإلزام هذا المحكم المختار للقيام بمهمة التحكيم، وإنما لابد من
قبول المحكم للمهمة المسندة إليه حتى يكون تشكيل الهيئة التحكيمية مكتملا ومنتجا
لآثاره.
فاختيار المحكم من قبل أطراف التحكيم أو عن طريق
رئيس المحكمة حسب الأحوال، لا يعدو أن يكون طلبا يجوز للمحكم قبوله أو رفضه، حيث
لا يمكن إلزامه وإجباره بالفصل في النزاع رغما عن إرادته، ذلك أن المحكم وعلى عكس
القاضي، لا يقوم بوظيفة أو مهنة تلقي على عاتقه بالتزام وظيفي أو مهني يحتم عليه
الاضطلاع بها، وإنما يقوم بقضاء خاص – مهمة
الحرية في قبول القيام به أو رفضه-.
وبخصوص شكلية القبول فبالرجوع للفصل 3/327-6من ق 08-05 يتبين أن قبول المسندة إليه عمليةالتحكيم، يجب
أن يثبت كتابة بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على في القيام
بالمهمة وهو ما يعني أن المشرع المغربي اشترط الكتابة لإثبات قبول المحكم.
وقبول المحكم لمهمته له أهمية بالغة، فبالإضافة إلى كونه الخطوة
الأخيرة التي تثبت انتهاء تشكيل الهيئة التحكيمية، فإنه يقطع إثباته دابر أي نزاع
محتمل سواء بين الأطراف، أو بينهم وبين المحكمين حول مسألة القبول.
وتبرز أهمية القبول كذلك خصوصا عندما يتم إثباته
بالكتابة، في كونه نقطة بداية إجراءات التحكيم لاسيما في حالة عدم اتفاق الأطراف
على تاريخ معين لبدء الإجراءات (الفصل 327-10في
فقرته الأخيرة)
كما سيساعد أيضا قبول المحكم لمهمته في احتساب إصدار الحكم التحكيمي
من طرف الهيئة التحكيمية الفصل327-20 من القانون 08.05، والأهم من كل هذا أن قبول المحكم لمهمته يشكل نقطة بداية مهمة
المحكمين، والتي يتعين بموجبها على كل محكم قبل مهمته أن يستمر في القيام بمهمة
التحكيم إلى نهايتها، وفي حالة تخليه عن ذلك دون أي سبب مشروع، يكون مسؤولا مسئولية عقدية يمكن أن تترتب في ذمته تعويضات
عن هذا التخلي، كما يكون أيضا هذا المحكم ملزما بالإفصاح كتابة عن أي ظروف من
شأنها إثارة شكوك حول حياده واستقلاله.
لكن بالرغم من هذه الأهمية القصوى لقبول المحكم لمهمته، فإن المشرع
المغربي، لم يحدد ميعادا نهائيا لهذا القبول، وهذه ثغرة تشريعية يمكن أن تترتب
عنها آثار سلبية، ذلك أن عدم إلزام المحكم بوقت معين ومعقول لإعلان قبوله من عدمه،
قد يؤدي إلى تراخيه عن قبول مهمته، وهو ما عدم تشكيل الهيئة التحكيمية، وقد يكون
هذا التراخي إلى ما لا نهاية، مما قد يسبب في عرقلة عملية التحكيم. وبالتالي يجب على المشرع المغربي تدارك هذا الفراغ التشريعي، والنص
على محدد ومعقول يلزم المحكم بإعلان قبوله داخله، تحت طائلة تعيين محكم آخر محله.
التحكيم والوساطة في القانون المغربي PDF