فسخ عقد الكراء من طرف المكتري في القانون المغربي

فسخ عقد الكراء من طرف المكتري في القانون المغربي

مدى حماية الحق في الكراء أثناء فسخ وإنهاء عقد

الكراء التجاري نظم المشرع في قانون الالتزامات والعقود أحكام فسخ العقود بشكل عام، لكن كثيرا ما يقع الخلط بين فسخ العقد وإنهائه غير أنهما مختلفان تماما.
فالفسخ يعتبر جزاء يقع على المتعاقد المخل بالتزامه لأنه في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، جاز للمتعاقد الآخر أن يتحلل من التزامه المقابل.
وتنفيذ الالتزامات يقوم على مبدأ حسن النية والتعاون فيما بين أطراف العلاقة التعاقدية، ومن بين الالتزامات التي تقع على عاتق المكتري الالتزام بدفع الوجيبة الكرائية المتفق عليها وفي الزمن المتفق عليه. وقد يماطل المكتري في دفع الوجيبة الكرائية إما عن سوء نية وإما عن حسن نية كما هو الشأن بالنسبة للمقاولة المتعثرة.
أما إنهاء العقد أو انقضاؤه فهو فك للرابطة القانونية وهو المصير المألوف للعقود. وإذا كان انتهاء العقد يترتب عنه بقوة القانون إفراغ المكتري، فالأمر لا يتعلق بأصل مطلق، الأن أحكام الإفراغ يتجاذبها اعتبارين أساسين : أولهما حق المكتري في الاستقرار في محله الذي يزاول فيه نشاطه التجاري فينشأ حقه في تجديد العقد، وثانيهما حق المكري في استرجاع عقاره ورفض التجديد في الحدود المسموح بها قانونا.
وهكذا سنتطرق لأحكام فسخ عقد الكراء التجاري لعدم أداء الوجيبة الكرائية و أحكام إنهاء عقد الكراء لرفض تجديده. 
فسخ عقد الكراء من طرف واحد

المطلب الأول : فسخ عقد الكراء لعدم أداء الوجيبة الكرائية

إن من بين الالتزامات التي تقع على عاتق المكتري، الالتزام بدفع الوجيبة الكرائية باعتبارها مقابلا لانتفاعه بالعين المكتراة. غير أن المكتري قد يتقاعس عن الوفاء بهذا الالتزام لأسباب عديدة مما يجعله في حالة مطل. وقد اختلف القضاء حول الكيفية التي يتم بمقتضاها إثبات تماطل المكتري. كما أن آثار التماطل تختلف حسب وجود شرط فاسخ في العقد من عدمه.
وهذا ما سأتطرق إليه في الفقرة الأولى، على أن أخصص الفقرة الثانية إلى حالة عدم أداء الوجيبة الكرائية عندما تعاني المقاولة من صعوبات واختلالات، والمساطر التي أقرها المشرع ترجيحا لمصلحة المقاولة في الاستمرار على سلطات المكري في ايقاع فسخ الكراء التجاري.

الفقرة الأولى : حالة مطل المكتري

يتوجب أولا تحديد مفهوم مطل المكتري وشروط تحققه قبل التعرض لآثاره، وذلك على النحو التالي :
أولا : مفهوم مطل المكتري وشروط تحققه
يقصد بالمطل في اللغة التسويق بالعدة والدين، كالامتطال والمماطلة. أما اصطلاحا فقد عرفه الفقهاء بأنه : " التأخير المعتبر قانونا في الوفاء بالتزام ما أو في تحصيله "
وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 254 من قانون الالتزامات والعقود بقوله : "يكون المدين في حالة مطل، إذا تأخر عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيا، من غير سبب معقول ".
من خلال هذا التعريف يتبين بأن المطل هو عبارة عن امتناع عن تنفيذ التزام ملقي على عاتق المدين أو تأخر في هذا التنفيذ.
ولقد نظم المشرع المغربي مطل المدين في الباب الثالث من القسم الرابع المتعلق بآثار الالتزامات، وإن كان لم يعرف المطل، إلا أنه حدد الحالات التي يصبح فيها المدين في حالة مطل. وذلك انطلاقا من الفصل 254 من قانون الالتزامات والعقود، الذي قضى بأن المدين يكون في حالة مطل إذا تأخر عن تنفيذ التزامه كليا أو جزئيا، من غير سبب معقول.
كما نص المشرع بمقتضى الفصل 255 من قانون الالتزامات والعقود على أنه يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام، فإن لم يعين للالتزام أجل، لم يعتبر المدين في حالة مطل، إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذارا بوفاء الدين، ويجب أن يتضمن هذا الإنذار ما يلي :
1- طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في اجل معقول
2- تصريحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه
مناسبا إزاء المدين، ويجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة، ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاضي غير مختص.
والحقيقة أنه بتفحص مقتضيات الفصلين 254 و 255 من قانون الالتزامات والعقود، يتضح أن المشرع المغربي لم يتعرض لفرضية الامتناع عن التنفيذ مكتفيا بالتأخر عن التنفيذ. إلا أن هذا لا يغير من واقع اعتبار الامتناع عن الأداء تماطلا في حق المكتري، وهو التوجه الذي يشير عليه القضاء المغربي باستعماله عبارات متنوعة للدلالة على التماطل من قبيل " تقاعس، توقف ، امتناع ، عدم الأداء...". وما يلاحظ بخصوص الفصل 254 من قانون الالتزامات والعقود هو أن المشرع المغربي لم يحدد بشكل دقيق المقصود "بالسبب المشروع "، مما حذا بالبعض إلى القول بأن السبب المقبول المقصود في هذا الفصل هو السبب الأجنبي الخارج عن إرادة المكتري، وذلك تأسيسا على الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه لا محل لأي تعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه ناتج عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه كقوة قاهرة او حادث فجائي أو مطل الدائن. و وجود هذه العبارة يزيد من سلطة القضاء في تقدير السبب الذي أدى إلى تماطل المكتري وعدم قيامه بالتزامه بأداء الوجيبة الكرائية الذي قد يؤدي إلى الإفراغ .



ثانيا : آثار ثبوت مطل المكتري
يعتبر المطل من الأسباب التي تبرر الحكم بالإفراغ على المكتري، باعتباره إخلالا خطيرا بالالتزامات الملقاة على عاتقه بمقتضی عقد الكراء. وهكذا، سأعرض لإثبات المطل قبل بیان آثاره.
أ- إثبات مطل المكتري لقد اختلفت محكمة النقض في إثبات المطل على أربع اتجاهات :
الاتجاه الأول يمثله قرار منفرد صدر عن المجلس الأعلى سابقا في أواسط السبعينيات رد فيه المجلس على وسيلة النقض التي تمسك بها الطاعن والمتعلقة بكون التماطل غير ثابت في حقه، لأن هناك نزاع نشأ بين الطرفين حول مبلغ الكراء والإصلاحات التي قام بها المكتري في الفرن أدى به إلى الإمساك عن دفع الكراء إلى أن ينتهي ذلك النزاع، بتحديد المبلغ الواجب أداؤه من طرف المحكمة المختصة، وأن ذلك ليس امتناعا مقصودا أو تماطلا، غير محكمة النقض في قراراتها اللاحقة لم تكرس هذا الاتجاه.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن التماطل يثبت بتوجيه إنذار بالأداء ومنح أجل للمكتري وبقائه بدون مفعول، وذلك تطبيقا لقاعدة الكراء يطلب ولا يحمل التي استنبطتها محكمة النقض من أحكام الفصل 666 من قانون الالتزامات والعقود. وكمثال على هذا الاتجاه القرار التالي الذي جاء فيه : " أن الكراء يطلب و لا يحمل والمماطلة لا تثبت إلا بالإنذار المكتري بإقامة دعاوی سابقة من أجل أدائه ".
وحسب هذا الاتجاه فإن الأداء الذي ينفي عن المكتري حالة المطل، هو الأداء الذي يقع داخل الأجل المحدد في الإنذار. أما إذا وقع العرض العيني أو الإيداع أو حتى الأداء للمكتري شخصيا بعد مرور الأجل المحدد في الإنذار فإن حالة المطل تبقى ثابتة.
أما الاتجاه الثالث فيذهب إلى أن التماطل يثبت بالإشعار بالإفراغ المتضمن عدم أداء الوجيبة الكرائية، إذا لم يعقبة الأداء داخل الأجل المحدد في هذا الإشعار. وقد استند هذا الاتجاه إلى القول بذلك على ضوء مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 الذي لا يشترط إنذارين أحدهما | بالأداء والآخر بالإفراغ. حيث جاء في تعليل محكمة النقض بنقض قرار محكمة الاستئناف : " وحيث إن الفصل السادس من ظهير 24 ماي 1955 يشترط لانتهاء عقد الكراء وإعلان رغبة المالك في عدم تجديد عقد الكراء.
وعلى هذا يذهب الاتجاه الرابع إلى أن إثبات المطل يتم وفق القواعد العامة بمجرد حلول الأجل دون حاجة لتوجيه إنذار بالأداء، ويرى هذا الاتجاه أن قاعدة الكراء مطلوب لا محمول لا مصدرا لها قانونا. ويلخص هذه الرؤية قرار جاء فيه :
" بمقتضى الفصول 55 و 275 و 278 من قانون الالتزامات والعقود، فإن المدين يصبح في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام. ويجب عليه إن كان محل الالتزام مبلغ من النقود أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا، فإذا رفض قبضه كان له أن يبرئ ذمته بإيداعه في مستودع الأمانات التي تعينه المحكمة لإبراء ذمته. و يعفي المدين من القيام بالعرض وتبرأ ذمته بالإيداع إذا كان الدائن غیر محقق أو غير معروف.
وبذلك يتبين أن المحكمة تبقى لها السلطة التقديرية في ثبوت المطل. خاصة وأن طلب الإفراغ من أجل التماطل من أكثر الحالات المعروضة على المحاكم والتي يتم اللجوء إليها من أجل المطالبة بالإفراغ .
والجدير بالذكر أن ثبوت التماطل في حق المكتري يؤثر على الحق في الكراء بصفة خاصة وعلى الأصل التجاري بصفة عامة، مادام يؤدي إلى الاندثار والفقدان وبدون أي تعويض. وبالإضافة إلى ذلك فإن المشرع قد أعطى للمكري الحق في التعويض عن التماطل تطبيقا للفصل 259 و 263 من قانون الالتزامات والعقود، والذي تم التنصيص فيها على استحقاق المكري للتعويض بسبب عدم الوفاء بالالتزام وإما بسبب التأخر في الوفاء به، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدین.

ملتقيات طلابية لجميع المستويات : قانون و إقتصـاد

شارك هدا

Related Posts

التعليقات
0 التعليقات