تلخيص حقوق الانسان والحريات العامة s4 PDF

تلخيص حقوق الانسان والحريات العامة s4 PDF

محاضرات السداسي الرابع : شعبة القانون بالعربية
الاستاذ : عمارتي محمد
سنعرض لكم زملائي طلبة كلية الحقوق عامة والفصل الرابع خاصة  تلخيص الحريات العامة بالمغرب على شكل pdf برابط مباشر تجدونه اسفل الموضوع .

محاور أساسية لمادة حقوق الانسان والحريات العامة 
  • المحور الأول : حقوق الإنسان النشأة والمسار
  1. ما هي حقوق الإنسان ؟
  2.  التعريف
  3. القيم المؤسسة لحقوق الإنسان
  4.  خصائص ومصادر حقوق الإنسان
  5. الحقوق والواجبات
  6. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10 دجنبر 1948
  7. النصوص الكبرى لحقوق الإنسان
  8.  سياق اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
  9.  الجرائم ضد الإنسانية
  10.  نشأة منظمة الأمم المتحدة
  11. مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 
  12.  حقوق الإنسان على الصعيد الدولي
  13.  احترام حقوق الإنسان
  14.  القانون الدولي الإنساني
  • المحور الثاني: المفاهيم القانونية الرئيسية لحقوق الإنسان
  1.  الحقوق الأساسية
  2. التعريف
  3. الحقوق المدنية والسياسية
  4. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
  5. حقوق التضامن
  6. الحقوق الفئوية 
  7.  مبدأ المساواة والحق في عدم التمييز
  8.  التعريف
  9. الحق في عدم التمييز في نصوص الاتفاقية الدولية
  10. مدلول المعاملة التمييزية في القانون الدولي لحقوق الإنسان
  11. مبدأ المساواة بين الرجال والنساء الحق في الرأي والتعبير
  12. تأویل الحق ونطاقه
  13. إشكالات التطبيق
  14. الطابع الأساسي في الحق والرأي والتعبير
  15. ممارسة الحق في الرأي والتعبير
  • المحور الثالث: الحماية الدولية لحقوق الإنسان
  1.  النظام الأممي لحماية حقوق الإنسان
  2. الآليات التعاهدية
  3. الآليات الغير التعاهدية
  4. الانظمة الإقليمية لحقوق الإنسان

لتحميل تلخيص محاضرات مادة الحريات العامة S4 PDF : اضغط هنا


الحقوق والحريات العامة بالمغرب

        منذ نشأة مفهوم الدولة/ الأمة، كان موضوع وجود السلطة السياسية في الدولة باعتبارها من ضرورات الحياة في أية دولة، من المسائل الهامة في المجتمعات البشرية، ولاسيما تلك السلطة التي توجه أوامر ونواهي لأفراد المجتمع، والتي تعمل على تنظيم شؤونهم الحياتية.
وفي المقابل لهذه السلطة نجد الحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد المتواجدين على أرض الدولة سواء أكانوا من مواطنيها أم من الأجانب، ولذا أضحى من الضروري إيجاد التوازن بين هذه السلطة بما تملكه من وسائل وأدوات قانونية (التشريع) ومادية (القوة البوليسية والعسكرية)، والحقوق والحريات الفردية والجماعية، والتي قد تتغول عليها السلطة السياسية عند تنظيم أحوال المجتمع عن طريق ما يعرف بالضبط الإداري وتحقيق المصلحة العامة للدولة وفق نظام قانوني.
         وقد عرفت الانسانية اتجاهين متناقضين، الأول ديمقراطي يتجه إلى إحداث التوازن    بين السلطة والحرية، والثاني ديكتاتوري استبدادي يذهب إلى إعلاء كفة السلطة السياسية في مواجهة حريات الأفراد وحقوقهم، وكان من نتائج الاتجاه الثاني أن تقلصت إلى حد كبير مساحة الحقوق والحريات، لذا عملت النظريات الفلسفية على المناداة بضرورة حماية هذه الحقوق والحريات وتقييد سلطة الدولة، مؤكدة على أن للإنسان حقوقا لصيقة به لا يمكن التخلي عنها. 
        وهكذا أقر الفكر القانوني بضرورة أن يعهد إلى تنظيم المعادلة بين السلطة والحرية إلى دستور الدولة الذي يتولى بدوره تنظيم السلطة السياسية في الدولة من حيث تكوينها وبيان اختصاصاتها، وينظم في الوقت ذاته الحقوق والحريات العامة والفردية التي يجب أن يتمتع بها المواطن والأجنبي في الدولة، وبالتالي يكون الدستور ومعه باقي القوانيتن والمقتضيات التشريعية هي أداة التوازن بين السلطة والحرية. 
         وبهذا دأب المشرع الدستوري في دول العالم على ذكر الحقوق والحريات ابتداء في الوثيقة الدستورية ثم معالجة موضوع السلطة السياسية (السلطات الحاكمة في الدولة وعلاقتها بمختلف المؤسسات الدستورية)، وإيراد القيود عليها حفاظا على نظام الدولة مع بيان الضمانات الكفيلة بحماية الحقوق والحريات وضمان ممارستها.
وتعتبر الدولة ذات النظام الديمقراطي هي وحدها الكفيلة بالتطبيق والأخذ بفكرة الحريات العامة. وهذا يتطلب أيضا توفر شروط وظروف لكي يتسنى للقانون الوضعي أن يأخذ طريقه في التطبيق بشكل موضوعي ومستقر. ومن هذه الشروط هي أولا: وجود القاعدة الشرعية للدولة القانونية أي أن يكون مصدر القانون هو تعبير عن الإرادة العامة أو السيادة الشعبية، وأنها الكفيلة بمراعاة الأفراد وحقوقهم بصورة متساوية وعامة، وأداة التعبير وهي (البرلمان) الممثل للشعب والمتحدث بإسمه. فعند قيام السلطة التنفيذية في إعداد وصياغة مشاريع القوانين الى جانب السلطة التشريعية فإن طرحها للتشريع لا يتم الا بموافقة البرلمان عليها. وثانيا : أثر القانون العادي كضمانة للحقوق والحريات. وثالثآ : أثر المراسيم والتنظيمات على الحريات العامة وضعيا بمعنى وجود سلسلة من القوانين التي تراعي المطالب بتنظيم جوانب الحريات العامة مثل حرية تأسيس الجمعيات وحرية الاجتماعات، وأخيرا حرية الصحافة.

الفصل الأول، النظام القانوني للحريات العامة في المغرب

         يعرف النظام القانوني للحريات العامة بمجموع الإجراءات والمقتضيات المقررة والمتخذة بواسطة القوانين الوضعية التي تسمح للفرد بالتمتع بمختلف الحقوق والحريات. لذلك، لا يكفي الحديث أو الإعلان عن وجود وتعداد الحريات العامة للأفراد، بل لابد من تثبيتها دستوريا، وان يتم بيانها وذكرها تفصيليا في القوانين الوضعية التي تسمح عندئذ الأخذ بفكرة الحريات العامة في دولة من الدول. 
ويقتضي النظام القانوني للحريات العامة عدم تعرض السلطات العمومية للحريات بالمنع أو الحذف، لأن النظام القانوني للحريات العامة فوق هذه السلطات، وسابق على وجودها. كما أنه عندما تتدخل سلطات الدولة في مواجهة النظام القانوني للحريات العامة، فيجب أن ينصرف هدا التدخل لتنظيم كيفية ممارسة الحريات العامة، بشكل لا يتعارض مع متطلبات ومقتضيات المحافظة على النظام العام في الدولة، ولهذا قرر القضاء مجموعة من المبادئ العامة، لأنه يرى أن سلطة الإدارة العامة، وخاصة في الظروف العادية، لا تكون مطلقة، وإنما توجد حدود وقيود على سلطتها. ولا تأتي هذه القيود فقط من طبيعة النظام العام وإنما من طبيعة الحرية ذاتها التي قررها القضاء، والتي تجعل فكرة النظام العام للحريات العامة تقوم بدور فعال وواقعي في حماية الحريات العامة في مواجهة أي تعسف أو استبداد وهذا طبقا للمبادئ التالية: 
1- أن المنع المطلق للحرية غير مشروع بمعنى أن يكون الإجراء ضروريا  أي أن تكون غاية الإجراء الإداري تفادي تهديد النظام العام تهديدا حقيقيا، أو حالة استعجال.
2- أن يتم تقدير جسامة الاضطراب حتى يكون الإجراء فعالا بمعنى أن يكون الإجراء الإداري متوازنا بين تعكير صفو الأمن الذي تريد الإدارة تفاديه بإجرائها وبين الحرية التي يمسها ذلك الإجراء.
3- وأخيرا، أن يكون هذا الإجراء الذي سيضيق على الحرية متناسبا مع طبيعة الخطر الذي يهدد النظام العام، فالتضييق على الحرية قد يكون مشروعا متى كان الهدف منه توفر حرية أو غاية أخرى أكثر أهمية.
وقد بدأ الاهتمام بحقوق الإنسان بالمغرب وفق المعايير التي تحددها المواثيق الدولية، ليس وليد الثمانينات من القرن العشرين كما يزعم البعض، وإنما ترجع بذوره الأولى إلى مرحلة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وهناك من يرى بأن التأريخ لحركة حقوق الإنسان بالمغرب قد بدأ في فترة ما قبل الحماية.
ولـئن عهـد الدسـتور جانـب التنظـيم فـي شـأن هـذه الاجتماعـات إلـى القـانون، إلا أنـه ينبغـي ألا يتضـمن هـذا التنظـيم الإخـلال بهـذا الحـق أو الانتقـاص منه، وأن يلتزم بالحدود والضـوابط التـي نـص عليهـا الدسـتور، فـإن جـاوزه إلـى حـد إهـدار الحـق، أو تعطيـل جـوهره أو تجريـده مـن خصائصـه أو تقييـد آثـاره، أو خـرج عـن الحـدود والضـوابط التـي نـص عليهـا الدسـتور لابد من تطبيق القـانون لتقويم ما جاء مخالفا للدستور.
وبالتالي، فإن سلطة الإدارة التقديرية ليست مطلقة وإنما مقيدة بتحقيق المصلحة العامة، ومن ثمة فإعطاء هذه السلطة للإدارة لا يعني أن تكون الإدارة حرة إنما تبقى لها سلطة تقديرية في ظل الإطار العام للمشروعية تحت رقابة القضاء من ناحية ، وأن يتم من ناحية أخرى التوفيق بين مبدأ المشروعية والسلطة التقديرية للإدارة.  بمعنى أنه مهما كان للإدارة من سلطة تقديرية، فمن المستقر عليه في القضاء الإداري أن الإدارة في ممارستها لأي سلطة تقديرية تلتزم بضرورة استهداف المصلحة العامة (وهي تمكين الأفراد من ممارسة حرياتهم في التجمع أو التظاهر)  في قراراتها وإلا كان قرارها معيبا بعيب إساءة استعمال السلطة. 
وهذا هو الاتجاه الذي سلكه مجلس الدولة في فرنسا، بحيث لم يعترف للإدارة بسلطات لا حدود لها أثناء استخدامها لأساليب الضبط الإداري، ولذلك وضع العديد من الحدود والضوابط على هذه السلطة، فقرر مثلا أن الإدارة لا تستطيع منع مظاهرة أو تجمع، إلا إذا كان ثمة تهديد بوقوع اضطرابات جدية ومحددة المعالم، وإلا كان قرارها معيبا بإساءة استعمال السلطة .
المبحث الأول، الحرية والإصلاح الحقوقي في المغرب خلال القرن 20 
تاريخيا تعتبر الحركة الإصلاحية والحقوقية في المغرب نتاجا وانعكاسا لسياقات داخلية، إقليمية ودولية، بدءا بإرهاصاتها منذ أواخر القرن 19 وبدايات القرن 20، وفي فترة الحماية، وكذا مرحلة الاستقلال، حيث عرف المغرب تطورا لافتا للحريات العامة من حيث التنصيص على حرية الصحافة والإعلام، والتشديد على إطلاق حرية التعبير..  
ثم تشكلت الحركة الحقوقية كقوة في المجالين السياسي والاجتماعي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مرورا بمسلسل التحول السياسي في التسعينيات نحو فتح باب المشاركة والتخلي التدريجي عن القمع والعنف وانتهاكات الحقوق السياسية والمدنية المنهجي من جانب الدولة.
       وقد اتسمت علاقة الدولة بالحركة الحقوقية بالقمع والتجاهل المنهجي تارة وبمحاولة الاحتواء تارة أخرى، حتى انخرطت الدولة فعليا منذ مطلع التسعينيات في عملية اعتراف التدريجي بالحركة الحقوقية، عبر إجراءات العفو والمصالحة وفتح ملفات ماضي الاعتقالات والتعذيب والاختفاءات القسرية.

الفقرة الأولى، فترة ما قبل الحماية 

      شعرت الدولة والأعيان من العلماء والفقهاء وعامة المجتمع المغربي، بضرورة إصلاح سياسي، فرضته الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وقد بدأت مطالب بناء نظام دستوري مؤسس للحريات والحقوق بالمغرب منذ بداية القرن 20، إذ علت بعض الأصوات داخل النخب المغربية  للحديث عن إطار قانوني يتضمن مقتضيات تؤسس لهذا النظام، وكان أبرزها مشروع دستور علي زنيبر  لسنة 1904، وقبله ببضع سنوات المشروع الإصلاحي لعبد الله بنسعيد .
        ويقول جاك كايي حول هذا المشروع الدستوري:«هناك مجهود بيِن للتنظيم واقتراحات متعددة من شأنها إيجاد حل للحياة السياسية والمؤسساتية في المغرب في بداية القرن..». وهكذا يكون المولى عبد العزيز قد توصل بمشروعي إصلاح لأوضاع المغرب الأول من طرف عبد الله بنسعيد والثاني من طرف علي زنيبر. 
ثم ظهر مشروع دستور 1908 الذي طالب بملكية دستورية، وقد جاء هذا المشروع كاستجابة لمواجهة تداعيات الوضعية السياسية الخانقة التي كان يعيشها المخزن المغربي وكمحاولة جادة لدمقرطة الحياة السياسية في مغرب القرن 20، متضمنا لجملة من الحقوق المدنية والسياسية إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وتحت عنوان أبناء الدولة الشريفة حقوقهم وواجباتهم العامة، خصص واضعو هذا المشروع 23 مادة تطرقت إلى جل الجوانب التي تهم حقوق الإنسان بمفهومها العصري، وتضمن المشروع ثلاثة أبواب من بينها باب لحقوق المواطنين وواجباتهم: الحريات العامة في العمل والقول، وتأمين المواطنين على حريتهم الشخصية، كحرمة المسكن وحرية الإقامة ومنع التعذيب وعدم مشروعية كل عقوبة لا يقرها القانون، وجعل عقوبة الإعدام والعقوبات الشاقة من اختصاص منتدى الشورى، كما تضمن المشروع المساواة في الحصول على الوظيفة، وإلزامية التعليم الابتدائي واحترام حق الملكية الخاصة. 
وقد أقر واضعو المشروع مبدأ "الحرية الشخصية"   طبقا للمادة 13 مثلما تبنوا مبدأ "الكفاءة الشخصية". فالمناصب لا يجب أن تعطى بواسطة نافذي الكلمة، ولا بالأموال أو الوسطاء، كما منع مشروع دستور 1908 ظاهرة "التسخير" ، مثلما أبطل سياسة قسمة الغنائم، بحيث لا يسمح لعساكر المخزن عند مقاتلة قبيلة من القبائل أن ينهبوا مواشي القبيلة ودوابها وأشياءها ويقتسموها بينهم حسب العادة المعروفة، فكل قائد يأتي ذلك يكون مسئولا أمام منتدى الشورى والسلطان .
أما على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد أقر المشروع الدستوري السالف الذكر احترام حق الملكية، فـ "كل مغربي آمن على ماله وملكه ولا يسوغ لهيئة الحكومة أن تأخذ من أحد ملكه إلا إذا كان ضروريا للمتعة العامة (المصلحة العامة)" . ويشترط في ذلك ضرورة إصدار قرار من منتدى الشورى ومصادقة السلطان كتابة على هذا القرار على أساس أن يدفع لصاحب الملك ثمنه الحقيقي سلفا، كما نصت المادة الخامسة عشرة على إلزامية التعليم.
وقد عمل المشروع على استهداف وضع حد للاحتكار المطلق الذي كان يمارسه السلطان في انفراده بممارسة السلطتين السياسية والتنفيذية بشكل يجعل من وزرائه مجرد منفذين لقراراته، وفي أحسن الحالات مستشارين. لذلك طالب أصحاب هذا المشروع "بإحداث تنظيم حكومي مبني على أسس وظيفية يتم تسييره عن طريق هيئة من الموظفين تتمتع بحقوق وواجبات وتتقاضى أجرا ومعاشا للتقاعد، كما أصبحت المالية العامة بدورها موضوعا لإعادة التنظيم، وتم لنفس الغاية ضمن نفس المشروع وضع اللبنات الأساسية لنظام تربوي حديث .
وإذا كانت الحرية قد تم اعتبارها من قبل عدد من رجال الفكر والفقهاء المغاربة بأنها لا تستلزم إسقاط حقوق الله تعالى، أو حقوق الوالدين، أو حقوق الانسان، فإنها حرية معترف بها شرعا، ومع ذلك تدرج المجتمع المغربي الى صياغة الحرية صياغة قانونية واضحة، حيث ورد في مشروع دستور 1908 بخصوص الحرية ما يلي، "إن الحرية الشخصية تقوم بأن يعمل كل واحد ما يشاء، ويكتب ما يشاء، مع مراعاة الآداب العمومية" .
      وقد حاول مشروع دستور 1908 أن يضع قوانين للمؤسسة الملكية، من خلال نصه على تنظيم علاقة المواطن بالدولة وعلى إجبارية التعليم وتعميمه وبناء مدارس متخصصة في الزراعة والصناعة. ويظهر أنه مستوحى من أعراف الدستور البريطاني ونسبيا من الإسباني أكثر بكثير من الفرنسي.
       وقد تميزت هذه المرحلة بوعي سياسي كبير ومتقدم وبنزوع تنظيمي أكثر وضوحا نحو وضع دستور يؤطر عمل السلطة بمقترحات دستورية، متأثرة بانفتاح على الوضع الخارجي، وإرادة الهيمنة التي كان الأوربيون يحاولون بسطها على المغرب، فتم خلق مجلس الأعيان سنة 1905 والبيعة المشروطة للسلطان والتي سميت بالبيعة الحفيظية (نسبة إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ  1908-1912) محمولة بالتزامات دستورية هامة .
       وإذا كان رواد الاصلاح المغاربة قد كافحوا من أجل تعزيز الحرية للدفاع عن الاهداف الاصلاحية الدستورية والسياسية والاجتماعية، والعمل على تنوير الرأي العام المغربي بحقوقه وواجباته بواسطة منابر إعلامية أو هيئات حقوقية ، إلا أن هذه المشاريع لم ترى النور بسبب العداء الخفي ومقاومتها من طرف السلطان عبد الحفيظ، مما فسح المجال أمام المستعمر ليحقق أطماعه بإخضاع المغرب للحماية.

الفقرة الثانية، فترة الحماية

        سلكت فرنسا ومعها عدد من الدول الأوروبية الكبرى في القرن التاسع عشر وبداية القرن 20 سياسية توسعية على حساب شعوب القارات الأخرى، وأخضعتها لهيمنتها سياسيا واقتصاديا. فكانت معاملتها لها معاملة المنتصر للمنهزم من دون أي اعتبار لحقتها في تقرير مصيرها، ولحقوق الإنسان بصفة عامة. فعلى المستوى السياسي أصبحت القوى الاستعمارية سيدة الأمر بالمستعمرات على حساب سيادتها واستقلالها. وعلى المستوى الاقتصادي فتحت البلدان المستعمرة عنوة للبضائع الأوروبية على حساب بضائعها المحلية، ووقع ابتزاز مواردها، وبالتالي انتهاك حقها في التنمية، إذ انتقل قسط كبير من هذه الموارد لفائدة القوى الأوربية وجالياتها القاطنة بالمستعمرات. هذا جانب سياسة التمييز التي يقوم عليها النظام الاستعماري لاسيما على مستوى التعليم، حيث يخصص جل المدارس الي أنشئت على كاهل ميزانيات للأوربيين المقيمين بها، في حين أنهم لا يمثلون سوى جزء صغير من سكانها. ومثل هذه السياسة تتنافى بطبيعة الحال مع مبدأ المساواة أمام القانون، وبالتالي مع حقوق الإنسان. ويتجلى ذلك بأكثر وضوح في المجال السياسي، حيث يتمتع الأوروبيون بجميع الحريات والحقوق والضمانات في حين يعاني السكان الأصليون القمع والفقر والاستبداد وشتى التجاوزات. 
      ولم يكن المعمرون يعدون عملية دمج الأهالي، أي المساواة بينهم وبين الأوروبيين، ممكنة ولا مرغوبا فيها، فمصير السكان الأصليين، حسب النظرية الداروينية السائدة آنذاك ، هو الاضمحلال على غرار الهنود الحمر في أمريكا. فلم تجد إذن حقوق الإنسان والمواطن حظها، في المستعمرات. وبينما كانت القوى الاستعمارية ترفع شعار الرسالة الحضارية لتبرير الاستعمار؛ فإنها لا تتوانى في انتهاك حقوق الشعوب المستعمرة.
      وفي مجال الحريات العامة، كانت المرتكزات الأساسية لقانون الحريات العامة، خلال نظام الحماية هي ظهائر 27 أبريل 1914، و9 فبراير 1918 و20 نونبر 1920 حول الصحافة، وظهير 24 ماي 1914 المنظم للحق في تأسيس الجمعيات ،و ظهير 26 مارس 1914 حول حرية الاجتماع .وتستمد هذه النصوص روحها من التشريع الفرنسي، لكن درجة ليبراليتها كانت أقل، لدوافع سياسية مرتبطة بضمان استمرارية الحضور الفرنسي بالمغرب.فعلى سبيل المثال تميز ظهير 24 ماي 1914 بطابعه التضييقي ، حيث كان يفرض على كل من يريد تأسيس جمعية، سواء كان مغربيا أو فرنسيا، ضرورة التصريح القبلي بذلك، كما كان يمنح للإدارة حق المراقبة الإدارية الضيقة، التي تصل إلى حد معارضة تأسيس جمعية ما ، في أجل ثلاثة أشهر انطلاقا من التصريح الأخير. وفي مجال الحريات العامة، كانت المرتكزات الأساسية لقانون الحريات العامة، خلال نظام الحماية هي ظهائر 27 أبريل 1914، و9 فبراير 1918 و20 نونبر 1920 حول الصحافة، وظهير 24 ماي 1914 المنظم للحق في تأسيس الجمعيات،    وظهير 26 مارس 1914 حول حرية الاجتماع. وتستمد هذه النصوص روحها من التشريع الفرنسي، لكن درجة ليبراليتها كانت أقل، لدوافع سياسية مرتبطة بضمان استمرارية الحضور الفرنسي بالمغرب.فعلى سبيل المثال تميز ظهير 24 ماي 1914 بطابعه التضييقي، حيث كان يفرض على كل من يريد تأسيس جمعية، سواء كان مغربيا أو فرنسيا، ضرورة التصريح القبلي بذلك، كما كان يمنح للإدارة حق المراقبة الإدارية الضيقة، التي تصل إلى حد معارضة تأسيس جمعية ما في أجل ثلاثة أشهر انطلاقا من التصريح الأخير..
        وقد نجمت عن كل ذلك حركات وطنية رفعت تدريجيا مبدأ حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، وطالبت بالمساواة أمام القانون لحماية الأهالي من جميع التجاوزات الاستعمارية، حيث عملت الحركة الوطنية على التصدي للاستعمار والاستبداد والدفاع عن حقوق المغاربة وذلك بالمطالبة بالمساواة أمام القانون، وكذلك في الأجور والضرائب والتعليم بينهم وبين الفرنسيين، والفصل بين السلطات وتوفير الحقوق السياسية والحريات العامة وجميع الضمانات ضد التجاوزات، كما كان هو الشأن بالنسبة إلى الأوربيين، ووضع حد لسياسية التمييز التي تتناقض مع المبادئ والقيم المستوحاة من ثورة 1789 التي يستند إلهيا النظام الجمهوري الفرنسي.
        وهكذا كانت المطالبة بإستقلال المغرب لصيقة بالمطالبة بالحرية، حرية الدولة والافراد من المستعمر الفرنسي، بحيث تمحورت المطالبة بالإصلاح في إطار الحماية حول برنامج المطالب الذي تمخضت عن كثلة العمل الوطني في فاتح ديسمبر 1934، وتم تقديم عريضة للملك والاقامة العامة تتضمن جملة من الحريات العامة من جهة، كوضع حد للتمييز العنصري، وتكوين كجمعيات والحق في التظاهر والصحافة وحرية العمل السياسي ومنع الاعتقالات. وذلك بالرغم من إصدار ظهائر خاصة ظهير 1936 بشأن تنظيم المظاهرات، الا ان سلطات الاستعمار منعت المغاربة من ممارسة هذه الحقوق، وتنظيم المجالس التمثيلية من جهة أخرى.
كما لا يجب أن ننسى المطالبة بالاستقلال من خلال وثيقة 11 يناير 1944.

الفقرة الثالثة، مرحلة الاستقلال

واجه المغرب بعد الاستقلال تحديين أساسيين: استكمال وحدته الترابية، وإرساء دولة القانون والمؤسسات.
وقد كان اختيار أغلبية القوى السياسية للبلاد غداة الاستقلال، أن تمنح الأولوية لبناء الدولة وللتنمية في أغلب المناطق المحررة من المملكة، مع مواصلة الكفاح لتحرير المناطق التي لا تزال سليبة. ومع نهاية هذا الكفاح، اختار بعض قادته التموقع في معارضة النظام، معارضة كانت مطبوعة ببعض أعمال العنف، بشكل متعارض مع مجموع القوى السياسية الأخرى. 
وإذا كانت الحركة الحقوقية في المغرب قد ظهرت أولا على شكل مطالب قانونية 
وأخلاقية قبل الاستقلال في منتصف الخمسينيات، فإنها لم تتوقف منذ ذلك الوقت . ويمكن رصد علاقة الدولة التي قامت بعد الاستقلال مع المجتمع الحقوقي من خلال رغبة الأولى في الحفاظ على هوية مركبة تمزج بين التقليد والحداثة مع احتواء المجتمع المدني، فالدولة أي السلطة الحاكمة هي التي أنشأت في عقدي ما بعد الاستقلال المؤسسات التي تحتاج إليها، وهي التي تغذيها وتوجهها وتمنحها السلطة والنفوذ، وقد سعت دائما لأن تبتلع المجتمع المدني (بما فيه الحركة الحقوقية) فلا تترك مجالاً لقيام مؤسسات خارجها .
إلا أن هذا لم يمنع أن يشهد المغرب خلال السنين الأولى لاستقلاله أول قانون للحريات العامة ضم قانونا ينظم عمل الجمعيات، وثانيا ينظم التجمعات، وثالثا ينظم الصحافة.
وقد كانت السمة المميزة لهذه القوانين ارتكازها على مبدإ الحرية في التأسيس واعتماد نظام التصريح عند الإيداع، وهو تقدم وتطور ينسجم مع منطق الأشياء ومع مقتضيات حقوق الإنسان، لكن عدم التدقيق في الصياغة القانونية للفصول والطبيعة المخزنية التسلطية لرجال السلطة وأجهزتها، أفرغا هذا المبدأ من محتواه وحولاه إلى نظام ترخيصي، بحيث أصبح كل ذلك خاضعا لمزاج السلطة ولخصوصيات كل مرحلة.
الفرع الأول، العهد الملكي 1958 
        في ظل الصراعات الطاحنة بين القوى السياسية المغربية والتي ظهرت إلى العلن تناقضاتها الداخلية، خصوصا في ظل التوجه السياسي لدى حزب الإستقلال نحو إقامة نظام الحزب الوحيد بالمغرب والسيطرة على الحياة السياسية وسط معارضة شديدة من أحزاب الشورى والإستقلال، والحركة الشعبية، والأحرار المستقلين، وحزب الوحدة المغربية وكذا من قبل الملك الراحل محمد الخامس المعارض لمحاولة الإستقلاليين الهيمنة على المشهد السياسي المغربي، فقد قام بإفشال مسعاهم عبر خطوتين تتمثلان أولا في إصداره لأول وثيقة دستورية تحت اسم "العهد الملكي" في 8 ماي 1958، أي بعد مرور عامين من الاستقلال، والذي تضمن المبادئ المؤطرة للحقوق والحريات والمؤسسات المراد إقامتها، كما حدد طبيعة نظام الحكم على أنه ملكية دستورية، ذات نظام سياسي تعددي، والتي ستتم تزكيتها في الدستور المغربي الأول لسنة 1962، حيث تمت ”دسترة” التعددية السياسية، وبالتالي سد الطريق أمام أي إمكانية لهيمنة قوى سياسية بعينها على المجال السياسي، وفتحها بالمقابل أمام إمكانية تأسيس قوى سياسية جديدة. وثانيا عبر إصداره لقانون الحريات العامة في 15 نوفمبر 1958 الذي وضع الإطار القانوني لتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية.
  ويعتبر العهد الملكي الصادر سنة 1958 اللبنة الاولى لإقرار مبدأ الحريات العامة حيث سعى لتحرير المواطن بعد تحرير البلاد، على اعتبار أن العهد الملكي تضمن الحرص على أن "يمارس رعايانا الحريات الأساسية ويتمتعوا بحقوق الإنسان، فإننا نضمن لهم حرية التعبير والنشر والاجتماع وتكوين الجمعيات ضمانا لا يحده إلا ما يفرضه احترام النظام الملكي وحفظ كيان الدولة ومقتضيات الصالح العام" . وهو ما تم تضمينه في" القانون الاساسي للملكة الصادر 1961".
         وإذا كانت فكرة العهد الملكي لم تكن تشكل حقيقة استجابة طبيعية لتطلع الشعب نحو نظام ديمقراطي، إلا أنها شكلت إجابة على واقع سياسي معين مبني على منطق الصراع على السلطة بين الفرقاء السياسيين المتمثلين في القصر، وأحزاب الحركة الوطنية، وجيش التحرير والمقاومة .
الفرع الثاني، قانون الحريات العامة 1958 
عقب الاستقلال، نشرت الجريدة الرسمية بتاريخ 15 نونبر 1958 قانون الحريات العامة، في إطار اختيار ليبرالي شجع على انطلاق الجيل الثاني من الجمعيات المختلفة المشارب بعد الجيل الأول من الجمعيات المناهضة للاستعمار والتواقة للاستقلال . ويتضمن ثلاثة ظهائر منظمة لحقوق تأسيس الجمعيات والاجتماع والصحافة، تقترب في روحها من قوانين 1881 و 1901 الفرنسية على اعتبار أن استقلال المغرب لم يدشن أية قطيعة مع فرنسا في أي ميدان كان من خلال استنساخ المؤسسات والقوانين. 
         وإذا كانت مظاهر تعثر مسلسل إقرار الحريات العامة في المغرب لا تختلف عن مثيلاتها في اغلب الدول النامية وحتى الغربية حيث تقوم الدولة على مبدأ الا تراجع للسلطة أمام الحرية مع إدخال تعديلات ضيقت من نطاق الحرية مقابل توسيع من صلاحيات الادارة، إضافة إلى الفراغ السياسي في فترة الاستثناء ما بين 1965 و1970 التي تميزت بالتوثر بين المؤسسة الملكية والمعارضة، وما تبعه من اعتقالات وتقييد وانتهاك الحريات.
 لكن اعتماد هذا الظهير واقراره يعتبر في جد ذاته تقييدا للسلطة، كما أن تشبت الدولة بهذه الحريات والحقوق كما هو متعارف عليه دوليا، لا يمكن إلا أن ينعكس إيجابا على حماية هذه الحقوق وضمانها. 
المبحث الثاني، التأصيل القانوني للحريات الجمعوية بالمغرب
        تدخل المشرع المغربي غذاة الاستقلال لتنظيم مجال ممارسة الحريات العامة للأفراد والجماعات، والتي يتعين عليهم وعلى الإدارة احترامها، والتقيد بالمقتضيات المنظمة لها من قبل المشرع. وهكذا سن ما يعرف بمدونة الحريات العامة التي نظمت حق تأسيس الجمعيات بمقتضى ظهير 15 نونبر 1958، كما وقع تغييره وتتميمه والحق في التجمع بمقتضى ظهير 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات، كما وقع تغييره وتتميمه، والحق في التعبير والنشر بمقتضى ظهير 15 نونبر 1958 بشأن قانون الصحافة والنشر، الذي تم نسخه بمقتضى القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر الصادر بتاريخ 10 غشت 2016، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 15 غشت 2016 .

الفقرة الأولى، تأسيس الجمعيات

نظم المشرع المغربي تأسيس الجمعيات بموجب الظهير الشريف رقم 1.58.376الصادر في 15 نونبر 1958 حيث عرف الجمعية بكونها "اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم" ..
وبالرجوع لهذه المادة يتضح أن الجمعية هي إطار للتعاون بين الأشخاص لتحقيق أهداف معينة مشروعة لا يندرج في إطارها جني الأرباح. وتخضع من حيث شروط صحتها للقواعد العامة للالتزامات والعقود.
وطبقا لمقتضيات الفصل الثاني من ظهير 1958 الخاص بالجمعيات، فإنه "يجوز تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية ودون سابق إذن بشرط أن تراعى في ذلك مقتضيات الفصل5". وهو ما يجعل من نظام تأسيس الجمعيات بالمغرب نظاما حرا، إذ يعتبر من أهم الحريات العامة التي تحدد مجموع الحقوق والحريات الفردية والجماعية المعترف بها من طرف الدولة، والتي تتحمل مسؤولية ضمان ممارستها. 
          ونظرا لأهمية هذا الحق، فالمشرع المغربي قد سمى به إلى مصاف الحقوق  الدستورية، حيث كرسه في جميع الدساتير التي عرفها المغرب، وتم التأكيد عليه أيضا في الدستور الحالي (2011) الذي اعتبره من أهم الحقوق والحريات الواجب احترامها من طرف السلطات العمومية لفائدة المواطنين الذين يتفقون على التعاون فيما بينهم على استخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم.
        ولهذه الغاية نجد الفصل 29 من الدستور ينص على أن "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. كما نص الفصل 33 من الدستور على أنه :"على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة  الجمعوية".
ويعتبر ظهير الحريات العامة الإطار القانوني الذي فصل فيه المشرع المغربي أنواع الجمعيات ومسطرة تأسيسها ونهايتها ثم الحقوق المخولة لها.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل الخامس  ، والمعدل بموجب القانون رقم 75.00 بتاريخ 23 يوليوز 2002 نجده قد نص بصيغة الوجوب على أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال. و تنص الفقرة الثانية من هذا الفصل على ما يلي:    "... وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة يسلم الوصل وجوبا داخل اجل أقصاه 60 يوما وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها".
        وبالتالي، فقد اعتمد المشرع المغربي في نظام تأسيس الجمعيات على نظام التصريح وهو نظام محمود بخلاف نظام الترخيص الذي يعتبر نظاما تسلطيا لا يتلاءم وطبيعة الحق في تأسيس الجمعيات، ونظام التصريح يعني أن تقدم الجمعية مباشرة أو بواسطة مفوض قضائي إلى السلطة المحلية ملف تأسيسها وفق الشروط المذكورة أعلاه، تتسلم عنه فورا وصلا مختوما ومؤرخا في الحال، ووصلا نهائيا داخل اجل ستين يوما على الأكثر وإلا جاز للجمعية أن تمارس نشاطها.
        لكن الإدارة أو السلطات المحلية في بعض الأحيان تعمد إلى القيام بمجموعة من الممارسات التي من خلالها التضييق على المواطنين أثناء ممارستهم لهده الحرية من قبيل رفض تسليمها الوصل المؤقت، أو في الحالة ترفض فيها الإدارة تسلم التصريح أصلا، أو في الحالة التي تقوم فيها السلطة المحلية بتسلم التصريح وتسليم الوصل المؤقت للمفوض مباشرة وفي هذه الحالة من حق الجمعية أن تتسلم الوصل النهائي داخل اجل 60 يوما وإلا جاز لها أن تمارس نشاطها بعد هذا الأجل وفق الأهداف المسطرة في قوانينها.
وهذا يعني أن الجمعية تصبح قائمة الذات بمجرد استيفاء شكليات التصريح و أن الوصل المؤقت أو النهائي ليس واقعة منشئة للجمعية لكن غيابه يطرح عدة عراقيل تحول دون قيام الجمعية بنشاطها بشكل عادي.
ولعل هذا ما استقر علية الاجتهاد القضائي المغربي من خلال عدة أحكام وقرارات صادرة عن المحاكم الإدارية ومحكمة النقض. وقد كانت المحكمة الإدارية بأكادير سباقة لوضع مجموعة من المبادئ التي تعمل على حماية الحق في تأسيس الجمعيات حين قضت بأن     "... تأسيس الجمعيات في القانون المغربي يقوم على نظام غير خاضع لأي ترخيص مسبق، والإدارة ملزمة بحكم القانون بتسليم وصل الإيداع، ويختص القضاء وحده بمراقبة المشروعية والملائمة لنشاط الجمعية" . وأكدت ذلك المحكمة الإدارية بالرباط هذا المقتضى فيما يخص رفض السلطة المحلية تسليم الوصل المتعلق بإيداع تغييرات متعلقة بجمعية حينما اعتبرت أن"رفض السلطة المحلية تسليم وصل بإيداع تغيرات متعلقة بجمعية مؤسسة في إطار ظهير 15 نونبر1958 بعلة وجود نزاع بين أعضائها حول تأسيس المكتب الجديد يعتبر قرارا مخالفا لمقتضيات الفصل الخامس من الظهير المذكور ويتعين إلغاؤه لعدم مشروعيته". وهو الاتجاه الذي سارت عليه أيضا المحكمة الإدارية بمراكش، عندما صرحت في حكم لها على أنه “لا يحق للسلطة المحلية رفض تسليم وصل لإيداع المتعلق بتأسيس الجمعيات، القضاء وحده هو المختص بمراقبة المشروعية ومدى احترام الجمعيات للقانون والتزامها به" .
      إلا أن أحكام القضاء الاداري في هذا الصدد لا يتبعه بالضرورة قبول وثائق الجمعيات المعنية أو تسليمها وصل الايداع حيث أنه في حالات اللجوء الى القضاء، فان الحكم ضد السلطة الادارية تكون له قيمة رمزية اكثر منها فعلية .
      وبالتالي، وفي غياب الوصل النهائي، ومن الناحية العملية، فإن الجمعية لا يمكنها ممارسة أي نشاط بصفة قانونية، حيث لا يمكنها استعمال القاعات العمومية في اجتماعاتها، ولا يمكنها تنظيم المظاهرات والمواكب والاستعراضات بالطرق العمومية، و لا يمكنها فتح حساب بنكي لدى المؤسسات المصرفية ولا الحصول على دعم من إحدى المؤسسات أو المصالح التابعة للدولة لأنه عمليا يتطلب للقيام بكل ذلك تقديم الوصل النهائي للجمعية. وفي غيابه فالجمعية تضل معطلة عن أداء مهامها بل أكثر من ذلك فقد يتعرض أعضاؤها للمضايقات وربما المتابعات القضائية بتهمة الانتماء لجمعية غير معترف بها على الرغم من أن هذه التهمة لا وجود لها في القانون المغربي. إذن فالعديد من الجمعيات التي لا تتوفر على الوصل النهائي وتستمر في العمل، فإن الوضع القانوني غير المؤكد يفقدها توازنها، ويحد من أنشطتها، ويخيف بعض أعضائها الحاليين والمحتملين.

 الفقرة الثانية، الاجتماعات العمومية

تم تعريف الاجتماع العام أيضا بأنه: "حق الأفراد في أن يجتمعوا في مكان ما لفترة زمنية لكي يعبروا عن آرائهم أيا كان أسلوب ذلك التعبير أو وسيلته ". 
ويقصد به حق الأفراد في أن يتجمعوا في مكان ما لمدة من الوقت، ليعبروا عن آرائهم  سواء في صورة خطب أم ندوات أم محاضرات أم مناقشات، وبطريقة سلمية. وهذا الحق إما أن يكون في نطاق ضيق ويطلق عليه الاجتماع الخاص، أو أن يكون في نطاق واسع فيطلق عليه الاجتماع العام. 
وقد سبق للفقه أن اعتبر التجمع بأنه "حق الأفراد في أن يجتمعوا في مكان ما فترة من الوقت لعبروا عن آرائهم سواء في صورة خطب أوندوات أو محاظرات أو مناقشات"، كما اعتبر بأن المظاهرات بالمعنى الواسع هي الاجتماعات الثابتة أو المتنقلة التي تتم في طريق أو ميدان عام، وعرفها بكونها"تجمع عدد من الأشخاص يستعملون أماكن عمومية للتعبير عن إرادة جماعية قد تكون متحركة فتكتسي طابع موكب أو ثابتة فتكون عبارة عن تجمع".
أما المشرع المغربي فقد عرف الاجتماع العمومي من خلال الفصل الأول من ظهير الحريات العامة لسنة 1958 باعتباره "كل جمع مؤقت مدبر، مباح للعموم تدرس خلاله مسائل مدرجة في جدول أعمال محدد من قبل". 
       وعلى ضوء هذا التعريف يمكننا استخلاص أربعة عناصر رئيسة محددة للاجتماع  العمومي:
* أولا :تدبير الاجتماع: بمعنى وجود نية مشتركة سابقة لاجتماع المشاركين قصد تحقيق هدف معين، وهو ما يضفي على الاجتماع صبغته التنظيمية. مما يميزه عن الاجتماع العرضي كاجتماع الزبناء في المطعم مثلا. 
 كما يتميز الاجتماع عن التجمهر وهو التجمع الفعلي الذي يقع صدفة ودون تدبير سابق، على اعتبار أن التقاء أشخاص  صدفة ودون أن تكون بينهم أية رابطة لا يعتبر اجتماعا عموميا.
*ثانيا: الطابع المؤقت لاجتماع العمومي:  يتميز الاجتماع عن الجمعية  بكونه يبقى مؤقتا، مادام لا ينشئ أية رابطة سابقة ولا لاحقة بين الأفراد الذين يشاركون فيه، فيما يفرض على الجمعية أن تتسم بوجود رابطة بين أعضائها سواء اجتمعوا أم لم يجتمعوا. كما أنه محدد في الزمان والمكان، وهذا ما دفع الفقيه الفرنسي بيردو إلى القول بأن القيام  باجتماع ما لايهدف سوى إلى التفكير والتنوير جماعة فيما يتوخى من تأسيس جمعية معينة  التشاور والعمل المشترك" .
 *ثالثا، إباحة حضور الاجتماع من قبل الجميع، أي أن يبقى مفتوحا على الجمهور بخلاف الاجتماع  الخاص كاجتماع أعضاء جمعية أو ناد،  والذي يفترض في حاضريه تمتعهم بصفة  العضوية (بطاقة  الانخراط مثلا)  حتى يتاح لهم حضور الاجتماع. 
*رابعا،  ضرورة جدول أعمال محدد، على اعتبار إن جدول الأعمال هو قائمة الأعمال المحددة التي سيناقشها الاجتماع المعين، والتي تكون منظمة وفق التسلسل أو الترتيب الذي أقره الساهرون على الاجتماع، وذلك حتى يعطي خطة واضحة يسير عليها النقاش.
إن حرية الاجتماع تعتبر حقا طبيعياً للأفراد، وتأكيدا للديمقراطية، حيث ترتبط ممارسة حرية الاجتماعات العامة بالحريات الأخرى، إذ تعتبر ممارسة حرية الاجتماعات العامة مكملة لممارسة الحريات الفكرية، وهي الأكثر ارتباطا بحرية الرأي والتعبير، وأن حرية التعبير تفقد قيمتها إذا لم تكن حرية الاجتماع مكفولة ، ذلك لأن تنوع الآراء وتبادلها لا يكون إلا من خلال اجتماع يكفل إظهار تعدد الآراء.
ولقد كرست المواثيق والعهود الدولية ومعظم دساتير دول العالم على حق الإنسان في التجمعات السلمية بداية من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي الصادر في 1789 الخاص بحقوق بالمدنية والسياسية فلقد نصت المادة 11 من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان ضمناً على  احترام حق الأفراد في الاجتماع.
ونصت المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على " لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، ولا يجوز إرغام احد على الانتماء إلى جمعية ما" . 
وتنص المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على " يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية المصلحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم "  .
ويستفاد من النصوص السابقة أن الأصل العام أن الحق في التجمع السلمي مباح ولكن يجوز تقيد هذا الحق في إطار ما يسمح به القانون .
ومما لا ريب فيه، أن ممارسة الحق في الاجتماعات العامة قد تتعارض في بعض الأحيان مع المصالح العامة، والحفاظ على النظام العام، ومن هنا قامت الحاجة إلى ضرورة أن يعالج هذا الحق معالجة تشريعية يتحقق فيها التوازن بين اعتباري حق الفرد والنظام العام. ومن هنا لابد من توضيح الاطار القانوني المنظم للاجتماعات العامة وحدود ممارستها، مما يقودنا إلى التمييز بين الاجتماعات العمومية المباحة منها التي تحتاج الى تصريح وتلك التي لا تحتاج اليه، والاجتماعات المحظورة.
الفرع الأول، الاجتماعات المباحة
        بالرجوع إلى مقتضيات قانون التجمعات العمومية نجده يشير فقط إلى ثلاثة أنواع من التجمعات هي الاجتماعات العمومية، والمظاهرات والتجمهر بنوعيه المسلح وغير المسلح، حيث أخضعها هذا القانون باستثناء التجمهر الذي يعتبر غير مشروع لنظام التصريح المسبق. 
         وسنميز هنا بين الاجتماعات التي لا تحتاج لتصريح والتي لا بد لها من تصريح .
أ- الاجتماعات المرهونة بتصريح: ويتعلق الأمر هنا بكل اجتماع مدبر متاح للعموم، والذي يكون بهدف دراسة مسألة معينة.
          ولكي ينعقد الاجتماع العمومي بشكل  قانوني لابد لأصحابه من احترام المقتضيات  القانونية المتعلقة، بضرورة وضع تصريح مسبق لدى الجهات الادارية المحلية مكان الاجتماع، بحيث يتضمن هذا التصريح جملة من البيانات المتعلقة بضرورة توقيع التصريح من طرف ثلاثة أشخاص يقطنون في العمالة أو الاقليم الذي سينعقد فيها هذا الاجتماع العمومي، ويتضمن أسماء الموقعين وصفاتهم وعناوينهم ونسخة مصادق عليها لكل بطاقة من بطائق تعريفهم الوطنية. وأن يتم فيه تبيان اليوم والساعة والمكان الذي ينعقد فيه الاجتماع، وكذا موضوع الاجتماع.
      ولابد للسلطات المعنية أن تعطي عن كل تصريح كامل وصلا يثبت تاريخ تقديمه باليوم وبالساعة بحيث يحتفظ بهذا الوصل من قبل الأعضاء للإدلاء به  كلما طلبه أعوان السلطة.
      وينعقد الاجتماع بعد 24 ساعة من ايداع التصريح أو 48 ساعة من الارسال المضمون، وذلك لتمكين السلطات العمومية من اتخاذ كافة التدابير اللازمة للمحافظة على الأمن أثناء الاجتماع.
      ويجب أن يكون لكل اجتماع مكتب يتكون من رئيس ومستشارين على الأقل من بين الموقعين على التصريح، وفي حال غياب الرئيس ينوب عنه أحد المستشارين . وطبقا  للفصل السادس من نفس الظهير، فإن هذا المكتب تناط به مهمة المحافظة على النظام والحيلولة دون أي مخالفة للقوانين، ومنع  كل خطاب يتنافى مع النظام العام أو الأخلاق الحسنة، أو يتضمن تحريضا على ارتكاب جريمة. 
وتجدر الاشارة، إلى أنه طبقا للفصل السابع من الظهير السالف الذكر، تم التنصيص على إجبارية حضور الموظف الإداري في الاجتماع العمومي، إذ يحضر دون أن يستطيع أي أحد أن يمنعه من ذلك.
        ويحق  للموظف الاداري أن يتدخل في الحالات التالية:
1-  إما بطلب من المكتب المسير.
2-  في حالة انسحاب المكتب المسير.
3- عدم احترام جدول الأعمال المقدم  في التصريح.
4- حدوث اصطدامات  أو أعمال عنف بين المشاركين.
5- إذا ما  تبين له أن تسيير الاجتماع سيخل بالأمن العمومي.
       وعموما يجب ألا يتم عقد الاجتماع العمومي في الطريق العام، وأن لا يمتد الي ما بعد 12 ليلا، حفاظا على النظام العام بكل مدلولاته، ومن أجل هذا يعمل المنظمون والسلطات المعنية على مراقبة ومنع كل من يحمل السلاح او أدوات خطيرة من الدخول الى مكان الاجتماع، ومراقبة الاجهزة الامنية خارج مكان الاجتماع لحماية النظام العام.
      ويترتب عن مخالفة الضوابط القانونية عقوبات حبسية وغرامات مالية تتراوح بين 2000  و 10000 درهم وحبس شهر وشهرين او بإحدى هاتين العقوبتين فقط. وذلك حسب الحالات التالية، وكذا حسب حالات العود أو توافر أسلحة :
*عقد اجتماع  دون  تصريح  سابق للسلطة الادارية.
* تقديم معلومات زائفة  حول  الهدف  من الاجتماع.
*عقد  اجتماع منعته  السلطة الادارية
*التحريض على  ارتكاب  جرائم.
*الإخلال  بالنظام  العام  والأخلاق الحسنة
*عدم الامتثال لأمر الانصرام الصادر عن الموظف  العمومي الحاضر في الاجتماع. 
        وهكذا، فإذا كان ظهير 1958 ينص صراحة في الفصل الأول من ظهير التجمعات العمومية،على أن الاجتماعات العمومية حرة، ويمكن عقدها دون الحصول على إذن مسبق، فإن ذلك مشروط ببعض المقتضيات القانونية خصوصا في حالة إذا ما تبين بأن هذه الاجتماعات ستحدث اضطرابات خطيرة قد تهدد النظام العام، جاز له منعها، كما يحق للموظف العمومي الحاضر في الاجتماع، أن يفضه إذا ما حدثت  أعمال عنف، أو إذا ما تبين له أن هناك إخلالا بالأمن العمومي، وهو نفس التوجه الذي سار عليه القضاء الفرنسي في قضية بنجامان 
سنة 1933، أي التوفيق بين ضرورة الحفاظ على النظام العام وحرية الاجتماع .
 1- المظاهرات: والتي لم يعرفها المشرع، لكنه نص مباشرة على التدابير الزجرية، وذلك من خلال تحديد شروط تنظيمها .
      ويدخل المشرع المغربي ضمن المظاهرات جميع المواكب والاستعراضات، ويخضعها لوجوب الحصول على تصريح سابق من السلطة المختصة، لأنها تتم في الطرق العمومية للتعبير عن موقف بحمل الشعارات واللافتات او ترديد هتافات، وكذا لأنها تحمل مخاطر عفوية على النظام العام كالميل نحو استعمال العنف ضد الافراد والممتلكات. غير أن المشرع استثنى من الحصول على هذا التصريح الخروج إلى الشوارع العمومية وفقا للأعراف والعادات المحلية التي تعرفها مناطق المغرب، مثل مواكب الأعراس، والتي رغم أنها تعتبر شكلا من أشكال المظاهرات بالطرق العمومية، إلا أن المشرع استثناها من الحصول على تصريح سابق، وكذلك الأمر بالنسبة لمحبي الفرق الرياضية التي تخرج للتظاهر بالشوارع عقب انتهاء مباريات فرقهم، حيث يمكن إدخال هذا الخروج من ضمن المقطع الثاني من الفصل11 إذ أعفاه المشرع من الحصول على تصريح سابق. 
      غير أن الملاحظ لمقتضيات هذا الفصل، يرى أن هناك غموضا يكتنف مفهوم المظاهرات العمومية، مما يخول للإدارة السلطة التقديرية في تأويل مظاهرها.
       وقد حدد المشرع مسطرة وضع التصريح، حيث ينبغي تسليمه إلى السلطة الإدارية المحلية في ظرف ثلاثة أيام كاملة على الأقل و15 يوما على الأكثر قبل تاريخ المظاهرة، وتسلم هذه السلطة في الحال وصلا بالتصريح. وإذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على الوصل، فإن التصريح يوجه إلى السلطة المختصة برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل. 
        ولعل تحديد الآجال السابقة الذكر مرده منح السلطة المختصة باستلام التصريح الوقت الكافي من أجل اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لحماية المصلحة العامة، مع إعطائها سلطة تقديرية لمنع المظاهرة إذا ارتأت أن من شأن المظاهرة الإخلال بالأمن العام وتبليغ ذلك إلى الموقعين على التصريح بمحل سكناهم الوارد في التصريح. وبمعنى آخر فإن التصريح وحده لا يكفي للقيام بها، فالمظاهرة تتطلب نوعا من التعاون بين المنظمين والسلطات الادارية في مجال التنظيم والمحافظة على النظام العام .
        وتجدر الاشارة، إلى ان قانون المظاهرة جاء خاليا من أي اشارة الى امكانية الطعن في قرار المنع، كما ان القضاء الاداري قد لا يستطيع تقدير الظروف التي اتخد فيها قرار المنع، لكن مفهوم دولة الحق يستوجب اعطاء فرصة للطعن في القرارات الادارية المشوبة بالتعسف في استعمال السلطة.
       وفي حالة مخالفة المقتضيات المتعلقة بتنظيم المظاهرات يتعرض المخالفون لعقوبة مالية والسجن. ويتضمن التصريح الموجه إلى الإدارة على ضوء مقتضيات الفصل12 من ظهير التجمعات العمومية، الأسماء العائلية للمنظمين وأسماءهم الشخصية وجنسياتهم، ومحل سكناهم ويوقع عليه ثلاث أفراد يختارون محل سكناهم في البلدة التي تجري فيها المظاهرة ويحدد في التصريح الهدف من هذه المظاهرة والمكان والتاريخ والساعة المقررة لتجمع الهيئات المدعوة للمشاركة فيها وكذا الطرق المنوي المرور منها وذلك من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة حماية للصالح العام.
2-عقوبة مخالفة قوانين التظاهر: نص المشرع في الفصلين 14 و15 على العقوبات السارية ضد كل حالة محاولة للتظليل والمغالطة قد ترد في تصريح غير صحيح او استدعاء للمشاركة في المظاهرة بعد منعها بحيث تعرض صاحبها لعقوبات تترواح بين حبس لمدة ما بين شهر واحد وستة أشهر، وبغرامة تتراوح بين 1200 و5000 درھم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط خاصة ضد:
 : -1 الأشخاص الذين يقدمون تصريحا غير صحيح بهدف التغليط بشأن البيانات المنصوص عليها في الفصل الثاني عشر من هذا القانون أو الذين يوجهون بطريقة ما استدعاء للمشاركة في مظاهرة بعد منعها.
-2 الأشخاص الذين يساھمون في تنظيم مظاهرة غير مصرح بها أو وقع منعها.
كما يعاقب وفقا للفصل 15 بحبس بين شهر وستة أشهر وغرامة 2000 و 8000 درهم وبإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من يوجد في مظاهرة حاملا سلاحا ظاهرا او خفيا، وتكون العقوبة أشد في حالة التكرار بحيث قد تصل إلى حد المنع من الإقامة.
ب- الاجتماعات المعفية من التصريح: ويهم الأمر الجمعيات والهيئات الرسمية المؤسسة بصفة قانونية التي تهدف بصفة خاصة إلى غاية ثقافية أو فنية أو رياضية، وكذا اجتماعات المؤسسات الخيرية والإسعافية... لأن اجتماعاتها تتميز بالاستمرارية .
الفرع الثاني، الاجتماعات المحظورة
       وتشمل التجمهر الذي يتم تعريفه، بأنه تجمع جمهور من الناس في مكان عام أو طريق   عمومي سواء أكان مسلحا أو غير مسلح، بحيث يشكل هذا التجمع خطرا على النظام العام، كما أن هذا التجمع لا يتفرق بعد إنذاره من طرف السلطات العامة المختصة.
         والتجمهر يقصد به كل تجمع جاء نتيجة اتفاق مسبق وغالبا ما يكون عدوانيا لجماعة من الناس في الطريق العمومي قصد الإخلال بالنظام العام أو قصد المساس و الحد من حرية الأفراد. وبالتالي فإن هناك عناصر ضرورية يتكون منها التجمهر، إذا انتفى أحدها سقط وصف أو تكييف التجمهر، فيصبح الأمر مظاهرة أو اجتماعا عموميا أو شيئا آخر ما عدا التجمهر. 
         وحتى يعتبر التجمع تجمهرا وجريمة يجب أن يتوافر على شرطين أساسين:    
- أن يحدث التجمهر في مكان عام أو في الطريق العمومي.
- ألا يتم تفريق المتجمهرين إلا بعد أن يتم إنذارهم. 
        وبالتالي، فان التجمهر حتى وإن كان غير مسلح يعتبر ممنوعا متى كان من شأنه ان يخل بالامن العمومي.
          وإذا كانت مقتضيات الفصل 11 تنص على أن المظاهرات العمومية '' تخضع لوجوب تصريح سابق"، فإن القانون لم يشترط بالنسبة للتجمهر في الطرق العمومية أي تصريح، والشرط الوحيد الذي نص عليه القانون، هو أن لا يكون التجمهر مخلا بالأمن العمومي أو مسلحا كما نص على ذلك الفصل 17 الذي لم يمنع فقط كل تجمهر مسلح في الطرق العمومية، بل منع أيضا كل تجمهر غير مسلح قد يخل بالأمن العام، ووضع شروطا محددة قانونا لتفريقه حسب المادة 19 منه، بحيث يتعين على عميد الشرطة أو كل عون يمثل القوة العمومية والسلطة التنفيذية، أن يحمل شارة وظيفته، ويتوجه إلى مكان التجمهر معلنا عن وصوله بواسطة مكبر للصوت، ويوجه أمره للمتجمهرين بفض التجمهر والانصراف، ويتلو عليهم العقوبات المنصوص عليها في الفصل 20 من القانون نفسه. وإذا لم يستجب المتجمهرون للإنذار الأول، يتعين على عميد الشرطة أو عون القوة العمومية توجيه إنذار ثان ثم ثالث بالكيفية نفسها، ويختمه بعبارة واضحة مفادها، "إننا سنعمل على تفريق التجمهر بالقوة". وفي حالة إصرار المتجمهرين على البقاء وامتناعهم عن الاستجابة لنداء السلطة العمومية، يتم تفريقهم بالقوة لأنهم أصبحوا ضد القانون، ولم يتقيدوا به. 
          وتجدر الإشارة، إلى أن استخدام القوة هنا يدخل في إطار الأسباب المبررة التي تمحو الجريمة، والتي نظمها القانون الجنائي بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 124 منه التي نصت على أنه: «لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية".    
         ويكون تدخل رجال الأمن أو الدرك مبررا بمقتضى القانون حفاظا على الأمن العام، وعلى سلامة وطمأنينة المواطنين الآخرين، غير المشاركين في التجمهر.
         وقد نص الفصل 22 من ظهير الحريات العامة في باب التجمعات العمومية على أنه يمكن لممثل السلطة الإدارية المحلية اتخاذ قرارات مكتوبة في كل وقت حفاظا على النظام العام، بمنع عرض وحمل شعارات ورايات، أو كل علامة أخرى تدعو للتجمهر سواء كان ذلك في الطرق العمومية أو في البنايات والساحات والأماكن المباحة للعموم. 
        ولابد من الاشارة الى أن التجمهر لا يتحقق إلا بقيام العدوانية والاندفاع أو الهيجان من جهة، والعفوية وغير توقع التجمع من جهة أخرى. ومن ثمة فإن غياب العدوانية يمحو قانونيا، الجريمة ويجعل المتابعة غير قانوينة، وهو ما ذهب إليه المشرع المغربي بالتنصيص على الإخلال الفعلي أو المحتمل للأمن العمومي. ويترتب عن ذلك إذا انعدمت العدوانية ولم يعاين ضابط الشرطة القضائية الاندفاع أو الهيجان فلا يمكن وصف تجمع الأشخاص تجمهرا، ولابد من معاينة العدوانية من طرف ضابط الشرطة القضائية وإثباتها في محضر قانوني يضمن فيه محرره وصفته وتاريخ المعاينة ويبين فيه الإشارات والألفاظ أو العبارات التي صدرت عن التجمع والتي تثبت بشكل واضح تحقق شرط العدوانية  .

الفقرة الثالثة، حرية الصحافة

       تلعب الصحافة دورا أساسيا في تقوية البناء الديمقراطي عبر توفير فضاءات ذات مصداقية، لممارسة الاختلاف، وإغناء النقاش السياسي، وتطوير حرية الفكر والتعبير.
       وقد جاءت الثورة الفرنسية لتشير في المادة 11 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن" لسنة 1798 إلى "حرية نشر الأفكار والآراء" التي تعتبرها من الحقوق الأساسية للإنسان، كما تؤكد على حق كل مواطن في "الكلام، والكتابة، والطباعة بشكل حر".
        كما ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأي والتعبير في المادة 19، ونفس الشيء بالنسبة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نص على أنه "من حق كل إنسان في اعتناق الآراء دون مضايقة، والتعبير عنها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، وبالوسيلة التي يختارها".
        أما الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان سنة 1950 فقد أكد على حرية الرأي والتعبير، وكذلك الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان سنة 1969، ونفس الشيء بالنسبة للميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب سنة 1979.
        وقد مر تقنين حرية الصحافة في المغرب عبر نفس المراحل التي مرت منها الحريات الجماعية السابقة الذكر، وان اختلف مسارها نظرا لطبيعة عملها وظروف الاشتغال بها.

1-  حرية الإعلام بالمغرب قبل ظهير 1958
        لقد أقر ظهير 27 ابريل 1914 والمأخوذ في مجمله من القانون الفرنسي لسنة 1881 لكنه أضيق نطاقا منه مبدأ حرية الطباعة وترويج الكتب وربطها باحترام شكليات قانونية مرتبطة تهم  اسم وموطن صاحب المطبعة بالنسبة لأي مطبوع، وإيداع نسختين منه بوثائق الحكومة الشريفة.
       أما بخصوص الصحف الدورية فقد أقر ظهير 1914 في فصله السابع مبدأ حرية النشر شريطة الإلتزام بالقيود الثلاثة التالية، أ- تقديم تصريح سابق الإخبار السلطات عن أحداث جريدة دورية، ب- إيداع نسختين عن كل عدد من الجرائم أو الدوريات إلى السلطات المكلفة باستلامها، ج- ثم ضمانة مالية. 
        وهكذا، فإذا كان ظهير 1914 قد أقر حرية الصحافة، فإنه بالمقابل أخضع الصحف المحلية الناطقة بالعربية أو العبرية، وكذا الصحف الأجنبية التي تدخل المغرب، إلى سلطة المراقبة الضيقة. 
        وإذا كان هذا الظهير يوصف على أنه ليبرالي في بنوذه إلا أنه يتسم في بعض جوانبه بالصرامة والقسوة، خاصة فيما يتعلق بشرط وضع ضمانة مالية لكل من يريد إصدار صحيفة، وذلك لأداء الغرامات التي يمكن أن يحكم بها ضد المسؤولين عن الصحيفة، إلا أن الغرض الأساسي من ذلك هو إضعاف موارد الجريدة المادية.
        وعند صدور المرسوم الفرنسي بتاريخ 2 غشت 1914 المعلن لحالة الحصار خلال بدايات الحرب العالمية الأولى، إمتدت مقتضياته بشكل آلي إلى المغرب متضمنة الرفع من صلاحيات الحاكمين ومنحها سلطات واسعة سيترتب عنها نظام استثنائي لقانون الصحافة لاسيما في نقطتين أساسيتين، خصوصا على مستوى الاختصاص القضائي حيث أعطيت الصلاحية للمحاكم العسكرية للنظر في القضايا الناجمة عن جرائم الصحافة كيفما كانت صفة الفاعل الأصلي أو المساهم. ثم منح السلطات العسكرية الحق في منع أو حجر المنشورات المخلة بالنظام.
        وقد تلت هذا الظهير تشريعات كثيرة ومتنوعة تمس بيع الصحف بالشوارع العمومية، وتلك المرتبطة بالايداع الرسمي لبعض النسخ، أو تلك المتعلقة بالجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة وغيرها، كظهير 20 نونبر 1920 وظهير 26 يونيو 1936 تم ظهير 18 أكتوبر 1937 وهي نصوص ما جاءت إلا لتضييق الخناق على كل نشاط صحفي يحاول التحرك خارج أهداف ومصالح الحماية الفرنسية.
        ومن ثمة يمكن القول أن حرية الصحافة والإعلام بالمغرب قبل ظهير 1958 عرفت تشريعات غزيرة من أجل إقرار حرية الصحافة، إلا إنها كانت خاضعة لرقابة ضيقة من طرف سلطات الحماية.
2- حرية الإعلام بالمغرب بعد صدور قانون الحريات العامة 1958
         اهتم ظهير 1958 المتعلق بحرية الصحافة بتحديد النظام الإداري لها وقمع الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة بطريقة أكثر ليبرالية يحمل بين سطور مواده تعبيرا عميقا عن مدى تشبع واضعيه بروح الديمقراطية، إلا أن التطور الذي عرفه المغرب في مجال الحقوق والحريات العامة أدى إلى إدخال مجموعة من التعديلات على ظهير 1958.لاسيما التعديل الثاني بمقتضى ظهير 28 ماي 1960، الذي نص على إجراءات زجرية وقائية خاصة بجرائم الصحافة والتي تعطي لوزير الداخلية سلطة الأمر بتوقيف الجريدة أو المطبوع الدوري الذي قد يمس بالأسس الدينية والسياسية للدولة.
       أما تعديلات 10 أبريل 1973، فقد وصفت بأنها الأشد قساوة والأكثر عمقا وتنوعا، وبحكم كونها غير خاصة بقانون الإعلام والاتصال فقط، بل مست قانون الحريات العامة المغربي من جمعيات وتجمعات وتظاهرات …الخ . ولقد انصبت تعديلات ظهير 1973 على تقوية مراقبة الصحافة بتشديد الخناق عليها.
     أما تعديلات القانون رقم 00-77 بتاريخ 03 أكتوبر 2002  ، فقد جاءت محملة بمطالب الجمعيات الحقوقية والنقابة الوطنية للصحافة وكذا مقترحات المناظرة الوطنية للإعلام لسنة 1993، وذلك بهدف حماية حرية الصحافة وتنظيم ممارستها ووضع ضمانات تحمي الصحفيين من التعسف والشطط الذي قد تتعرض له من طرف الإدارة، رغم إبقائه على عدم الفصل بين أحكام قانون الصحافة والقانون الجنائي.   
      وحاول هذا القانون تتميم ما جاء به القانون الأساسي للصحافيين المهنيين الصادر سنة 1995 ومواكبة التطورات التي يعرفها القطاع الإعلامي، مستحضرا ما نص عليه الدستور من خلال تأكيده على حرية الرأي والتعبير. وقد جاء هذا القانون مؤكدا على:
  - تكريس حق المواطن في الإعلام وحق وسائل الإعلام في الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومات من مختلف مصادرها ما لم تكن هذه المعلومات سرية بمقتضى القانون.  
  - أصبح وزير الإتصال مختصا بإصدار قرار معلل يمنع بأن تدخل المغرب في الجرائد والنشرات الدورية أو غير الدورية، المطبوعة خارج المغرب التي تتضمن مسا بالدين الإسلامي  أو بالنظام الملكي، أو بالوحدة الترابية، أو تتضمن ما يخل بالإحترام الواجب للملك أو بالنظام العام.
 - تخويل وزير الداخلية صلاحية الحجز الإداري لكل عدد من نشرة دورية أو جريدة تمس بالنظام العام أو بالمقدسات الوطنية أو تتضمن إهانة في حق جلالة الملك أو العائلة الملكية، وذلك بمراعاة ضرورة تعليل هذا القرار.
- تعويض العديد من العقوبات الحبسية، بالغرامات المالية أو بتخفيض المدة القصوى للعقوبات الحبسية، مع رفع مستوى الغرامات المالية.
  - منح الكاتب أو الصحفي المهتم اجل 15 يوما لتنظيم دفاعه أمام القضاء، تعزيزا لحقوق الدفاع، مع وجوب تبيان الفعل الجرمي موضوع المتابعة وتكييفه، وتحديد النص القانوني المنطبق عليه، تحت طائلة بطلان الاستدعاء المعتبر أساس الدعوى العمومية
وقد آثار موضوع العقوبات السالبة للحرية جدلا واسع النطاق خلال سنة 2003 على إثر المتابعات القضائية التي تمت في حق بعض الصحفيين والتي انتهت يصدور أحكام قضائية بالإدانة بعقوبات حبسية. وقد أبانت تلك الحالات والأحكام الصادرة بشأنها عن عدم إرتياح الرأي العام.  
     كما أن القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري ، فقد وضع الإطار
القانوني لتحرير المجال الذي انطلق مع تأسيس "الهاكا"، وإصدار قانون بإنهاء احتكار الدولة للبث الإذاعي والتلفزي. 
     ويهدف القانون إلى النهوض بممارسة حرية الإتصال السمعي البصري، وضمان حرية التعبير الفردية والجماعية، والإلتزام بأخلاقيات المهنة واحترام حقوق الإنسان بما تحمله من عدم المساس بكرامته وبالحياة الخاصة للمواطنين، وبالتعددية الفكرية وبمبادئ الديموقراطية. 
     كما ينص القانون كذلك على دعم وتطوير القطاع العمومي للإتصال السمعي البصري، ومده بمقومات الجودة للقيام بمهام المرفق العمومي، ويهدف إلى تحفيز وتشجيع الإستثمار الخاص بهذا القطاع، وخلق مناخ منتج يعتمد على دعم وتطوير الإنتاج السمعي البصري في هذا المجال. 
      وقد نص القانون في المادة 3 على أن الاتصال السمعي البصري ، وذلك يعني أن هذا القطاع يمكنه العمل بكل حرية مع مراعاة الضوابط، حيث يقوم بإعداد برامجه بدون تقييد، مع الحفاظ على الطابع التعددي لتيارات التعبير.   
      كما حاول هذا القانون وضع الإطار القانوني الذي يحدد القواعد العامة والضوابط الأساسية الرامية إلى هيكلة وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري بغية مواآبة التطورات المتعددة والتحولات السريعة التي يعرفها حقل الاتصال السمعي البصري ، فضلا عن تنمية هذا القطاع الحيوي وجعله أداة للتنمية. كما شدد على أهمية النهوض بممارسة حرية الاتصال السمعي البصري وضمان حرية التعبير الفردية والجماعية والالتزام بأخلاقيات المهنة واحترام حقوق
الإنسان، وللتعددية الفكرية ولمبادئ الديمقراطية.
      ولعل بداية الألفية الثالثة فرضت مستجدات كان من الضروري أن تدفع إلى تحيين القوانين لتساير التطور في الميدان أمام عولمة الإعلام وتدفق المعلومات وبداية أفول الصحافة الورقية، وإقبال المستهلك على الصحافة الإلكترونية التي غدت رقما صعبا يستحيل تجاهله في الميدان الإعلامي وكان من تجليات ذلك المخاض. وهكذا في 10 غشت 2016 صدرت مدونة الصحافة والإعلام متضمنة ثلاثة قوانين هي :
 – قانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر 
 – قانون 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين
– القانون 90.13 القاضي بإحداث المحلس الوطني للصحافة  .
       وبصدور هذه القوانين تعززت الترسانة القانونية المتعلقة الصحافة بالمغرب، والتي تضمنت لأول مرة بنودا متعلقة بالصحافة الإلكترونية. وقد تباينت وجهات النظر بين من يرى في القوانين الجديدة (مشروعا واعدا وتطورا كبيرا ومتقدما جدا في  إطار السياق الإصلاحي الذي يعيشه المغرب)، بدعوى أنه يعزز ضمانات الحرية في ممارسة مهنة الصحافة، ويلغي العقوبات السالبة للحرية ويعوضها بغرامات مالية. ولأن القوانين استجابت لمطالب ظل الصحفيون يرفعونها منذ سنوات تتعلق بإلغاء العقوبات الحبسية وإنشاء مجلس وطني للصحافة يعزز أخلاقيات المهنية ويعالج الإشكالات بين السلط التنفيذية القضائية والسلطة الرابعة، وتضمن حرية ممارسة الصحافة الإلكترونية، كقطب هام من أقطاب صاحبة الجلالة…
      وفي المقابل تعرضت القوانين الثلاثة لنقد شديد من طرف من لا يرى فيها سوى "خطوة صغيرة للأمام، وكان بالإمكان أن تكون بصيغة أفضل مما جاءت عليها". وأن قانون الصحافة والنشر كرس"عقوبات حبسية ثقيلة تجاه جرائم المس بالثوابت، حيث لم يحدد المشروع بشكل دقيق تلك الجرائم، مما يعطي القضاء، وهو قضاء ليس مستقلا، سلطة واسعة في تكييف الجرائم". كما أن القانون أكثر من العقوبات الغرامية، بل لم يحدد سقف معظم تلك العقوبات، مما قد يحول القانون إلى أداة للترهيب.
       لكن الشيء الخطير هو صرامة القيود التي كبل بها القانون الصحافة الإلكترونية  لدرجة قد يبدو للمتتبع وكأن القانون يستهدف الصحافة الإلكترونية، عبر منعها أو الحد من تكاثرها، أو تحجيم تأثيرها ودورها على الأقل…
3- حرية الصحافة في دستور 2011
       نص الدستور المغربي في الباب الثاني على مجموعة من الحريات والحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها المواطن المغربي بشكل عام، والصحافة المغربية بشكل خاص، فقد نص عبر العديد من مواده على احترام حقوق الإنسان بما في ذلك حرية الرأي والتعبير اللذين أوردهما في الفصل 25 حيث جاء فيه: "حرية الفكر مكفولة بكل أشكالها… حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة"، وبهذا النص يضمن الحرية في الفكر والرأي والتعبير باختلاف أنواعها، ولتوفير هذه الحرية كان لابد من توفير شروطها، فنص بذلك الفصل 27 على الحق في الحصول على المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيآت المكلفة بمهام المرفق العام.
       ويعتبر هذا التنصيص ذا قيمة دستورية مهمة، مما يمكن الصحفي من حقه الدستوري في الولوج إلى كل المعطيات وفق القانون، مع جعل المعلومة  من حق للجميع لمراقبة وتتبع السياسات العمومية وحماية مصادرالمعلومة، مما يدعم قيم الحرية والشفافية ويمكن من فضح المفسدين والمخالفين للقانون. 
       وينص الفصل 28 صراحة على حرية الصحافة، ويمنع تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، مع الحفاظ على الرقابة البعدية. كما يضمن حق التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ودون قيد.
        وهكذا، ومن خلال الفصل 28 من الدستور، يتضح أن المشرع أراد  نوعا ما أن يدعم مجال الحريات العامة نظرا للدور الكبير الذي تلعبه الصحافة في المجتمع، مع إحاطة هذا الدعم بعدد من المقتضيات التي تتحكم قبليا في ما يصدر عنها أي خلق خطوط حمراء غير مرئية، لكن حاضرة بقوة في ذهن الفاعلين في هذا القطاع.
        كما حدد الدستور في الفصل 28 الهيأة التي تسهر على احترام هذه التعددية، وهي الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري، والتي نص عليها الفصل 165 من الدستور مع تفصيل بعض مهامها، ويعتبر هذا امتيازا محسوبا للميدان الإعلامي عموما، إذ أصبحت "الهاكا" مؤسسة دستورية بنص القانون.
      4- الصحافة بين الحرية والمسئولية الجنائية 
     تعتبر الصحافة من أهم الوسائل التي تضمن للإنسان الحرية، بحيث يمكن القول إن حرية الصحافة تعد مقياسا لحرية الشعوب، فهي تعمل على نقل مختلف الأفكار ولها دور سياسي واجتماعي هام في تنوير العقول ورفع اللبس ونشر الحقائق للناس. إلا أنها لا تعفى من المسؤولية عندما يصدر عن الصحفيين ما من شأنه إحداثه أضرار تمس الفرد من تشهير وقذف،  وحتى النظام العام للدولة التي يقعون تحت نظامها القانوني من إفشاء أسرار قد تمس بأمن الدولة. 
       وقد لا تكونالصحافة ربما وسيلة من الوسائل التي تدفع إلى ارتكاب الجريمة، ولكنها قد تساهم في ارتكابها، وغالبا ما تتمثل هذه الجرائم في التجاوز في ممارسة حرية الرأي. فمن المعروف أن وسائل الإعلام لا تقتصر فقط على نشر الوقائع والأخبار بل تتجاوز ذلك إلى التعليق عليها، كما أنها تعرض الأفكار والآراء الخاصة.
       فالصحافة قد ترتكب أفعالا يتحقق فيها التجاوز في ممارسة حرية الرأي, كالقذف والتنويه بالجنايات والجنح وجرائم إهانة رؤساء الدول والبعثات الدبلوماسية وإهانة الدين الإسلامي والديانات الأخرى وكذلك نشر مداولات الجهات القضائية .
       كما قد ترتكب الصحافة بعض الجنايات التي من شأنها المساس بالنظام العام والأمن العام كجناية نشر أخبار خاطئة مغرضة تمس أمن الدولة والوحدة الوطنية أو تتضمن سرا من الأسرار العسكرية.
      كل هذه الجرائم ترتكب بصفة مباشرة عن طريق الصحافة أو إحدى الوسائل المتصلة بها، ومع ذلك فإن أغلب التشريعات وقوانين الإعلام لم تتضمن تعريف الجريمة الصحفية رغم الأهمية التي تكتسيها والدقة والوضوح اللذين يقتضيهما القانون الجنائي. 
      وتستلزم الجريمة الصحفية كغيرها من الجرائم الأخرى، توافر الركنين المادي والمعنوي، وكذا علاقة السببية بين الركنين لإمكانية قيام المسؤولية الجنائية عنها. إلا أن ما يميز الجريمة الصحفية هو ضرورة توافر عنصر قد لا تعرفه الجرائم الأخرى، ويتعلق الأمر بعنصر العلانية سواء بالقول  أو الكتابة أو التخطيط، وذلك تبعا لنوعية وسيلة الإعلام المقترفة للجريمة.
في إطار الجريمة الصحفية دائما، يمكن القول بأنها تكتسي "طابعا تضامنيا" بين مجموعة أشخاص عاملين في إطار المؤسسة الصحفية، ومرد ذلك هو كون العمل الصحفي ناتج عن مجموعة من المجهودات المبذولة من الأشخاص المذكورين (أي العاملين في إطار المؤسسة الصحفية). 
      إن تطبيق القواعد العامة للقانون الجنائي على جرائم الصحافة يجعل مفهوم المسؤولية واسع النطاق بشكل كبير، إذ سيمتد ليشمل الفاعل الأصلي والمشاركين والمساهمين في كل مرحلة تمر منها الصحيفة، وفي حالةَ انتفاء مسؤولية الفاعل الأصلي تنتفي مسؤولية المشاركين والمساهمين تبعا لذلك في حدود معينة.
       كما يظهر الإختلاف أيضا بين المقتضيات الجنائية وقانون الصحافة فيما يخص قرينة البراءة، فقانون المسطرة الجنائية يعتبر المتهم بريئا إلى أن تثبت إدانته، عكس قانون الصحافة الذي يعتبر المتهم ظنينا يتعين عليه إثبات براءته.
       وتنطوي المسؤولية في إطار الجريمة الصحفية على خاصيات ومميزات هامة تظهر من خلال ما ينص عليه الفصل 67 من قانون الصحافة 03-77 بحيث ينص على أنه، "يعاقب الأشخاص الآتي ذكرهم بصفتهم فاعلين أصليين بالعقوبات الصادرة زجرا للجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة وذلك حسب الترتيب التالي:
-  مدير النشر أو الناشرون كيفما كانت مهنتهم أو صفتهم.
-  أصحاب المقالات المتسببون إن لم يكن هناك مديرون أو ناشرون.
-  أصحاب المطابع إن لم يكن هناك أصحاب مقالات.
-  البائعون والموزعون والمكلفون بالإلصاق إن لم يكن هناك أصحاب المطابع.
-  وفي الأحوال التي تكون فيها الكتابة أو الصورة أو الرسم أو الرمز أو طرق التعبير الأخرى المستعملة في ارتكاب الجريمة قد نشرت في الخارج، وفي جميع الأحوال التي لا يمكن فيها معرفة مرتكب الجريمة أو تعذرت متابعته لسبب من الأسباب، يعاقب بصفته فاعلا أصليا صاحب المقال أو واضع الرسم أو الصورة أو الرمز أو طرق التعبير الأخرى أو المستورد أو الموزع أو البائع".
     ومن خلال الفصل أعلاه، يظهر لنا أن المشرع أقام نوعا من المسؤولية عن فعل الغير، وهي المسئولية المفترضة ، فلم يهدف إلى معاقبة الفاعل المادي للجريمة الصحفية إلا في حالات خاصة، كما أقر المشرع نوعا أخر من المسئولية ويتعلق الأمر بالمسئولية بالتعاقب ، فضلا عن المسؤولية المشتركة . كما أقر المشرع المسئولية المدنية  في حق أرباب الجرائد والمكتوبات الدورية بموجب المادة 68 من قانون الصحافة.
      إن المسؤولية الصحفية تتجلى في مختلف المبادئ التي يجب أن يلتزم بها الصحافي أثناء أدائه لمهامه وفي احترام أخلاقيات المهنة، باعتبارها مجموعة من القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة بشكل حر ومستقل. 
       لكن يبقى أنه لربط الحرية بالمسؤولية لابد من عدم خضوع المطبوعات لرقابة سابقة، من جانب السلطة، لأن هذه الرقابة السابقة تنازل عن الحرية، وهو أمر غير مقبول في جميع الأحوال، بما فيها حالة الظروف الإستثنائية في حالات الحرب والطوارئ. ثم تحديد المجال الذي يخول للمشرع تقييد حرية الصحافة فيه، بمعنى ألاّ يكون في وسع المشرع وضع تشريعات تجرم شيئاً ينفع المجتمع، مع ضمان حق الفرد أو الجماعة في إصدار الصحف من دون اعتراض من السلطة.
      وإذا ما تقررت حرية الصحافة في نصوص الدستور أو القانون، فإن ذلك لا يعني بالضرورة توافر حرية الصحافة، وإنما يتعين توافر ضمانات تدعم هذا الحق أهمها الفصل بين السلطات والارتهان إلى الرقابة القضائية. 

الفصل الثاني، ضمانات الحريات العامة

إن ضمانات ممارسة الحقوق والحريات العامة كثيرة ومتعددة ومن بين أهم هذه الضمانات:
- وجود دستور للدولة، حيث يعتبر الضمانة الأولى في الحقوق والحرية. ولتحقيق نظام الدولة القانونية، فالدستور هو الذي يرسم معالم النظام السياسي في الدولة، ويعمل على تحديد القواعد الأساسية لشكل الدولة، ونظام حكمها، وشكل حكومتها، وتنظيم سلطاتها العامة فيها وكيفية ممارسة هذه السلطات لوظائفها، وحدود اختصاص كل منها. كما أنه ينص على حريات الأفراد الدينية، والسياسية، والمدنية، والفكرية، وينص على حقوق وحريات الأفراد، إذ أن هذا الأخير يعتبر بمثابة قيد على سلطان الدولة.
  - الفصل بين السلطات، بمعنى ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث في الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون الفصل العضوي أو الشكلي فيكون هناك جهاز يستقبل بأمور التشريع وآخر يستقبل بـأمور التنفيذ وثالث يستقبل بأمور القضاء فإذا تحقق ذلك وصار لكل عضو اختصاصه المحدد والذي لا يستطيع تجاوزه امتنعت شهية اعتداء أي من هذه السلطات على الأخر لان السلطة توقف السلطة.
- مبدأ تدرج القواعد القانونية، على اعتبار أن القواعد القانونية في النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة من حيث قوتها و قيمتها القانونية فهذه القواعد تندرج بحيث يكون بعضها أسمى وأعلى من البعض الأخر وهذا ما يستوجب خضوع القاعدة أعلى منها شكلا ومضمونا فيكون بذلك دستور على رأس هذه القوانين.)
  - الرقابة على دستورية القوانين، حيث تتم بواسطة رقابة سياسية أو رقابة قضائية إذ تعمل كل منها على تأكد من مدى مطابقة عمل تشريعي وتنفيذي لأحكام ونصوص الدستور حيث أن عدم تطابق يعني إلغاء القانون الذي لم يطابق أحكام ونصوص الدستور.
- الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، وتكون من خلال رقابة بواسطة هيئة قضائية أو ما يسمى القضاء الإداري الذي يقوم بمراقبة أعمال الإدارة ومدى مطابقتها للقانون.
وسنعمل على تجميع كل هذه الضمانات في مبحثين، أحدهما يتناول الدستور كضامن للحريات والحقوق مع التأكيد على مبدأ فصل السلط. وسيتناول المبحث الثاني الضمانات القضائية بما فيها الرقابة على دستورية القوانين.
المبحث الأول، الدستور المغربي كضامن للحريات والحقوق
         إذا كان الدستور ينظم سلطة الحكم، ويؤسس لفصل السلطات وتنظيمها واختصاصاتها، ويضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد والحريات، وينبثق عنه مبدأي الشرعية وسيادة القانون، فإنه كتشريع أساسي أكد على مكانة الحقوق والحريات الفردية والعامة كفلسفة وتشريع دستوريين، وفقا لما هو وارد في القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن انتهاكات هذه الحقوق والحريات، تتطلب توفير وإيجاد ضمانات قانونية لأجرأة وتنزيل مقتضيات الدستور، وخلق الآليات المؤسساتية الكفيلة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لضمان عدم انتهاكها والقطع مع ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مع التأكيد على سمو القاعدة الدولية للقانون الدولي لحقوق الانسان. 
المطلب الأول، الحقوق والحريات الأساسية في الدستور المغربي
       نص الدستور المغربي لسنة 2011 صراحة في الفقرة الثالثة من الفصل الأول في الباب الأول منه، على ما يلي: "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي". 
فالتنصيص على استناد الأمة في حياتها العامة على الدين الإسلامي السمح باعتباره من الثوابت الجامعة للأمة،  مع جعله في صدارة هذه الثوابت، دليل صريح وبرهان قوي على أن أسس وقواعد النظام العام السائد والجامع لكل المغاربة مستمدة من القيم الإسلامية، وأن الحرية تبقى مقيدة بأن لا تخل بمقتضيات النظام العام أو الأخلاق والآداب العامة التي تسود في المجتمع سواء في الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
      وقد أكد الدستور في الفصل التاسع عشر في الباب الثاني المعنون « الحريات والحقوق الأساسية»، كباب خاص بالحريات والحقوق الأساسية، لإعترافه بمجموعة من الحقوق المدنية والسياسية  والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، بأن جميع الحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد يجب أن تنسجم كلها مع أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، سواء تلك التي  يخولها الدستور، أو تلك التي تدخل في إطار المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، 
     وبالتالي، فقد نص الدستور المغربي على مجمل حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تكريس سمو الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية والتنصيص على العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع مقتضياتها.
      وفي ما يلي عرض للحقوق التي يكفلها الدستور مرتبة كما جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
 - الديباجة، "عدم التمييز في الحقوق"، 
 حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان..."
- الفصل 19، "المساواة في الحقوق"، 
"يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية...".
- الفصل 20، "الحق في الحياة"، 
"الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق". 
- الفصل 21، "الحق في السلامة الشخصية"، 
"لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه" 
- الفصل 22، "الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غير من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية"،
"لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد،جريمة يعاقب عليها القانون"،
- الفصل6، "الحق في المساواة أمام القانون"، 
"القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له"، 
- الفصل 118، "الحق في اللجوء إلى القضاء"، 
"حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون"، 
- الفصل 23، "الحق في عدم الخضوع للاعتقال التعسفي"، 
"لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته،إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات"، 
- الفصل 23، "الحق في المحاكمة العادلة وإعمال مبدأ قرينة البراءة"، 
"قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان"، 
- الفصل 24، "الحياة الخاصة وحرمة المنازل وسرية المراسلات"، 
 "لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون. لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها"، 
- الفصل 24، "الحق في حرية التنقل"، 
"حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون"، 
- الفصل 32، "الحق في الزواج وتكوين الأسرة"، 
"الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية"، 
- الفصل 35، "الحق في الملكية"، 
"يضمن القانون حق الملكية"، 
- الفصل 3، حرية ممارسة الشؤون الدينية، 
"الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"،   
حرية التفكير والرأي والتعبير"، " - الفصل 25،  
حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها"،"
- الفصل 27، "الحق في الحصول على المعلومة"،  
"للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام"، 
- الفصل 29، "حرية التجمع وتكوين الجمعيات والانتماء النقابي"
"حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة"، 
- الفصل 30، "الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة"، 
"لكل مواطن أو مواطنة الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات...والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. التصويت حق شخصي وواجب وطني"، 
- الفصل 2، "سيادة الأمة"، 
"السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم"،
- الفصل 31، "الحق في الشغل والصحة والتعليم" 
"تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة والحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة والتنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة والتكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية والسكن اللائق والشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي وولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة والتنمية المستدامة"،
- الفصل 32، "أهمية التعليم الأساسي"،  
"التعليم الساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة"،
- الفصل 6، "الحق في المشاركة في الحياة الثقافية"، 
"تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية"، 
       وبالإضافة إلى هذه الحقوق، نص الدستور الجديد صراحة على الحقوق الثقافية من خلال الاعتراف بالأمازيغية والحسانية والروافد الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية وعلى حماية الحقوق الفئوية لا سيما حقوق النساء والأمهات وللأطفال والأشخاص المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، كما ينص على معاقبة جريمة الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان. 
المطلب الأول، حقوق الإنسان في الدستور المغربي بين السمو الكوني والخصوصية الوطنية
          عرفت النظريات الدستورية انقساما بين المدافعين عن سمو الاتفاقيات الدولية على الدستور وبين أنصار ضرورة احترام الخصوصية لكل بلد باعتباره أسمى قانون في البلد، وبأنه يجب أن تكون جميع القواعد القانونية مطابقة معه، وأن أي هيئة في الدولة لا يمكنها انتهاكه إلا إذا أجازها الدستور، أما أنصار الاتجاه الأول، فيعتبرون بأن مفهوم الدولة والسيادة أصبحا متجاوزين، وبأن المعاهدات هي تعهدات دولية وعلى الدولة احترامها.
        وقد جاء الدستور المغربي لسنة2011 معبرا بوضوح عن مسألة إعطاء الاتفاقيات الدولية مكانة تسمو على التشريعات الوطنية، إذ نص في ديباجته على، "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة". 
       ويبدو أن المشرع المغربي قد حسم في إشكالية العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي عندما نص صراحة على مبدأ سمو الاتفاقية الدولية، إلا أنه ربط هذا السمو بمسألة نشر الاتفاقية. 
      وفي هذه الحالة لا نكون أمام نظامين قانونيين منقسمين، وإنما أمام نظامين قانونيين أحدهما، وهو القانون الدولي، أعلى منزلة من الآخر، وهو القانون الداخلي، الذي يكون بمثابة التابع. والنظام القانوني الداخلي المنبثق عن القانون الدولي هو بمثابة اشتقاق أو تفويض صادر عن القانون الدولي. وهو التوجه الذي تأخذ به العديد من القرارات الدولية والدساتير الوطنية التي تنص على سمو القانون الدولي على القانون الداخلي .
       ففي التجربة الفرنسية مثلا يعالج الدستور مسألة العلاقة بين القانون الفرنسي والمعاهدات الدولية، بإعطاء الأولوية في التطبيق، عند التعارض، للمعاهدة الدولية وليس للقانون الفرنسي، شريطة أن تتم المصادقة عليها وأن تطبقها الدولة الأخرى ، وهو أمر يفرض على القاضي الفرنسي تغليب أحكام المعاهدة على القوانين الفرنسية الداخلية عند التعارض بينهما.
       وفي هذا السياق شكل دستور 2011 نقلة نوعية فيما يتعلق بالعلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي، حيث نص على الالتزام بحماية منظومة حقوق الإنسان والنهوض بها والإسهام في تطويرها، ومراعاة طابعها الكوني؛ وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان؛ وجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الراسخة، تسمو، فور نشرها على التشريعات الوطنية، ودعا إلى العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة  . 
        كما وسع مـن سلـطة البرلـمان فـيما يتعلـق بتبني مقتضـيات القـانون الدولـي الوضعي حيـث حدد المعاهدات التي تتطلب المصادقة عليها الموافقة بقانون على الشكل التالي : معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو تتعلق بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة . و قد أنيطت بالملك، باعتباره رئيس الدولة وممثلها الأسمى، مهمة احترام التعهدات الدولية للمملكة . كما حدد الجهة الموكول لها بالحسم في المعاهدات التي قد تثير جدلاً فيما يتعلق بتلاؤمها مع الدستور، حيث منح للمحكمة الدستورية صلاحية الحسم في مدى مخالفة التزام دولي ما للدستور، بعد إحالته عليها من طرف الملك أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، أو سدس مجلس النواب أو ربع مجلس المستشارين. فإن أقرت بعدم دستوريته وجبت مراجعة الدستور حتى يتسنى إدماج الاتفاقية في النظام القانوني المغربي . وهو ما يفيد انخراط المغرب في ثقافة ملاءمة تشريعاته مع المعاهدات الدولية عبر القضاء الدستوري.
       وهكذا تم الحسم دستوريا في مسألة سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، أو انضم إليها المغرب، لتحديد طبيعة المرجعية القانونية ذات الأولوية، وكذا الآليات الكفيلة بملاءمتها مع التشريعات الوطنية، والالتزام بما يترتب عن ذلك قانونيا وسياسيا. مما يعد مؤشرا على نضج ودينامية النظام القانوني المغربي، وسلامة مسلسل الانتقال الديمقراطي، خصوصا وأن  سمو القاعدة القانونية الدولية يفضي إلى تقييد الاختصاص الداخلي بما يتلاءم معها، خاصة وأن المغرب قد صادق على اتفاقية فيينا لسنة 1969 بتاريخ 26 ستنبر 1972، التي لا تجيز في مادتها 27 لأحد أطراف الاتفاقية التحلل من الالتزام بها مقابل التمسك بمقتضيات القوانين الداخلية للدول المتعاقدة . وفي هذا السياق تنص المادة 713 من قانون المسطرة الجنائية على أن الأولوية تكون للاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية فيما يخص التعاون القضائي مع الدول الأجنبية.
       وتهدف الملاءمة إلى تحقيق توافق بين التشريعات الوطنية ومضامين التشريعات الدولية المصادق عليها، وبهذا تؤهل التشريعات الوطنية لمواكبة التحولات العالمية في مجال الحقوق والحريات الأساسية، وتعمل على تعديل وإلغاء القوانين التي لا تتماشى مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان . ومن بين المواثيق الدولية ذات الصلة، نذكر منها العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري  والاتفاقية الدولية حول إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، واتفاقية حقوق الطفل ، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم .
المبحث الثاني، الضمانات القضائية
        عند اقرار الحقوق والحريات العامة في مجتمع ما بواسطة النظام القانوني للدولة ينبغي توفر ضمانات لحماية هذه الحقوق والحريات من الانتهاك. وعليه وفي إطار الدولة القانونية، على المشرع أن يضع ضمانات قانونية معروفة لحماية هذه الحقوق والحريات من الانتهاك وتحديد المسؤولية جراء ذلك. و لما كانت الحقوق الانسانية مبادئ دستورية، فإنه وجب على كافة سلطات الدولة احترامها والتقيد بها، وذلك بعدم جواز إصدار قانون أو تعليمات تتعارض مع المبادئ الدستورية لكونها تتصف بالسمو.
        وإذا كان بامكان المواطن اللجوء إلى التظلم غير القضائي عبر قيامه برفع شكوى أمام جهة غير قضائية نتيجة حيف أو غبن أصابه جراء عمل إداري وتحديد المسؤولية ويمكن ان يكون الطلب في الشكوى ذا طبيعة شخصية أو يعبرعن مصلحة عامة لرافع الطلب. فإنه بامكانه اللجوء إلى الطعن القضائي من خلال مجموعة الوسائل المتاحة تحت تصرف الأفراد للطعن ضد نشاط المسؤولين لانتهاكهم قواعد القانون الوضعية، وذلك بالقيام برفع الشكوى امام الجهات القضائية لحمايتهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها، ومن خلال التمسك بقواعد الدستور او بنصوص قانونية محددة .
       وبالتالي ووفقا للنسق الدستوري، تعد السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها، إحدى الضمانات والآليات الأساسية التي تضطلع بوظائف حماية الحقوق والحريات الفردية والعامة من خلال بسط رقابتها على أعمال السلطة التنفيذية، وتولي القضاء الدستوري رقابته على أعمال السلطة التشريعية.
المطلب الأول، دور السلطة القضائية في ضمان حماية الحقوق والحريات 
      إن دور القضاء في حماية الحقوق والحريات لن يكون فعالا، إلا بتوفير ضمانات قانونية تتلائم مع المبادئ الدستورية والدولية، وخلق آليات وطنية، تتمثل أساسا في ضمان إستقلالية القاضي، وتوفير الأمن القضائي للقاضي، والعمل بمحاكم متخصصة، ومن أهمها إحداث جهة قضائية إدارية عليا، لأن دسترة الحقوق والحريات كما هي متعارف عليها عالميا في الإعلانات والمواثيق والصكوك الدولية، يبقى عملا غير كاف كتشريع دستوري لضمان حماية الحقوق والحريات.
     لذلك كان لزاما العمل على إصلاح وتنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بهذا الورش القضائي، وضمان استقلال السلطة القضائية عضويا وإستقلال القضاة شخصيا، باعتبارها أحد أهم المبادئ الكبرى للإصلاح الدستوري، وذلك بالنظر إلى أهمية دور السلطة القضائية في ضمان وحماية الحقوق والحريات، وهوما يعني وجوبا استقلاليتها إداريا ومؤسساتيا وماليا. 
     وقد تضمن الدستور المغربي العديد من المبادئ التي أوكل إلى القضاء وظيفة حمايتها، وذلك بتنصيصه صراحة بانه "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم  وأمنهم القضائي،  وتطبيق القانون" (الفصل 117)، كما أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون والطعن في كل قرار إداري، سواء كان فرديا  أو تنظميا أمام جهة القضاء الإداري المختصة (الفصل 118)، والحق في محاكمة عادلة (الفصل 120)، والحق في التعويض تتحمله الدولة نتيجة خطأ قضائي (الفصل 122)، وبانه يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء الفصل (126) إضافة إلى دسترة العديد من المبادئ ذات الصلة.
     كما استحدث دستور2011 آلية رقابية جديدة لم تكن مألوفة في الدساتير السابقة، مجالها الحقوق والحريات، تسمح للمتقاضين بالطعن في عدم دستورية قانون معين سيطبق في النزاع المعروض على القضاء، وهو ما يعرف بنظام الرقابة اللاحقة لإصدار القانون أو الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق مباشرة مسطرة الدفع بعدم الدستورية (الفصل 133). 
       وإذا كان الدستور المغربي قد تضمن العديد من المبادئ ذات الصلة بالحقوق والحريات في العديد من أبوابه وفصوله، ومن أجل ممارستها وحمايتها، فقد أكد المشرع على مجموعة من الآليات والضمانات المؤسساتية والتشريعية غايتها بناء دولة الحق وتحقيق الأمن القانوني والقضائي، وذلك عن طريق تنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالحقوق والحريات تنزيلا  ديموقراطيا، خاصة بعد دسترة مبدأ عالمية وكونية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئ، وكذا دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة بالحقوق والحريات.
المطلب الثاني، الرقابة على دستورية القوانين
       قرر المشرع المغربي بناء على (الفصل 129) إحداث محكمة دستورية، تتولى الرقابة المركزية على دستورية القوانين دون سواها عن طريق ممارسة الرقابة القبلية أو السياسية على القوانين ومراسيم قوانين، بعد التصويت عليها من طرف البرلمان، وقبل إصدارها أو نشرها.
       كما تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور.
       ومن بين الاختصاصات الجديدة التي أقرها دستور 2011 للمحكمة الدستورية، أن اختصاصها أصبح يشمل حتى المعاهدات الدولية التي صادق عليها البرلمان، فضلا عن منح هذه المؤسسة القضائية اختصاصا جديدا وهو البت في كل دفع بعدم دستورية القوانين؛ وهو ما يعني أن المحكمة أصبحت لها رقابة بعدية على دستورية القوانين، لتضاف على الرقابة القبلية التي كان يمارسها المجلس الدستوري
      إن الرقابة على دستورية القوانين تتخذ شكلين: رقابة سياسية ( قبلية) ورقابة قضائية (بعدية)، ويقصد بها عملية التحقق من مدى تطابق القوانين للدستور، لذلك يصطلح عليها بالرقابة الدستورية، عن طريق معاينة مطابقة القوانين للدستور، قبل إصدارها ، أو بعد أن تصبح نافذة، وبذلك تتخذ مسألة مراقبة دستورية القوانين طريقتين: الرقابة الوقائية وتمتد أيضا إلى النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين والذي لا يخضع لمسطرة الاصدار  وهي رقابة وجوب بإحالة من طرف رئيس كل مجلس ، عكس القانون العادي الذي لا يخضع للرقابة الدستورية إلا بناء على طعن يمارسه ذوي الصفة وهي ما تعرف بالرقابة السياسية، والرقابة القضائية التي تكون في شكل مراقبة عن طريق دعوى أصلية أي رقابـة الإلغاء، أو المراقبة بواسطة الدفع أي رقابة الإمتناع. 
      في الحالة التي تقام بشأنها دعوى لدى الهيئة القضائية المختصة للنظر في الطعن المتعلق بعدم دستورية القانون، إنما يراد من تلك الدعوى إصدار حكم يقضي بدستورية القانون أو عدم دستوريته. فإذا صرح القضاء بعدم دستورية القانون فإنه يعلن إبطاله و إلغاءه. وهذا الطريق من الطعن يعتبره الفقه الدستوري برقابة الإلغاء. أما الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع، فتكون عندما يقرر القاضي إستبعاد العمل بقانون معين، ولا يعمل بمقتضياته بناء على دفع يثار من أحد أطراف الخصومة، ويوصف القانون الذي استبعد بأنه غير مطابق للدستور أو كونه غير دستوري.
      إن ما يميز الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع كونها تمارس من طرف المحاكم العادية، ولا يحتاج الأمر التوجه إلى محكمة متخصصة قد تحدث لهذه الغاية. لكن الدستور المغربي ذهب عكس ذلك، وأسندها إلى المحكمة الدستورية بمقتضى الدستور الجديد، علما أن الرقابة الدستورية تعتبر أهم وسيلة لضمان حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من أي تجاوز للسلطة، لكنها تبقى وظيفة رقابية يباشرها ذوي الصفة في تقديم الطعن بعدم الدستورية، بحيث يمكن أن تحال من لدن جلالة الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء المجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين قبل دخولها حيز التنفيذ. 

  

ملتقيات طلابية لجميع المستويات : قانون و إقتصـاد

شارك هدا

Related Posts

التعليقات
0 التعليقات